قصّة الإذلال المدوّي لأميركا و"الناتو" في أفغانستان


جراسا -

يرفرف العلم الأبيض بحروفه العربية السوداء في مختلف أنحاء كابول، وهو رمز انتصار حركة "طالبان" على عربات "الهامفي" الأميركية التي يتنقل فيها المقاتلون مع بنادق "إم 16" الأميركية.

وبعد مرور عام على استيلاء "طالبان" على السلطة، يصعب استيعاب حقيقة أن 20 سنة من الجهود الدولية لإعادة هيكلة أفغانستان، بتكلفة تصل إلى تريليون دولار وخسارة عشرات الآلاف من الأرواح الغربية والأفغانية، أدت إلى عودة الحركة إلى الحكم في نهاية المطاف.

ويستقبل الوافدون في المطار الأفغاني بلافتة كتب عليها: "تسعى إمارة أفغانستان الإسلامية إلى إقامة علاقات سلمية وإيجابية مع العالم".

ورغم آمال البعض المبكرة في أن تكون الحركة أصبحت أكثر استنارة وتخلت عن التخلف الذي هيمن على حكمها في تسعينيات القرن العشرين، لا تزال أفغانستان البلد الوحيد على وجه الأرض الذي تمنع فيه الفتيات من الالتحاق بالمدرسة الثانوية.


ومنذ الاستيلاء على السلطة، استبدلت الحركة وزارة شؤون المرأة في الحكومة الأفغانية السابقة بوزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفرضت على النساء ارتداء الحجاب، كما منعتها من السفر لمسافة تتجاوز 72 كيلومتراً من دون رجل برفقتها. أما الناشطون في المجتمع المدني، فيهيمن الخوف على حياتهم. وأطلق عناصر الحركة، يوم السبت، النار في الهواء لتفريق تظاهرة نظمتها مجموعة من النساء في كابول. وفي نهاية الأسبوع الماضي، نفذ أول جلد علني بحق امرأتين ورجل متهمين بالزنا ورجلين متهمين بالسرقة.

وفي إطار وعد الحركة بقطع علاقاتها مع الإرهابيين، كجزء من الصفقة التي أدت إلى الانسحاب الأميركي من البلاد، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن هذا الشهر عن مقتل زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري، في غارة بطائرة مسيرة على حي سكني في كابول، حيث يبدو أن "طالبان" استضافته منذ كانون الثاني (يناير).

وتحتفل "طالبان"، اليوم الاثنين، بذكرى أكبر إذلال في تاريخ منظمة "حلف شمال الأطلسي" (الناتو)، بعروض عسكرية وتجمع كبير في قلب قندهار.

وباتت هذه الأحداث للغرب حرباً يريد أن ينساها الجميع. مع ذلك، قال سعد محسني، مالك قناة "تولو تي في" التجارية الرائدة في أفغانستان: "إن تمكن البيت الأبيض من حذف كلمة أفغانستان من القاموس، سيتمكن الغرب من تحقيق ذلك".

ويسود شعور مماثل في أروقة وايت هول، إذ وصف النائب عن حزب المحافظين توم توغندهات، الذي يرأس لجنة الشؤون الخارجية وعمل في أفغانستان، ما حصل بـ"أكبر كارثة في السياسة الخارجية للمملكة المتحدة منذ أزمة السويس".

وكان التحقيق الوحيد في الانسحاب الفوضوي هو ذلك الذي ادعى أن وزير الخارجية البريطاني آنذاك دومينيك راب بقي مستلقياً على سريره في جزيرة كريت بينما كان المسؤولون يحاولون التعامل مع الوضع، وتناول أن الوكيل الدائم لوزارة الخارجية فيليب بارتون قرر عدم العودة من عطلته حتى نهاية الاجلاء.

وكانت بريطانيا ثاني أكبر مشارك في القوات الغربية في أفغانستان بعد الولايات المتحدة، في حرب كانت الأطول بالنسبة إليها منذ حرب المئة عام. وأنفقت الدولة أكثر من 40 مليار جنيه إسترليني، كما خسرت 453 جندياً، فضلاً عن مواجهة آلاف آخرين مشاكل جسدية ونفسية.



وعندما بدأت صحيفة "الصنداي تايمز"، في الأسابيع الأخيرة، في طرح أسئلة حول المسار الخاطئ الذي اتخذته الأحداث وما إذا كانت المملكة المتحدة قد بذلت أي جهد للتأثير على حليفها الأقرب لإعادة التفكير في الانسحاب المدمر، كشف نمط اعتمده "داونينغ ستريت" لفك الارتباط مع الخارج. وعندما اتضح أن "طالبان" تتجه نحو السيطرة على السلطة، بدأت لعبة توزيع الاتهامات بين مختلف الإدارات الحكومية والدوائر العسكرية والسياسية.



وقال نادر نادري، أحد كبار المفاوضين الأفغان في محادثات السلام مع "طالبان": "نظراً إلى تاريخ المملكة المتحدة الطويل في أفغانستان وكل ما قدمته من دماء وأموال على مدى السنوات العشرين الماضية، رأيت غرابة في غياب مشاركتها في صنع القرار". وأضاف أن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، عندما كان يخطط للانسحاب عام 2016 قبل مغادرته منصبه، واجه ضغطاً من رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون والمستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، ما دفعه إلى الحفاظ على مزيد من القوات في أفغانستان. أما في هذه المرة، فلم تسهم المملكة المتحدة في صنع القرار.



وفي غياب الجهود للتدخل، أدى الانسحاب السريع للقوات الأميركية إلى سقوط مقاطعة تلو الأخرى بين يدي "طالبان"، وسط انهيار جيش "الناتو" الذي كلف إنشاؤه مبالغ باهظة، ما دفع الكثير من الأفغان إلى الاعتقاد أن ما حصل خطة اعتمدها الغرب لتسليم السلطة للحركة.





أزمة طويلة الأمد

وقال الجنرال نيك كارتر، الذي كان رئيساً للأركان عندما سقطت كابول، إن ما حصل في يومي 14 و15 آب (أغسطس) كان العارض الأخير لمرض طويل الأمد، مشيراً إلى غياب استراتيجية سياسية متماسكة وفهم للسياسة الأفغانية المحلية، إلى جانب الفساد المتفشي وسوء الإدارة وقوة الشرطة المفرطة التي لا تستخدم لحماية الشعب.



وبين الأماكن الكثيرة التي يرفرف فيها علم "طالبان"، أكاديمية ضباط الجيش الوطني الأفغاني، أي المشروع الرائد للجيش البريطاني الذي افتتح في واد صخري في غرب كابول عام 2013، بتكلفة تصل إلى 75 مليون جنيه إسترليني.




وقبل عامين، رأى كارتر الأكاديمية انجازاً تفتخر به القوات البريطانية في أفغانستان.



وقال وزير القوات المسلحة آنذاك مارك لانكاستر، الذي كان قد خدم في أفغانستان، في كلمته في حفل التخرج الأول للطالبات عام 2017: "أنتن لستن بمفردكن. بريطانيا ستبقى إلى جانبكن". مع ذلك، لم تجد الخريجات العام الماضي بريطانيين ولا غيرهم من الحلفاء إلى جانبهن.



ورغم التدريبات، أبرم القادة الأفغان صفقات متتالية فور الانسحاب الأميركي، وبدأت "طالبان" تتقدم في سيطرتها على المقاطعات.



"طالبان" تعيد حشد صفوفها

ومنذ البداية، لم يكن الهدف الذي حاول المجتمع الدولي تحقيقه في أفغانستان واضحاً.



وعندما دخلت القوات التي تقودها الولايات المتحدة في كانون الأول (أكتوبر) 2001 إلى أفغانستان، رداً على هجمات 11 أيلول (سبتمبر) الارهابية، أطاحت بنظام "طالبان" في غضون 60 يوماً.



وكان الهدف الرئيسي من دخولها الانتقام والعثور على مؤسس تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن، رغم أنها أضاعت فرصة القبض عليه في جبال تورا بورا، ليصل في نهاية العام إلى باكستان. فلم يتوقع أحد أن تبقى القوات في البلاد لمدة 20 سنة.



وبدا كفاح الاتحاد السوفياتي الطويل للخروج من غزو عام 1979 بمثابة تحذير. وحذر السفير الروسي آنذاك في كابول أندريه أفيتيسيان من أن "الدخول إلى أفغانستان في غاية السهولة، لكن الخروج منها صعب إلى حد بعيد".



ومنح تشتيت الانتباه الذي أثارته الحرب في العراق عام 2003 "طالبان" فرصة لإعادة تجميع صفوفها عبر الحدود في باكستان، التي كان من المفترض أن تكون حليفة للغرب.



أفغان يحاولون اللحاق بطائرة اميركية تقلع من مطار كابول.


وعام 2006، أرسلت بريطانيا قوات إلى ولاية هلمند، لما كان من المفترض أن يكون مشروع إعادة إعمار. ورغم أن وزير الدفاع البريطاني السابق جون ريد أعرب عن أمله بعدم إطلاق "رصاصة واحدة"، أطلقت 46 مليون رصاصة بحلول الوقت الذي انسحبت فيه القوات بعد ثماني سنوات.



وعام 2011، كان لدى "الناتو" 140 ألف جندي مزود بأحدث الأسلحة. ويذكر أن عدد عناصر "طالبان" كان يبلغ 20 ألف شخص فقط.



"اعرف عدوك"، هي المقولة المأخوذة من كتاب "فن الحرب" للخبير العسكري الصيني صن تزو. لكن قوات "الناتو" لم تكن تعرف الكثير عن "طالبان"، وغالباً ما كانت تنسب إليها الاشتباكات القبلية المحلية، كما لم يكن لديها سوى صورة واحدة غير واضحة لزعيمها الملا عمر، والذي بقيت معتقدة أنه على قيد الحياة لمدة عامين بعد وفاته.



وكانت قوات "الناتو" تقاتل لدعم جهاز حكومي فاسد اعتبره معظم الأفغان المشكلة الرئيسية في حياته. وعبر الحدود، كانت باكستان تتلقى مليارات الدولارات من الولايات المتحدة لدعم لعبة مزدوجة، وإيواء "طالبان" وتمكين بن لادن من العيش في أبوت آباد.



ورأى التحالف أن المَخرج يتمثل ببناء جيش أفغاني قادر على مواجهة "طالبان"، ما يسمح للقوات الغربية بالمغادرة. وأنفقت واشنطن 83 مليار دولار على بناء جيش مؤلف من 300 ألف جندي.



ويقول كارتر إنه أوصى بنشر قوة مؤلفة من 60 ألف فرد فقط، محذراً مراراً من أن هذه الخطوة "غير مستدامة".





وبدلاً من تزويد الأفغان بمروحيات روسية يجيدون استخدامها، منحتهم الولايات المتحدة مركبات أميركية معقدة لم يتمكنوا من صيانتها، ما أدى إلى اعتمادهم على 16 ألف متعاقد أميركي ساعدوا في الحفاظ على الأسطول الجوي والأصول الأخرى التي قدمتها واشنطن.



وقال كارتر: "كان جيشاً مصمماً وفقاً للصورة الغربية واعتمد إلى حد بعيد على دعم الأميركي للتعامل مع منصة تقنية ولوجستية"، مشيراً إلى أنه أمضى وقته كنائب لقائد "الناتو" عام 2013 محاولاً اقناع التحالف بالحاجة إلى إيجاد حل أفغاني.



انسحاب حتمي

وذكر وزراء الحكومة البريطانية ومسؤولون مشاركون في الاجلاء أن الطريقة التي ستنسحب بها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون من أفغانستان أصبحت حتمية قبل 18 شهراً، في 29 شباط (فبراير) 2020، يوم وافق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على صفقة مع "طالبان" في الدوحة تسمح للقادة السياسيين في الحركة بالعمل في المنفى. وأنهت الصفقة النزاع المستمر منذ 20 سنة، كما فرضت قيوداً تشمل انسحاب قوات "الناتو" من أفغانستان مقابل ضمانات محددة لمكافحة الإرهاب.



وكانت صفقة غير عادية، إذ تم التفاوض عليها بدون مشاركة الحكومة الأفغانية، ما يؤكد أن الأخيرة كانت "دمية"، كما وصفتها "طالبان"، وألزمت بالإفراج عن 5 آلاف سجين ينتمي إلى الحركة.



ووافق ترامب مبدئياً على خفض القوات الأميركية من 13 ألف إلى 8600 جندي خلال 135 يوماً، وإغلاق القواعد الأميركية العسكرية الخمس، قبل الانسحاب الكامل بحلول 1 أيار (مايو) 2021.



ولاقت الصفقة دعم باكستان والصين وروسيا، وصُدق عليها في إجماع لمجلس الأمن. لكن مصادر حكومية رفيعة في لندن أفادت أن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون كانت لديه تحفظات جدية بشأن الصفقة، إلى جانب وزير الدفاع بن والاس ووزيرة الداخلية بريتي باتيل.




وتحدث مصدر حكومي رفيع عن عدم ارتياح الشخصيات الثلاث للصفقة، وعدم تفاؤلهم بشأن الانسحاب من البلاد.




وذكر مسؤول رفيع في وزارة الدفاع البريطانية: "لا أرى أي طريقة كان بامكانها تغير الوضع منذ لحظة توقيع الصقفة، مشيراً إلى أن الحركة كانت تعمل على مدار الساعة، وتهدد بتصعيد العنف في حال عدم انسحاب القوات.



وفي حينه، أعرب والاس عن ترحيبه بالصفقة باعتبارها "خطوة صغيرة لكن مهمة نحو عيش الأفغان في سلام"، ليعود ويصفها في ما بعد بأنها "صفقة فاسدة".



وكتب الرئيس السابق لـ"وكالة الاستخبارات المركزية" (سي أي أي) ديفيد بترايوس، الذي قاد القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، الأسبوع الماضي في مجلة "أتلانتيك": "لا بد من تصنيفها بين أسوأ الاتفاقيات الدبلوماسية التي أبرمتها واشنطن".



وبعد الصفقة، اتضح أن قوات الأمن الأفغانية باتت بمفردها.



وقال المفتش الأميركي العام لإعادة إعمار أفغانستان جون إف سوبكو، إن هذه الخطوة كانت مفتاح الانهيار، معتبراً أن الولايات المتحدة أنشأت قوة دفاع أفغانية كانت تعلم أنها لا تستطيع الصمود بمفردها في غياب أي دعم عسكري. وأفاد تقرير صدر عن إدارته أن الجيش الأميركي خفض دعمه لقوات الأمن الأفغانية "بين ليلة وضحاها" عقب الصفقة، فتركها بدون قوة مضاعفة بالغة الأهمية، وهي الضربات الجوية الأميركية.



وعام 2019، نفذت الولايات المتحدة 7423 غارة جوية، وهو أكبر عدد منذ عام 2009. أما عام 2020، فانخفض العدد إلى 1631 غارة، ونصفها تقريباً نفذ في الشهرين اللذين سبقا الصفقة.



وفي وستمنستر، كانت أفغانستان توتر العلاقات الخاصة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وتحرض الوزراء ضد القادة العسكريين. وبلغ التوتر ذروته عندما تخلفت واشنطن عن مشاركة سلسلة من الملاحق السرية من الصفقة مع المملكة المتحدة.



وكانت الوثائق السرية، التي قرأتها "طالبان"، تحتوي على تفاصيل حول الإجراءات العملياتية والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وبقيت الحكومة البريطانية تجهل محتواها لأشهر.



واستذكر أحد كبار المسؤولين في المملكة المتحدة: "ثمة ملحق في غاية السرية تم التكتم عليه لأشهر"، مضيفاً أن كارتر تمكن من إقناع ميلي بالتطرق إليه.


غياب خطة بديلة

وأعربت حكومة الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني عن أملها في أن يراجع بايدن خطة الانسحاب الكامل من أفغانستان بعد توليه منصبه. وكان كبار المسؤولين العسكريين يحذرون الانسحاب في الموعد المتقف عليه، مشيرين إلى أن هذه الخطوة قد تخلف تأثيراً كارثياً على القوات الأفغانية.



وكتب قائد القيادة المركزية الأميركية آنذاك الجنرال فرانك ماكنزي عدداً من الرسائل في الخريف والربيع من العام الماضي، محذراً من أن سحب القوات الأميركية على عجلة قد يحدث انهياراً. وفي مقابلة أجريت بعد تقاعده قال: "كان علينا البقاء. نصحت بالحفاظ على وجود محدود لتقديم بعض الدعم للأفغان، لكن نصيحتي لم تؤخذ في الاعتبار".


وفي وقت مبكر من ولاية بايدن، انخرطت وزارة الدفاع البريطانية وداونينغ ستريت في مناقشات مطولة حول إمكانية تغيير الموقف، لكن الاجتماعات خلصت إلى أن البيت الأبيض والجيش الأميركي غير متحالفين.



وفي نيسان (أبريل) 2021، أعلن بايدن عن التزام واشنطن بالموعد النهائي المتفق عليه مع "طالبان" في 1 أيار (مايو)، للانسحاب الكامل من البلاد. والتزم بتقليص عدد الجنود الأميركيين في أفغانستان إلى 2500 جندي مع حلول 11 أيلول (سبتمبر)، الذكرى العشرين للهجمات الإرهابية التي نفذتها "القاعدة" على الولايات المتحدة.



وأصيب كارتر ومسؤولون آخرون بالفزع، إذ قال في حينه: "لم يكن القرار الذي كنا نأمل في اتخاذه". وإلى جانب والاس، حاول حشد حلفاء آخرين في "الناتو" مثل الإيطاليين والألمان، لكن من دون تأثير يذكر.



وأفاد مسؤول رفيع في وزارة الخارجية: "تحدث وزير الدفاع مع حلفاء غير أميركيين في حينه، ليرى ما إذا كان لديهم أي اهتمام بتشكيل تحالف غير أميركي للراغبين في البقاء، لكن الأمر لم يسفر عن أي نتيجة".



ورأى جونسون أن بايدن حوصر في الزاوية، معتبراً أن محاولة إقناعه بالعدول عن قراره غير مجدية، فامتنع عن اخباره بأنه "ارتكب خطأ" خلال المحادثات الثنائية.



ولم يكن لدى الحكومة الأفغانية خطة بديلة.


وعود فارغة

كان الملازم الأول فؤاد كوهسار، قائد القوات الخاصة الذي تدرب في بريطانيا، محاوطاً من قوات "طالبان" من ثلاث جهات في بساتين تفاح في محافظة وردك، عندما أدرك أن وعد الحكومة البريطانية بالبقاء إلى جانب الأفغان كان فارغاً. وقال: "طلبت غارة جوية لكنها لم تنفذ".



ولم تكن القوات الأميركية الوحيدة التي ستغادر البلاد، إنما المتعاقدون الذين يقدمون كل الدعم اللوجستي والصيانة للقوات الأفغانية.



وأوضح كارتر أن الأفغان لم يكن لديهم أي مسؤول عن الصيانة وتشغيل المعدات، لكن أحداً لم يفكر بالتبعات الكارثية، مضيفاً أن ذلك لم ينتج عن نقص ذكاء بقدر ما كان فشلاً في الفهم الحقيقي لمدى هشاشة الوضع في عهد غني.



ردود فعل غاضبة

في ثلاثة أشهر، رفعت "طالبان" عدد المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى أكثر من ثلاثة أضعاف، أي من 73 إلى 233 منطقة. وبحلول مطلع آب (أغسطس)، شنت الحركة هجمات على عواصم المقاطعات، ما أدى إلى استسلام القادة الأفغان فوراً.



ورغم الانهيار المقلق للقوات الأفغانية خلال هذه الفترة الوجيزة، استمر بايدن في الإصرار على أن سيطرة "طالبان" ليست مؤكدة، وفي 8 تموز (يوليو)، قال إن القوات الأفغانية لديها 300 ألف جندي مجهز مقابل 75 عنصراً من "طالبان".



ومع ذلك، تحدث كارتر قبل ساعات عما وصفه بـ"صورة قاتمة جداً"، محذراً من انهيار الدولة بعد الانسحاب الأميركي.



ويساعد ذلك في تفسير غضب كبار الشخصيات العسكرية البريطانية في 31 آب (أغسطس) من الانهيار، عندما ادعى وزير الخارجية آنذاك دومينيك راب، أن "أفضل تقييم مركزي" للمملكة المتحدة قد رجح أن يتدهور الوضع ببطء بعد أيلول (سبتمبر)، مشيراً إلى سقوط كابول بعد أشهر عدة.



ورأى البعض أن المملكة المتحدة والجيش الأميركي بالغوا في اعتمادهم على قدرة الجيش الأفغاني على التصدي لـ"طالبان".



بداية الإجلاء

في 13 آب (أغسطس)، تحقق السيناريو الأسوأ الذي رسمته تقييمات الاستخبارات البريطانية. وسيطرت "طالبان" على مدينة لشكر جاه، بعد قندهار وهرات، لتستولي على أكثر من ثلثي البلاد. وأشارت الاستخبارات الأميركية إلى احتمال سقوط كابول خلال 90 يوماً.



وفي صباح ذلك اليوم، قرر جونسون الدعوة إلى عقد اجتماع للجنة الطوارئ في الحكومة، ضم وزراء رئيسيين منهم ووالاس وباتيل ووزير مكتب مجلس الوزراء آنذاك مايكل غوف، المسؤول عن التنسيق بين الإدارات. وحضر راب الاجتماع عن بعد، بعدما قرر البقاء في إجازته في جزيرة كريت.



ووافق الوزراء والمسؤولون على عدد من الخطط لبدء إجلاء القوات البريطانية. ونقلت العمليات من غرف اجتماعات اللجنة إلى مركز مؤقت للأزمات.



وبعد الاجتماع، أفاد مصدر مطلع أن الخطط التي وُضعت مسبقاً لم تعد تتلاءم مع الوضع المتدهور بسرعة، ما دفع رئيس أركان جونسون آنذاك دان روزنفيلد إلى التواصل براب ومستشار الأمن القومي ستيفن لوفغروف لحضهما على العودة من الاجازة. لكن راب لم يعد إلى المملكة المتحدة قبل الساعات الأولى من صباح يوم الاثنين، بعد يوم من سقوط كابول بين يدي "طالبان".


وبحلول صباح السبت، كانت الحركة اقتربت من كابول. وفي هذه المرحلة، ورد أن المسؤولين في وزارة الخارجية تلقوا تقييماً جديداً من وزارتي الدفاع الأميركية والبريطانية، يشير إلى أن الخطر على حياة موظفي السفارة قد ارتفع بشكل خطير. وبعد الاطلاع على التقييمات أعطى راب الضوء الأخضر لاجلائهم.



وأجج هذا القرار التوتر بين راب وروزينفيلد، الذي شدد على ضرورة عدم إجلاء السفير تحت أي ظرف.



فرار الرئيس الأفغاني

في 15 آب (أغسطس)، فر غني برفقة زوجته وكبار مستشاريه عبر مروحيات، وتوجهوا أولاً إلى أوزبكستان، ومن ثم إلى أبوظبي.



وفي الوقت نفسه، شوهد راب وهو يستمتع على شاطئ الجزيرة، لكن وزارة الخارجية رفضت هذه الصورة، مشددة أنه استمر في المشاركة في اجتماعات رفيعة المستوى.



وذكرت التقارير الأولية أن حزب غني أفرغ خزائن الحكومة وترك ما يصل إلى 169 مليون دولار، لكن التحقيق الذي أجراه مكتب المفتش العام خلص إلى أن حجم الأموال النقدية التي نقلت من أفغانستان مع غني لم تتجاوز مليون دولار، بل تقدر بـ500 ألف دولار.


ويبدو أن الرئيس أصيب بالذعر عند إطلاق نار على بوابات القصر، لا سيما بعد الاغتيال المروع لسلفه محمد نجيب الله، عندما استولت "طالبان" على السلطة عام 1996.





ويعتقد مستشار الأمن القومي السابق أن انقاذ أفغانستان كان ممكناً لو زود المجتمع الدولي القوات الجوية الأفغانية بصواريخ موجهة بالليزر تمكنهم من شن ضربات جوية.





وأعرب كارتر عن عدم ارتياح وحزن عميق لما حدث. وقال متأثراً: "لا يمر يوم من دون أن استذكر وضع جثث جنود بريطانيين في أكياس لنقلهم من أفغانستان"، مشدداً على ضرورة التعلم من الأخطاء، لا سيما في ما يتعلق بالإدارة العامة للحملة في أفغانستان.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات