الْحَيَاةُ تَتَأَرْجَحُ بَيْنَ الْخَسَارَةِ وَالرِّبْحِ



ذَاتَ يَوْمٍ ، انْقَلَبَتْ الصَّحِيفَةُ الَّتِي أَعْمَلُ بِهَا رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ وَ السَّبَبُ " مَقَالٌ " وَ مَنْ الَّذِي كَتَبَ ذَلِكَ الْمَقَالَ؟!

بِكُلِّ تَوَاضُعٍ وَ فَخْرٍ ، أَنَا نَعَمْ نَعَمْ لَا تَسْتَغْرِبُ ، أَنَا الْعَبْدُ الْفَقِيرُ لِلَّهِ ، هَهْهُهُهُهُهْ ، لَا أَلُومُكَ وَ أَنَا أَيْضًا اسْتَغْرَبْتُ مِثْلَكَ تَمَامًا ، وَ أَنَا دَاخِلٌ إِلَى غُرْفَةِ الِاجْتِمَاعَاتِ ، وَقَدْ تَحَوَّلْتُ فِي هَذَا الْيَوْمِ إِلَى غُرْفَةِ طَوَارِئَ ، قُمْتُ بِإِلْقَاءِ عِدَّةِ تَسَاؤُلَاتٍ عَلَى نَفْسِي ، مَا الَّذِي كَتَبْتُهُ فِي ذَلِكَ الْمَقَالِ؟! لِمَاذَا هَذَا الْمَقَالُ أَحْدَثَ ضَجَّةٍ كَبِيرَةً فِي الصَّحِيفَةِ ؟! هَلْ سَأَخْسَرُ عَمَلِي بِسَبَبِ هَذَا الْمَقَالِ ؟! وَ بَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ فَتَحْتُ الْبَابَ ، وَ إِذْ الْمُدِيرُ يَنْهَالُ عَلَيَّ بِالْكَلَامِ " الصَّحِيفَةُ قَدْ تُفْلِسُ بِسَبَبِكَ ، الصَّحِيفَةُ قَدْ تُغْلِقُ بِسَبَبِ كِتَابَاتِكَ ، الْجَرِيدَةُ خَسِرْتْ بِسَبَبِ مَقَالِكَ !!"

نَظَرْتُ إِلَيْهِ وَقُلْتُ :- كَيْفَ سَتَخْسَرُ ؟! نَظَرَ إِلَيَّ و قَالَ بِهُدُوءٍ : مَاذَا تَعْرِفُ عَنْ الْخَسَارَةِ ؟!

أَجَبْتُهُ عَلَى الْفَوْرِ:- فِقْدَانُ الشَّيْءِ بَعْضُهُ أَوْ كُلِّهِ، عَكْسُ الرِبْحِ.
شَعَرْتُ أَنَّهُ صَدِمَ بِالْإِجَابَةِ وَ قَرَّرَ أَنْ أَتَجَوَّلَ حَوْلَ الْعَالَمِ ، وَأَقُومُ بِكِتَابَةِ تَقْرِيرٍ عَنْ الْخَسَارَةِ ، وَ بَعْدَ ذَلِكَ سَيَقُومُ بِاتِّخَاذِ إِجْرَاءٍ بِشَأْنِيٍّ.

وَ بِالْفِعْلِ سَافَرْتُ ، وَ بَاشَرَتْ بِإِعْدَادِ تَقْرِيرٍ بِعُنْوَانِ " مَا مَعْنَى الْخَسَارَةِ ؟! " وَ بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى مَقْعَدِي أَقُومُ بِتَرْتِيبِ الْأَوْرَاقِ وَإِعْدَادِ الْمُعَدَّاتِ ، لَفَتَ نَظَرِي حِوَارَ دَارٍ بَيْنَ شَخْصَيْنِ ،حَيْثُ اقْتَرَبَ بَائِعُ كَعْكٍ فَقِيرٌ مِنْ الْمِلْيَارْدِيرِ الْيُونَانِيِّ الشَّهِيرِ " أُونَاسِيسْ " الْمُلَقَّبِ بِمَلِكِ التَّانْكِرْ (سُفُنِ النِّفْطِ) ، وَطَلَبَ مِنْهُ شِرَاءَ الْكَعْكِ،
أَخْرَجَ أُونَاسِيسْ قِطْعَةَ نَقْدٍ مَعْدِنِيَّةً وَ قَالَ لِلْبَائِعِ:
اخْتَارَ .. مِلْكٌ أَمْ كِتَابَةً؟
إِذَا رَبِحَتْ سَتَأْخُذُ كُلَّ مَا فِي جُيُوبِي مِنْ نُقُودٍ وَ شِيكَاتٍ، وَ إِذَا خَسِرَتْ تَضَعُ عَلَى الطَّاوِلَةِ كُلَّ مَا لَدَيْكَ مِنْ كَعْكٍ.
أَجَابَهُ الْبَائِعُ : يَا سَيِّدِي أَنَا فَقِيرٌ، إِذَا خَسِرْتَ مَا لَدَيَّ مِنْ الْكَعْكِ فَلَنْ أَسْتَطِيعَ إِطْعَامَ عَائِلَتِي الْيَوْمَ.

أَدَارَ أُونَاسِيسْ ظَهْرَهُ لِلْبَائِعِ قَائِلًاً:
وَلَدَتْ بَائِعَ كَعْكٍ ، وَ سَتَمُوتُ بَائِعَ كَعْكٍ.

سَارَعَتْ عَلَى الْفَوْرِ بِتَسْجِيلِ أَوَّلِ مُلَاحَظَةٍ عَنْ مَعْنَى الْخَسَارَةِ بِرَأْيِ الْمِلْيَارْدِيرِ الْيُونَانِيِّ الشَّهِيرِ أُونَاسِيسْ الْمُلَقَّبِ بِمَلِكِ التَّانْكِرْ (سُفُنُ النِّفْطِ):- إِذَا لَمْ تُغَامِرْ وَ لَمْ تَخْسَرْ فَلَنْ تَتَعَلَّمَ كَيْفَ تَرْبَحُ.

تَابَعْتُ الْمَسِيرَ وَ الْبَحْثَ لِكَيْ أُكْمَلَ إِعْدَادَ التَّقْرِيرِ ، فَلَمَحَتْ شَخْصٌ مَلَامِحَهُ تُشْبِهُ " مَارْكْ تُوِينْ " كَانَ يَجْلِسُ فِي الْمَطْعَمِ وَ بِيَدِهِ قَلَمٌ وَكَانَ كَأَنَّهُ يَكْتُبُ ، هُوَ أَسَاسًا كَاتِبٌ أَمْرِيكِيٌّ سَاخِرٌ كُتَبَ الشِّعْرَ وَ الْقِصَصِ الْقَصِيرَةِ وَ الْمَقَالَاتِ وَ الْمُحْتَوَى غَيْرِ الْخَيَالِيِّ.

ذَهَبْتُ إِلَيْهِ مُتَسَائِلًا:- أَلَسْتَ أَنْتَ " مَارْكْ تُوِينْ" ؟!
ابْتَسِمْ وَقَالَ :- نَعَمْ .
قُلْتُ لَهُ مُتَسَائِلًا "مَا مَعْنَى الْخَسَارَةِ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِكَ ؟! "

أَخَذَ يَتَلَفَّتُ يَمِينًا وَ شِمَالًا ، فَوَجَدَ فَتَاةً سَمِينَةً بَعْضَ الشَّيْءً ، ثُمَّ قَالَ :- خَسَارَةُ الْوَزْنِ أَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْخَسَارَاتِ رِبْحٌ. ثُمَّ اصْبَحْنَا نَبْتَسِمُ وَ سَارَعَتْ عَلَى الْفَوْرِ بِتَسْجِيلِ الْمُلَاحَظَةِ الْأُخْرَى وَ تَابَعْتُ الْمَسِيرَ ، وَ بَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ الْتَفَتَ يَمَنْتَا وَ يُسْرَا وَإِذْ أَرَى (أَنْجِيلَا دِيفِيسْ) ، كَانَتْ نَاشِطَةً فِي مَجَالِ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ الْأَمْرِيكِيَّةِ ، فَيَلْسُوفَةِ ، وَ كَاتِبَةٍ إِنْسَانِيَّةٌ . بِالْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ فِي أَعْوَامِ 1980 وَ 1984 رَشَّحَتْ لِمَنْصِبِ نَائِبِ الرَّئِيسِ الْأَمْرِيكِيِّ بِالْحِزْبِ الْأَمْرِيكِيِّ الشُّيُوعِيِّ بِالْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ.
سَارَعَتْ عَلَى الْفَوْرِ إِلَيْهَا وَ بَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ شَاهَدْتُهَا تَنْظُرُ إِلَى طِفْلٍ صَغِيرٍ بِكُلِّ تَرْكِيزٍ ، اسْتَغْرَبْتُ وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْهَا سُؤَالِي الْمُعْتَادَ " مَا مَعْنَى الْخَسَارَةِ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِكَ ؟! "
نَظَرْتُ إِلَيَّ و قَالَتْ :- اُنْظُرْ إِلَى ذَلِكَ الطِّفْلِ ، إِنَّهُ يُحَاوِلُ فِي حَلِّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الرِّيَاضِيَّةِ مَنْذُوَ سَاعَتَيْنِ وَالْآنَ اسْتَطَاعَ حَلَّهَا ، أَعْتَقِدُ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْيَانِ خَسَارَةَ مَعْرَكَةٍ تُعْلِمُكَ كَيْفَ تَرْبَحُ الْحَرْبَ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ ؟ وَ ذَهَبْتْ .

دَوَّنْتْ مُلَاحَظَتَهَا وَ جَلَسَتْ عَلَى الطَّاوِلَةِ. كَانَ هُنَاكَ شَخْصٌ يَجْلِسُ عَلَيْهَا وَأَنَا لِمَ انْتَبِهْ ، لِشِدَّةِ انْدِمَاجِي فِي إِعْدَادِ التَّقْرِيرِ ، مَا إِنْ انْتَبَهْتُ ، حَتَّى شَعَرْتُ بِالْإِحْرَاجِ ، وَأَخَذْتُ أَتَأَسَّفُ لَهُ عَنْ عَدَمِ انْتِبَاهِي لِذَلِكَ ، وَ بَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ ؛ أَمْعَنْتُ النَّظَرَ إِلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ الشَّخْصُ يُدْعَى " نَابِلْيُونْ بُونَابِرْتْ "إِمْبِرَاطُورْ عَامَ ،رَجُلِ دَوْلَةٍ عَسْكَرِيٍّ
"فَقُمْتْ بِسُؤَالِهِ عَلَى الْفَوْرِ " فَالْفُرْصَةُ لَنْ تَتَكَرَّرَ مَرَّتَيْنِ ؛ مَا مَفْهُومُ الْخَسَارَةِ بِالنِّسْبَةِ لَكَ ؟ " نَظَرَ إِلَيَّ نَظْرَةٌ غَرِيبَةٌ وَ قَالَ " ابْتَعَدْ عَنْ كُلِّ مَا يُسَبِّبُ لَكَ خَسَارَةَ مِزَاجِكَ الْجَيِّدِ ، كَمَا حَصَلَ الْآنَ تَمَامًا " .
شَعَرْتُ غَيْرَ مُرَحَّبٍ بِي عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَإِذْ أَنَا كَذَلِكَ مُتَسَائِلًا لِمَاذَا انْزَعَجَ مِنْ وُجُودِي ؟ سَمِعَتُ أَصْوَاتُ جَمَاهِيرَ كَبِيرَةً وَإِذْ أَرَى " كِرِسْتِيَانُو رُونَالْدُو " أَمْسَكْتُ بِمُعَدَّاتِي عَلَى الْفَوْرِ ، نَظَرَ إِلَيَّ نَابِلْيُونْ وَقَالَ :- هَلْ أَنْتَ مِنْ مُحِبِّينَ "كِرِيسْتِيَانُو " ؟ قُلْتُ لَهُ :- لَا ، لَكِنْ يَجِبُ عَلَيَّ أَنْ آتِيَ بِالْإِجَابَةِ سُوءًا كُنْتُ مُحِبًّا أَوْ كَارِهًا، هَكَذَا هِيَ الصِّحَافَةُ ، وَ ذَهَبْتُ إِلَيْهِ مُسْرِعًا وَ أَصْبَحْتْ أُزَاحِمُ هَذَا وَ ذَاكَ إِلَى أَنْ وَصَلْتُ إِلَيْهِ وَسَأَلْتُهُ " مَا مَعْنَى الْخَسَارَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْكَ ؟! "

أَجَابَنِي وَ صَدَمَنِي بِالْإِجَابَةِ " عِنْدَمَا تَفَقِدَ شَخْصًا تُحِبُّهُ كَثِيرًا ، مِنْ الصَّعْبِ تَجَاوُزُ تِلْكَ الْخَسَارَةِ." وَإِذْ أَسْمَعَ صَوْتَ الْمُنَبِّهِ ، كَانَ ذَلِكَ حُلْمًا وَ لَيْسَ حَقِيقَةً ، وَ لَكِنَّ الْحَقِيقَةَ تُشِيرُ إِلَى أَنَّ السَّاعَةَ ٧:٣٠ص وَسَأَتَأَخَّرُ عَنْ عَمَلِي وَقَدْ أَفْصَلَ مِنْهُ ، وَإِذْ يَتَّصِلُ بِي مُدِيرِي وَ يُوبِخُنِي عَلَى التَّأْخِيرِ فَقُلْتُ لَهُ :- مُدِيرِي الْعَزِيزِ أَلَمْ تُسْمَعْ بِمَقُولَةِ " تَشِي جِيفَارَا" : كُلُّ النَّاسِ تَعْمَلُ وَ تَكُدُّ وَ تَنْشَطُ لِتَتَجَاوَزَ نَفْسَهَا ، لَكِنَّ الْهَدَفَ الْوَحِيدَ هُوَ الرِّبْحُ ، وَ أَنَا ضِدَّ الرِّبْحِ وَ مَعَ الْإِنْسَانِ ، مَاذَا يُفِيدُ الْمُجْتَمَعُ أَيَّ مُجْتَمَعٍ إِذَا رَبِحَ الْأَمْوَالَ وَ خَسِرَ الْإِنْسَانُ ؟.

رَدَّ عَلَى الْفَوْرِ قَائِلًا :- وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمُوَظَّفُ الْعَزِيزُ أَلَمْ تُسْمَعْ بِمَقُولَةِ " مَارْتِينَا نَافْرَاتِيلُوفَا " : بِأَنَّ مَنْ قَالَ الْمُهِمُّ لَيْسَ الْمَكْسَبَ أَوْ الْخَسَارَةَ .. كَانَ فِي الْغَالِبِ خَاسِرًاً ".

قُلْتُ لَهُ :- بِالطَّبْعِ سَمِعْتُ وَ دَقَائِقَ سَأَكُونُ عَلَى رَأْسِ عَمَلِي .

لَا جَدْوَى مِنْ قَرَارٍ يُتَّخِذُ ضِدَّ تَيَّارِ الْحَيَاةِ ، الْمَسْأَلَةُ هِيَ كَيْفَ يَمْضِي التَّطَوُّرُ بِأَكْبَرِ فَائِدَةٍ وَ أَقَلِّ خَسَارَةً.

نَجِيبُ مَحْفُوظٍ.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات