التجارة في الكتابة والكتب


كنتُ قد أشرتُ سابقاً الى أهمية القراءة، والفوائد التي من الممكن الحصول عليها منها، بالإضافة الى بعض الخطوات التي من الممكن أن تجعل منك قارئاً نهِماً، محباً للكتب.
من أكبر المصاعب التي واجهتني في القراءة هي شراء الكتب وإقتناءها، فعلى الرغم من كثرة الكتب والكتَّاب، وتطور تكنولوجيا الطباعة والنشر وإنخفاض تكاليفها، إلا أن أسعار الكتب ما زالت مرتفعة بشكل كبير.
قرأت قبل فترة ملخَّصاً من صفحتين عن كتاب لكاتب عالمي مشهور، وأشار الملخَّص الى أهمية الكتاب، ومعلوماته المفيدة فيما يخص تطوير طرق السعي لتحصيل الرزق، فما كان مني إلا أن توجهت للمكتبة للبحث عنه، ولحسن حظي أن وجدته.
ولكن من سوء الحظ أن الكتاب يضم حوالي 80 صفحة فقط، وعندما نظرت الى سعره، وجدته 22 دولاراً، أي أن كل أربع صفحات – أو ورقتين - بدولار، وهو سعر مرتفع جداً. والغريب في الموضوع أن الكتاب نال شهرة واسعة، وأصبح من الكتب الأكثر مبيعاً، مما دفع الكاتب الى تأليف جزءٍ ثانٍ منه، وكان بنفس عدد صفحات الجزء الأول وبنفس السعر تقريباً.
لا بد من الوقوف جيداً على أسعار الكتب هذه الأيام، فعلى الرغم من التشجيع المستمر على القراءة من قِبل الحكومات والمؤسسات الخاصة بهدف نشر الثقافة؛ إلا أن أسعار الكتب تقف حائلاً أمام القُرَّاء، خصوصاً في ظل الإمكانيات المتواضعة لأغلبية الأُسر، مما يدفع الكثير منهم للعزوف عن القراءة، أو اللجوء الى إقتناء الكتب عبر أساليب غير شرعية، وفيها تعدٍ واضح على حقوق التأليف والنشر والتوزيع.
قد لا تتجاوز تكلفة طباعة بعض الكتب عدة دولارات، ولكن جشع بعض الكتَّاب ودور النشر والطباعة والتوزيع، يؤدي الى الإرتفاع الخيالي لأسعار الكتب، مما يخالف صراحة الأهداف المعلنة لكثير من الكتّاب، ودور النشر والطباعة.
ربما تكون الكتابة هي الدخل الوحيد للكاتب، مما يدفعه الى التجارة بقلمه، ويُصبح الربح هو الغاية الوحيدة من الكتابة، فعلى الرغم من إبداع الكثير من الكتاب العالميين على مر التاريخ؛ إلا أن مؤلفاتهم كانت محدودة، فنجد أن الكاتبة الإنجليزية أجاثا كريستي، وعلى الرغم من شهرتها التي بلغت الآفاق؛ إلا أنها كانت تؤلف كتاباً واحداً سنوياً، والكاتب جورج أورويل أيضاً كان مُقِلاً في كتاباته بالرغم من كونه أحد أفضل كتَّاب القرن العشرين.
وتوفي الطبيبان أحمد خالد توفيق ونبيل فاروق - رحمهما الله – ولم يحققا تلك الثروة من الكتابة، على الرغم من زخم كتابتهم، ودورهم في إيجاد جيل كامل من القُرّاء في مصر والوطن العربي، إلا أن كتبهم كانت تباع بأسعار رمزية، تتوافق مع الرسالة التي كانوا يهدفون الى إيصالها من خلال تلك الكتب.
اليوم نجد كاتباً مغموراً أشتُهر بسبب واحدة من رواياته، فيعمد الى إغراق الأسواق بمؤلفاته بهدف زيادة المبيعات والأرباح، فلا يكاد يمضي عدة أشهر إلا وطرح كتاباً جديداً، مما يؤدي الى تدني جودة كتاباته، وعُزُوف الناس عن القراءة له لاحقاً.
الأمر الآخر اللافت للإنتباه؛ هو تلك الجملة التي أصبحتُ أجدُها على غلاف الكثير من الكتب، والتي تخدع العديد من القرّاء خصوصاً المستجدين منهم، وهي: "من الكتب الأكثر مبيعاً"، دون الإشارة الى أين ومتى بيعت نُسخ هذا الكتاب، فربما كان الأكثر مبيعاً في مدينته أو قريته، وربما كان الأكثر مبيعاً في دار النشر التابع لها، ولكن ذلك لا يعكس بالضرورة الجودة المرتفعة للكتاب ومعلوماته.
وكوني عاشقاً للكتب؛ خصصت جزءاً من دخلي لشراء الكتب شهرياً، ولكن بعد المراجعة والتدقيق، وجدت أن المبلغ المرصود لا يكفي لشراء كتاب أو إثنين شهرياً، وبالتالي بدأت بالبحث عن أساليب جديدة لإقتناء الكتب ومطالعتها.
وجدتُ ضالتي في معارض الكتب الدولية، والتي تُقام سنوياً، إذ أن تلك المعارض تضم العشرات من دور النشر، والتي تتسابق لتسويق منتجاتها عبر تلك المعارض، وربما يدعوها الإقبال الكبير على خفض الأسعار بغرض جذب القرّاء.
إلا أن الأسلوب الذي وجدته أكثر نجاعة، هو تبادل الكتب من غيري من القرّاء، حيث تقام بين فينة وأخرى معارض لتبادل الكتب بينهم، وذلك في ظل أن عدداً منهم لا يحبذ إقتناء الكتاب بعد الإنتهاء من قراءته، ويسارع الى إستبداله.
وكذلك شراء الكتب المستعملة، وهي الطريقة التي بت أعتمدها في الآونة الأخيرة، فقد يلجأ البعض للتخلص من الكتب لعدة أسباب كالسفر أو ضيق المكان، وأجد في ذلك فرصة مناسبة لشرائها وإقتناءها في ظل إنخفاض أسعارها. الجميل في الموضوع أن تلك الكتب قد تكون غير مقروءة بتاتاً، وبعضها ما زال محتفظاً بغلافه، أو أن يكون صاحبها مقدِّراً لأهميتها، ومحافظاً عليها.
كما وجدت في الكتب الإلكترونية مخرجاً لمطالعة بعض الكتب غير المتوفرة في المكتبات، وكذلك في الكتب الصوتية التي تساعدني على إستغلال أوقاتي خلال قيادتي للسيارة أو أثناء عملي في حديقة المنزل.
قد تتعدد طُرق الحصول على الكتب، ولكن الهدف يبقى واحداً في قراءة تلك الكتب، ومطالعة ما تزخر به من معلومات تساهم في رفع المستوى الثقافي للبشر، وكل ما نرجوه أن يترفَّع الكتَّاب ودور النشر عن المبالغة في الأسعار، والمحافظة على الرسالة السامية لعمليتيّ الكتابة والنشر.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات