حقائق الحرب في أوكرانيا


جراسا -

كشفت الحرب في أوكرانيا، عن حقيقة أن «الخوف» هو المحرك الأعظم في شؤون الحرب والسلام.. وأن الخوف هو الدافع لما تقدم عليه روسيا ــ الخوف مما تعتبره تفوق حلف شمال الأطلسي عسكرياً وتكنولوجياً وتدخله الخاطئ في الشؤون الخارجية وامتداد رقعة نفوذه وصولاً إلى حدودها الغربية ـ وأن الخوف هو محرك هواجس الغرب من تطلعات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التوسعية بأحلام استعادة مجد الاتحاد السوفيتي السابق، وأن الجميع يشترك في الخوف من اندلاع حرب عالمية ثالثة.

حرب بالوكالة
وعلى هامش العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.. هناك من يصف النزاع في الدول الغربية، بأنه حرباً بالوكالة بين حلف شمال الأطلسي «الناتو» وروسيا. ولكن لا بد من الاعتراف أيضاً بالمدى الذي تذهب إليه الدول الغربية في مساعيها لتجنّب اندلاع حرب أوسع. ويبدو أن روسيا قبلت بحدود النزاع الذي رسمه حلف شمال الأطلسي. وامتنعت موسكو عن استخدام عبارة «حرب بالوكالة عن ناتو» في وصفها للحرب، ربما لخوفها من تحوّل العبارة إلى واقع.

خوف روسيا على أمنها في وجه عدوان الدول الغربية
اختلف المتابعون الغربيون للشأن الروسي حول الدوافع التي تحرك القرارات الروسية ـ بحسب الباحثة والإعلامية البريطانية، ماري ديجيفسكي، المتخصصة في الشؤون الخارجية، ومهتمة بالعلاقات الدبلوماسية بين الكرملين والغرب ـ والغالبية ترى أن روسيا خصوصاً روسيا «البوتينية» هي دولة جوهرها توسعي، وخلاصات هؤلاء تقول إن على الدول الغربية أن تقف في وجه روسيا وأن تواجه القوة بالقوة لأن القوة هي اللغة الوحيدة التي تفهمها روسيا

وترى «ديجيفسكي»، أن هذا النهج للدول الغربية من شأنه أن يعقّد الأمور بشكل أكبر، لأن ما يبدو أنه عدوانية روسية هو في الحقيقة انعكاس للخوف الذي تعانيه روسيا.. هو خوف على أمنها في وجه عدوان الدول الغربية التي تُعتبر قوية بالمقارنة مع روسيا.

ولو تم التعامل بجدية مع المخاوف الروسية بعد انتهاء الحرب الباردة، ولو كان تم حل حلف الأطلسي أو إعادة تشكيله، لكانت روسيا اليوم تنعم بالشعور بالأمان وما كانت لتشكّل أي تهديد لأي كان.




الخوف يحرك المواقف الروسية
الخوف هو ما يحرك روسيا اليوم، وهو خوف مما تراه تفوّقاً لحلف الأطلسي في المجالين التقني والعسكري، وخوف من تدخلات الحلف غير المبررة (في البوسنة والعراق وغيرها)، وخوف من الذراع الطويلة لـ «الناتو»، التي تصل حتى حدود روسيا الغربية.

وتضيف الباحثة البريطانية، ماري ديجيفسكي، إن الملاحظات التي ألقاها الرئيس الأمريكي بايدن في وارسو وتقول إن الرئيس بوتين «لا يمكن أن يبقى على رأس السلطة في روسيا»، لم تقدّم سوى أدلة إضافية على النوايا السيئة للدول الغربية. الضرر الذي تسبب به ذلك التصريح بحسب فهم البعض، في الدائرة المحيطة بالرئيس بايدن، يكمن في أنه أعطى المبررات للمخاوف القديمة القائمة لدى الكرملين أكثر من حقيقة أنه يدعو إلى إطاحة بوتين ــ إنه الخوف نفسه الذي يحرك قلق روسيا من انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي.

الدول الغربية مسؤولة عن المخاوف الروسية
إن الجدل حول حقيقة ما يحرك المواقف الروسية لن ينتهي هنا. لكن ثمة مبررات يمكن استخدامها تقول إن رفض الدول الغربية المستمر الاعتراف بالمخاوف الروسية، وحديث هذه الدول غير المسؤول عن قرع طبول الحرب خلال الشتاء أخافا روسيا ودفعاها إلى التحرك [والاجتياح] أولاً.

إذا كانت الحرب في أوكرانيا حالياً عند نقطة تحوّل ويمكن رصد الآمال بتحقيق السلام، فإن تلك الخلفية لهذه الحرب يجب أن تبقى راسخة في الأذهان، إذ إن السياسات الغربية وحديثها القوي عن ضرورة مواجهة القوة بالقوة فشلت في ردع روسيا. وهي فشلت لأن الخوف لطالما كان العامل المحرك الأعظم في شؤون الحرب والسلم.



نقطة تحول غامضة
وتابعت ماري ديجيفسكي، في مقال نشرته صحيفة الاندبندنت the Independent البريطانية: يبدو أن الحرب على أوكرانيا وصلت إلى نقطة تحوّل [منعطف]، على الرغم من أنه غير واضح حتى اللحظة المنحى الذي ستأخذه. في التصريحات على الأقل، روسيا هي التي تبادر بالتحوّل، تماماً كما ابتعدت عن العاصمة الأوكرانية كييف، لتركّز جهودها على الشرق الأوكراني.

أوكرانيا من جهتها تقول إن الهجمات الجوية الروسية لم تهدأ، وما من دليل يُذكر عن أي تحركات للقوات الروسية للتزوّد بالمؤن وإعادة تجميع الجنود. إضافة إلى ذلك، ترى أوكرانيا في موافقة روسيا على الانخراط في المفاوضات التي ترعاها تركيا مجرد محاولة لشراء الوقت.

هناك تغيير «ما» قد حدث !
ولكن يبدو أن هناك تغيّراً ما قد طرأ. فأفادت التقارير الأميركية بأن روسيا تقوم فعلاً بنقل جنودها بعيداً من كييف. كما غادرت القوات الروسية مفاعل تشيرنوبيل لتوليد الطاقة النووية، بعدما كانت سيطرت عليه مع بدء الاجتياح. كما تم التوافق على القيام بإجلاء [المدنيين] الذين لا يزالون عالقين في مدينة ماريوبول المدمرة.. فيما هدأت أجواء الحرب في كييف على ما يبدو، إلى حد أن المقاهي عاودت فتح أبوابها وعاد عازفو الشارع بخجل إلى شوارع المدينة.

بالطبع، غالباً ما تشهد الحروب مثل فترات الهدوء هذه، التي ربما تكون مضللة بقدر ما هي مرحب به.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات