الانتقام والاجتثات (2)


الحالة المغربية نموذجا.
انتهكت الأنظمةُ إنسانيةَ الإنسان وحقه في الحياة والتعبير، بلا رحمة أو هوادة.
وقاوم الإنسان أنظمة الطغاة، أطاحها ومزقها بلا هوادة.
لم تكن العبودية أول أنظمة الانتهاكات الفظيعة، ولن يكون آخرها "المكارثية" ومذبحة "ماي لاي" في فيتنام ومخزاة أبو غريب في العراق. ولا 50 مذبحة ارتكبتها الصهيونية بحق الشعب العربي الفلسطيني.
لقد أدانت الأنظمةُ الراشدة الحيّة تعسفَها وظلمَها، في سعيها إلى التبرؤ والتطهر من الماضي الدامي، فالنظام الراشد المحنك، يدرك أن لا مفر من سطوع نور الحقيقة.
كانت الأرجنتين أول من شكّلت لجنة وثّقت انتهاكات حقوق الإنسان في ظل الديكتاتورية العسكرية عام 1984.
وأنشأت تشيلي لجنة مماثلة عام 1990. وشُكّلت لجانٌ في أوغندا وأندونيسيا والسلفادور وغواتيمالا وجنوب أفريقيا ونيبال وكمبوديا وكندا وأستراليا ...
إن إنصاف المعارضة، والاعتذار عن الأفعال الوحشية المرتكبة بحقها، لهو البداية لا النهاية. فالوجه الآخر لمسألة "نبش الماضي" هو وجوب أن لا يظل من ارتكبوا الجرائم، في منأى عن المحاسبة والأفلات من العقاب.
إن مراجعة الماضي والتحديق في بشاعته، هي إجراء أخلاقي، ينصف المضطهَدين والذين تم اغتيالهم ويريح ذويهم كثيرا، وليس كليا.
وليس من مؤشر دقيق على الكوميديا السوداء، كمطالبة الظالمين بالاعتذار عن مقارفاتهم، و في المقابل قليلة هي الأنظمة التي اعتذرت لشعوبها عن القمع والإذلال !!
أقدم الملك محمد السادس ملك المغرب على أشجع القرارات وأكثرها إنصافا وعدلا، حين شكّل "هيئة الإنصاف والمصالحة" عام 2004، التي راجعت الماضي وغطّت الحقبة من 1956 حتى 1999، المُسمّاة "سنوات الدم والرصاص" !!
فقد كلّف الملكُ "هيئة الإنصاف والمصالحة" بجبر الأضرار التي لحقت بضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي. وحقَّقت اللجنة في نحو 20000 حالة، وقدمت توصياتها بتوزيع 85 مليون دولار على 16000 فرد، وخلصت إلى وفاة 742 شخصًا من المختفين قسريًا.
سوف تصل أنظمة العالم الفاسدة المستبدة إلى ساعة الحقيقة عاجلا وآجلا. ولن يقبل المظلومون أن تظل المراوحة بين مبدأي المصالحة و العقاب، فالحق في الوصول إلى الحقيقة ليس كافيا في نظر الجميع.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات