أين نتوقعها في المرة القادمة؟


تشيع وسائل الإعلام الغربية والعربية إلى احتمال انتقال عدوى الثورات والانتفاضات إلى دول عربية أخرى بعد مصر، وظاهريا تأتي هذه الاجتهادات بعد استقراء للحالة الشعبية في دول المرشحة لتحمل الرقم 3، وتنقسم هذه الترشيحات إلى استقرائية منقوصة التفاصيل وأحيانا في مواقع أخرى تخمينات موجهة بأماني التغيير ربما، فيما تبدو بعضها تحمل صفة الإيحاء للتغيير في موازين القوى في الشرق الأوسط والتي قد تكون أشبه برسائل ابتزاز لبعض الدول من قبل أطراف خارجية من خلال وسائل الإعلام.

وبعد تحليل علمي بعيدا عن المؤثرات الإعلامية التي تتحكم فيها القوى الإقليمية حسب مصالحها الذاتية وعند المحاولة لتكوين تلخيص تجريدي لمتلازمة الشعب والحكم نجد أننا نغوص في معادلات يختفي منها أكثر من عامل ويتحكم فيها أكثر من لاعب، فالداخل العربي والذي يوصف بالسهل الممتنع يختلف عما يحاول أن يظهره الآخرون، فهو أكثر من عميق تتحكم في ضبابيته عدة ظروف صنعتها آلية المحافظة على الشعب أو على السلطة.

ومن الغريب في الأمر فأن الدول المرشحة للانتفاضة حسب الوسائل الإعلامية الغربية وبعض الوسائل الإعلامية العربية هي الدول التي تملك حيزا ولو صغيرا للديمقراطية وكذلك من الدول العربية المستقرة اقتصادية والتي عملت على استقرار المجتمع والمحافظة عليه..!!، فالدول التي لم نرى فيها سوى مسيرات التأييد للرئيس والحزب والقائد منذ عدة عقود لم يرشحها احد لتكون الرقم 3 أو 4 أو حتى 22 للانتفاضة الشعبية بالرغم من معرفتنا بحاجتها لذلك منذ أكثر من عقد، وإذا افترضنا أن الانتفاضة الجماهيرية هي انتفاضة شعب على صانع العجز في ظروفه الاقتصادية والاجتماعية والكبت الديمقراطي فأن نفس الدول التي تملك الشعارات البراقة في الحرية والاشتراكية والجماهيرية هي أكثرها إقاصاءا وتفقّيرا وتهميشا للمواطن وبنفس الوقت هي الأبعد عن قيام الانتفاضة الشعبية حسب الإعلام المطبل لذلك في مناطق أخرى..

فنظرة إلى الأنظمة التي تتمتع بحكم جمهوري أو جماهيري نجد أن كل الإيحاءات المصدرة هذه الأيام تنفي احتمالية نشوء المعارضة الشعبية فيها كالتي شاهدناها في تونس ومصر برغم العوامل الكثيرة التي تفرض عكس ذلك وأهمها التحوط على السلطة لأكثر من أربعة عقود من الزمن دون انتخابات أو بانتخابات ديكورية حيث يتم بالعادة توريث الحكم الجمهوري في حالة الوفاة وفق سيناريو سريع مع محاولة لترضية الدستور.

وبالولوج إلى تفاصيل الصورة نجد أن الحكم في الجمهوريات والجماهيريات تعمل على استمرار سيطرة الأدوات الأمنية على أجهزة الدولة وتغذية مراكز القرار في كل الأجهزة بأفراد من محسوبي منظومة الرئيس لتكون كخطوط دفاع تعمل بشكل امني بحت للحفاظ على شخصية النظام وبالتالي المحافظة على الميزات التي نالتها بفعل استلام هذه السلطة، هذا بالإضافة إلى التحول الإجباري في أولويات المعارضة مع الربط الاقتصادي للأفراد بمدى قربهم من الولاء للحزب والرئيس لتصنع حالة قاسية أمام مشاريع الانتفاضات لمعرفة الجمهور باستحالة التغيير بهذه الطريقة لأكثر من سبب أهمها الكماشة الأمنية القاتلة حول النخب المعارضة.

كذلك نجد أن معظم الأحزاب الحاكمة في الوطن العربي تعمد إلى تهميش للحالة الدينية بكل طوائفها والاحتماء خلف شعارات ليس أكثر وذلك لتشكيل شخصية (الصمود والتصدي) التي يتغذى عليها الأحزاب العربية الحاكمة لاستثمار المشاكل القومية في حالتها الداخلية ولكي تكون ضوابط لتبرير حالة الطوارئ وتبعاته على الشعب، حيث تعمل هذه الجمهوريات على المواربة والمحافظة على تسخين الجبهات الوطنية الأخرى البعيدة عن التزاماته الأخلاقية في الوطن العربي كقضية فلسطين لتشكل أمثلة على تناقض الشخصية الوطنية لهذه الأنظمة.

لذلك نجد أن المجتمعات المستحق عليها الانتفاضة تعيش حالة من التعقيد الأمني والتردد الكبير لطلب التغيير والسعي له لصعوبة فك الالتحام العضوي بين مراكز القوى في دولهم ونظام الحكم الحزبي، فمعظم الجماهير المعرضة للإقصاء والديكتاتورية المقنعة تعاني من الانفصال الكامل بين النخب المعارضة وبين أدوات القوة والمبادرة والإعلام حيث أن جميع المؤسسات الشعبية والعمومية والأمنية والعسكرية تحكمها فئات ملتحمة عضويا في السلطة بفعل الطائفة أحيانا أو الترابط ألأثني والمصالح الشخصية، وهذا ما تدركه الجماهير المسحوقة في بعض الجمهوريات العربية بشكل كامل مما يجعلها تفكر مرارا بأي محاولات للانتفاضة المستحقة، في حين أن اللعبة يتم تسويقها الآن للتصدير لدول تنعم بالرخاء والاستقرار لاستمرار تصنيع الغضب في غير مكانه ولمصلحة من؟ قد يجيب اوباما وخامنئي على هذا في حين يركز الجميع النظر على الشجرة المصرية دون الالتفات قليلا على حركة القرود على باقي الشجر في البستان.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات