اللائمة والمسؤولية


في العام 973 للميلاد؛ ولد أحمد بن عبدالله، وخلال طفولته أصيب بمرض الجدري قبل إبتكار علم اللقاحات والعلاجات اللازمة له، ففقد بصره لبقية عمره، إلا أن جهود والده كانت كبيرة في مساعدته على تعلّم اللغة العربية وقواعدها، بالإضافة الى علم النحو. لم يطل به الأمر، وتوالت عليه المصائب ففقد والديه أيضاً، وعاش في فقر مدقع، وفي بيئة يغلب عليها الفساد السياسي، والفقر والبطالة.
نتيجة للظروف السابقة؛ نشأ أحمد بن عبدالله شاباً متقشفاً زاهداً في الحياة، لدرجة أنه عاش عمره دون أن يأكل اللحوم، لأنه كان يحرم إيذاء الحيوان، وكان يلبس الخشن من الثياب، ورغم صعوبة تلك الظروف؛ إلا أنه أصبح شاعراً ومفكراً وأديباً وفيلسوفاً إمتد صيته الى الآفاق، إنه أبو العلاء المعّري.
بدأت قولي بقصة أبو العلاء المعّري بسبب بين الشعر الخالد الذي ذكره، وأصبح بمثابة وصيته من بعده فقال:
هذا ما جناه أبي عليَّ وما جنيت على أحد
وقيل بأنه لم يتزوج، لأنه لم يتطلّع الى إنجاب أطفال يعانون في الحياة، كما عانى هو خلال حياته، وبالتالي فهو من خلال شعره ألقى باللائمة على والده في جميع الصِعاب التي واجهته، وعز له المسؤولية في حالة العمى والفقر التي لازمته خلال حياته.
ولكن الفرق كبير بين اللائمة والمسؤولية؛ فاللائمة تتم على شيء حصل في الماضي وإنتهى، أما المسؤولية فإنها تخص الحاضر الذي تعيشه اليوم.
نعم بإمكانك إلقاء اللائمة على والدك بسبب إنجابك، أو بسبب تربيتك في صغرك لحين بلوغك، ولكن بعد ذلك تصبح حياتك مسؤوليتك أنت، وبإمكانك تغيير الواقع الذي خلّفه لك والدك إن لم يعجبك، وإذا أردت.
فمثلاً؛ هنالك الكثير من الطرق التي يضعها الخبراء المختصون لخسارة الوزن، وفشلك في تحقيق ذلك لا يعطيك الحق بتحميل صاحبها المسؤولية على ثبات وزنك أو زيادته، وإنما يجب أن تُرِجع ذلك الى أسلوبك في تطبيق تلك الطريقة، أو عدم مناسبتها لك من الأساس.
وهنالك الملايين من المقالات والكتب والكتّاب حول العالم، وإختيارك لكتاب لا يناسب ذوقك هو مسؤوليتك أنت، وليست مسؤولية الكاتب الذي كتبه منذ سنوات طويلة.
والشيء بالشيء يُذكر؛ إن متابعتك لشخص ما على وسائل التواصل الاجتماعي لا يفرض عليه أن يسعى جاهداً لينال إعجابك من خلال منشوراته، ولا يمكنك تحميله المسؤولية بتعكير مزاجك، أو أن تتهمه بالنفاق والخيانة بسبب فكرة إقتطعتها من أحد منشوراته، فهي مسؤوليتك أنت أن تختار من تتابع منذ البداية، فلا تتوقع من صفحة رياضية أن تقدم منشورات دينية يوم الجمعة، أو من صفحة مختصة بالطبخ أن تتعرض للمستجدات السياسية والإقتصادية.
يُعلّق الكثير من الناس اليوم فشلهم على أسلوب تربية والدَيهم، أو على أحد أساتذة المرحلة الأساسية لدرجة متدنية أحبطك بها، أو رسوبك في الثانوية بسبب إزعاج الجيران، كلها أنواع من اللائمة التي وقعت في الماضي، وكان بإمكانك أن تصنع حاضرك ومستقبلك بنفسك حين سنحت لك الفرصة، وتغير من الواقع، ولكنك تقاعست عن ذلك.

خلاصة القول:
قد تتعرض في مراحل حياتك المختلفة لأشكال من الفشل وخيبات الأمل، وقد يضعك غيرك في موقف صعب، أو ظروف سيئة، فإما أن تجلس ويدك على خدك وتلقي بالمسؤولية عليهم في تدمير حياتك، وإما أن تبدأ بتشكيل حياتك بالشكل الذي يناسبك وتطمح اليه، وهو الفرق الواضح بين الفاشل والناجح.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات