استقرار التشريعات يجذب الاستثمار


أ. د. ليث كمال نصراوين*

تسعى الحكومة جاهدة إلى تشجيع الاستثمار وتوفير البيئة المناسبة التي تجذب الاستثمارات إلى المملكة. وقد قامت لهذه الغاية بإنشاء وزارة خاصة بالاستثمار في نهاية عام 2021 لتقوم بالأعمال والمهام التي كانت تقوم بها هيئة الاستثمار، والتي تقرر إلغاؤها بموجب القانون المعدل لقانون إعادة هيكلة المؤسسات والدوائر الحكومية رقم (6) لسنة 2022.
وبهذا يعود الاختصاص في متابعة الشؤون المتعلقة بالاستثمار إلى مجلس الوزراء باعتباره صاحب الولاية الدستورية العامة في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية، ذلك بعد أن كان قد تقرر إخراجه من نطاق مسؤولياته لصالح هيئة الاستثمار، التي كانت قد أنشئت بموجب قانون خاص في عام 2014، وذلك تطبيقا لأحكام المادة (45/1) من الدستور.
وفي إطار تطوير التشريعات المرتبطة بتنظيم بيئة الاستثمار وتوحيدها وحماية المستثمرين من التعقيدات الحكومية، أقرت الحكومة مشروع قانون البيئة الاستثمارية الجديد لعام 2022، الذي يحتل مركز الصدارة من حيث الأهمية في جدول أعمال الدورة الاستثنائية الحالية، والذي بدوره سيلغي كل من قانون الاستثمار لعام 2014، وقانون الرقابة والتفتيش على الأنشطة الاقتصادية لعام 2017.
إن هذه التشريعات ذات الصلة بالاستثمار والتي تخضع للمراجعة والتقييم من الحكومة الحالية تمتاز بحداثة إصدارها، فأقدمها المتمثل بقانون الاستثمار لم يُكمل السنة الثامنة من عمره بعد. وهنا، يثور التساؤل حول الاختلاف الجوهري في الرؤى الحكومية وغياب الاستمرارية في السياسة الاقتصادية الوطنية العليا. فعندما تقرر إنشاء هيئة الاستثمار، عم الفرح والسرور أرجاء الدولة بأنها ستقوم بجذب الاستثمارات، وبأنها ستسهم في تبسيط إجراءات الاستثمار وتوحيد المؤسسات الاستثمارية الحكومية الرئيسية. فقد حلّت هذه الهيئة محل ثلاث مؤسسات وطنية هي؛ مديرية ترويج الصادرات التابعة للمؤسسة الأردنية لتطوير المشاريع الاقتصادية، وهيئة المناطق التنموية والحرة، ومؤسسة تشجيع الاستثمار.
واليوم، يتقرر إلغاء هذه الهيئة الوطنية، وما رافق إنشاؤها وقيامها بمهام عملها من مصاريف تأسيسية ونفقات تشغيل، دون إجراء عملية مراجعة وتقييم موضوعية لما قامت به من أعمال، والتحديات التي واجهتها وأدت إلى فشلها في القيام بمسؤولياتها المناطة بها، وذلك بغية الوقوف على الدروس التشريعية والاقتصادية المستفادة من هذه التجربة في مجال الاستثمار.
إن المرحلة الاستثمارية القادمة بعد إقرار قانون الاستثمار الجديد ستمتاز بالمركزية الحكومية في رسم الاستراتيجيات والسياسات الوطنية الخاصة بالاستثمار، ودراسة المعوقات التي تواجه تأسيس وممارسة الأنشطة الاقتصادية، وتحديد السبل الكفيلة لمعالجتها. يضاف إليها رسم السياسة العامة لمشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتحديد الأنشطة والقطاعات ذات الأولوية، والتي تتولاها وحدة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في رئاسة الوزراء، والتي تقرر إنشاؤها بموجب قانون مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص رقم (17) لسنة 2020.
في المقابل، جرى الإبقاء على هيئة وطنية مستقلة ذي صلة وثيقة بالاستثمار في مشروعات كبرى، هي صندوق الاستثمار المنشأ بموجب قانون خاص لعام 2016، والذي تنحصر استثماراته في تطوير وإدارة وتشغيل مشاريع محددة على سبيل الحصر وردت في المادة (4) من القانون، مع إعطاء الحق لمجلس الوزراء في إضافة مشاريع بنية تحتية أو تنموية كبرى لمجال عمل الصندوق.
وإلى جانب هذا التعدد في المرجعيات الوطنية التي تُعنى بالاستثمار، فإن التشريعات الوطنية الأخرى تبقى في حالة ديناميكية مستمرة من التغيير والتعديل وضمن أوقات زمنية قياسية. فالقانون المعدل لقانون منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة لعام 2022 قد دخل حيز التنفيذ منتصف هذا الشهر، ليتم قبل أيام إقرار مشروع قانون معدل جديد له يتضمن أحكاما تشريعية على صلة وثيقة بالاستثمار تخص تسجيل الشركات الأجنبية لدى سلطة العقبة ومعاملتها الضريبية.
إن الاستقرار التشريعي في قوانين الاستثمار لا يقل أهمية عن أي خطوات أو مقترحات عليا لتوحيد الإجراءات وتبسيطها، كما أنه يتقدم من حيث الضرورة على كافة الهيئات والمجالس الوطنية التي يتم تشكيلها لغايات تشجيع البيئة الاستثمارية.

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات