في تنفيذ عقوبة الإعدام


دائما ما يعود النقاش حول تنفيذ عقوبة الإعدام في الأردن مع كل جريمة بشعة يجري ارتكابها، حيث رافق اغتيال الطالبة الجامعية إيمان قبل أيام جدلا واسعا بين مؤيدي هذه العقوبة الجزائية الذين يطالبون بتطبيقها على مستحقيها، بشكل يحقق الردع العام للمجتمع. في المقابل، تعارض فئة من الحقوقيين ونشطاء المجتمع المحلي هذه العقوبة مطالبين بإلغائها، بحجة أن الحق في الحياة هو حق مقدس لا يمكن المساس به من أي جهة كانت حتى ولو كانت وطنية ومسؤولة عن إنفاذ القانون.

وبين هذه الأفكار المتناقضة التي لا يمكن لها أن تتلاقى، يكشف لنا الواقع العملي عن تزايد في عدد المحكومين بالإعدام في الأردن من الذكور والإناث، حيث كشفت الأرقام الرسمية لوزارة الداخلية أن عدد الأشخاص الذين صدر بحقهم حكم قضائي قطعي بالإعدام قد بلغ (219) نزيلا، من بينهم (197) نزيلا من الذكور، و(22) نزيلة من الإناث محكومات بالإعدام.

ونظرا لطبيعة عقوبة الإعدام باعتبارها من أشد العقوبات الجزائية وأقساها، فقد اختار المشرع الدستوري أن يُفرد لها نصا خاصا في المادة (39) من الدستور التي تقضي صراحة بأن ﻻ ينفذ حكم الإعدام إلا بعد تصديق الملك، وأن كل حكم من هذا القبيل يجب أن يعرضه عليه مجلس الوزراء مشفوعا ببيان رأيه فيه.

وتكمن الفلسفة الدستورية في ربط تنفيذ حكم الإعدام بموافقة الملك في ماهية هذه العقوبة التي عرّفتها المادة (17) من قانون العقوبات بأنها "شنق المحكوم عليه"، وفي الآثار الاجتماعية والسياسية المترتبة عليها. لذا، فقد اشترط المشرع الدستوري موافقة الملك على تنفيذ عقوبة الإعدام، وألزم مجلس الوزراء أن يعرض عليه الأحكام القضائية المتضمنة الإعدام مشفوعة برأيه حول تنفيذ العقوبة من عدمها.

وتتشابه الأنظمة القانونية المقارنة مع الدستور الأردني فيما يخص ضرورة الحصول على موافقة رئيس الدولة لتنفيذ عقوبة الإعدام، وإن اختلفت بعضها في مستوى التشريع الوطني الذي يحكم تنفيذ هذه العقوبة، حيث جاء تنظيم هذه الأحكام الإجرائية في القوانين الجزائية، دون الإشارة لها في الدساتير الوطنية.

ففي مصر، وردت الأحكام المتعلقة باشتراط موافقة رئيس الدولة لتنفيذ عقوبة الإعدام في المادة (470) من قانون الإجراءات الجنائية التي تلزم وزير العدل برفع أوراق الدعوى إلى رئيس الجمهورية للموافقة على تنفيذ حكم الإعدام. وهو الحكم ذاته الذي أوردته المادة (328) من قانون الإجراءات الجنائية البحريني فيما يخص ضرورة الحصول على موافقة الملك لتنفيذ عقوبة الإعدام.

بالعودة إلى الموقف الأردني من عقوبة الإعدام، نجد بأنه قد جرى تعليق تنفيذ هذه العقوبة دون صدور قرار رسمي بذلك خلال الفترة من 2006 وحتى 2014، ليتم بعدها تنفيذ سلسلة من الإعدامات خلال السنوات 2014 و2015 و2017. وقد عمل المشرع الأردني خلال هذه السنوات على تعديل العديد من التشريعات الجزائية لصالح تضمينها نصوص قانونية تعاقب بالإعدام، وفي مقدمتها قانون العقوبات.

كما تزامن وقف العمل بعقوبة الإعدام مع إصدار قانون العقوبات العسكري رقم (58) لسنة 2006 الذي يتضمن العديد من الجرائم المعاقب عليها بالإعدام. كما صدر قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (23) لسنة 2016 الذي أضاف صورا جديدة من الجرائم التي يتم المعاقبة عليها بالإعدام، ومثالها عمليات بيع وشراء المواد المخدرة المرتكبة بالاشتراك مع عصابات دولية.

إن وجود هذه النصوص الجزائية التي تقرر عقوبة الإعدام يلزم المحاكم الوطنية بتطبيقها والاستناد إليها في أحكامها القضائية الصادرة بالإعدام، والتي يتم وقف تنفيذها رغم صيرورتها قطعية. وعليه، فإن الحاجة ماسة إلى توضيح الموقف الأردني من هذه العقوبة الجزائية إما بالإبقاء عليها وتنفيذها وفق الأصول الإجرائية بما يحفظ الأمن والسلم المجتمعي، أو البدء بإلغائها من خلال تعديل التشريعات الجزائية التي تقرر عقوبة الإعدام.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات