دراما كازاخستان موسكو تكسب وواشنطن وأنقرة تخسران


جراسا -

وصفت الدوائر السياسية والعسكرية في باريس، ما حدث في كازاخستان بـ «دراما احتجاجية لم تكتمل»، وانتهت بنهاية فصلها الأول.. بينما يرى خبراء ومحللون في موسكو، أن ما حدث في كازخستان كان هجوما إرهابيا هجينا، وليس ثورة ملونة، وهو ما يتفق مع تصريحات وزير الدولة الكازاخستاني، إيرلان كارين، بأن بلاده واجهت هجوما إرهابيا هجينا قد يكون هدفه زعزعة الاستقرار في البلاد ثم تنفيذ انقلاب فيما بعد.

وقال: هناك خبراء يقيمون كل هذه الأحداث وفقا للقوالب القديمة. قارنوا ما حدث هنا بالثورات الملونة، بالثورات المخملية. ولكن في كازاخستان هذا غير ممكن لأن الظروف فيها مختلفة.
وأكد كارين على أن ما حدث يشير إلى أن هناك مؤامرة من قوى داخلية وبعض القوى الخارجية، وإن مواطنين كازاخستانيين وأجانب، على حد سواء، شاركوا في الهجمات..وربما يبرر هذا ما جاء في بيان وزارة الداخلية، بأن قوات الأمن اعتقلت في المجمل 7939 شخصًا حتى العاشر من يناير، كانون الثاني الجاري، خلال الاضطرابات التي وقعت وتعد أسوأ موجة عنف في تاريخ تلك الدولة الواقعة في آسيا الوسطى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

دوافع جيو سياسية وراء الأحداث
ويرى مراقبون في المدينة الكازاخستانية الكبرى «ألماتي»، أن هناك «دوافع جيو سياسية» وراء الاحتجاجات التي تخفي وراءها أكبر هجوم إرهابي على كازاخستان شارك فيه نحو 20 ألفا من الإرهابيين والمتطرفين ومن المغرر بهم ، فالدولة تجاور روسيا والصين، وهي أكبر دولة غير ساحلية في العالم، وتاسع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، وتقع بين أوروبا وآسيا، وهي الدولة الأقوى اقتصاديا في منطقة آسيا الوسطى، حيث يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 60٪ من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، وذلك بصورة أساسية بسبب صناعة النفط والغاز لديها. كما أن لديها موارد معدنية وافرة..ويؤكد المراقبون في كازاخستان، أن الاستخبارات الكازاخستانية كشفت عن الدول والأيادي التي تقف وراء الأحداث العنيفة الأخيرة.

منظمة معاهدة الأمن الجماعي لن تسمح بـ «ثورات ملونة»
وبينما يرى الرئيس الروسي، خلال جلسة افتراضية استثنائية لمجلس الأمن الجماعي لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، عقدت اليوم الاثنين، أن أحداث كازاخستان ليست المحاولة الأولى ولن تكون الأخيرة للتدخل الخارجي، مؤكدا أن دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي أظهرت أنها لن تسمح بـ «ثورات ملونة».. وقال بوتين، إن الأحداث الأخيرة في كازاخستان تؤكد أن بعض القوى لا تتردد في استخدام الفضاء الإلكتروني والشبكات الاجتماعية في تجنيد المتطرفين والإرهابيين، وتشكيل خلايا نائمة من المسلحين.


أهداف ومطامع أمريكية وتركية
ومن الواضح أنه لا يوجد بلد أكثر اهتماماً بزعزعة استقرار كازاخستان أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية، وتركيا هي المستفيد التالي المحتمل ، بحسب تقديرات المحلل السياسي الروسي، ألكسندر نزاروف، وبشكل عام، فإن سياسة واشنطن في جرّ روسيا إلى صراعات على حدودها قديمة ومعروفة. ودور الولايات المتحدة الأمريكية في انقلاب وأوكرانيا وبيلاروس واضح، ودور تركيا، عضو «الناتو»، في حرب قرة باغ هو الآخر واضح.

وإذا اندلعت الفوضى أو الحرب الأهلية في كازاخستان، فستضطر روسيا إلى إرسال قوات هناك، وإنفاق جزء كبير من مواردها، ما سيضعف قدرتها على مقاومة الولايات المتحدة الأمريكية في اتجاهات أخرى.

ضرب عصفورين بحجر واحد
ويشير المحلل السياسي «نزاروف، إلى أن أقصر طريق برّي من الصين إلى أوروبا يمر عبر كازاخستان، والتي تكتسب أهمية استراتيجية في حالة الحصار البحري على الصين من قبل الولايات المتحدة. أي أنه بإمكان واشنطن أن تضرب عصفورين بحجر واحد: إغلاق هذا الطريق، إضافة إلى دق إسفين بين موسكو وبكين، حيث سيؤدي إدخال القوات الروسية إلى كازاخستان إلى تغيير ميزان القوى بين روسيا والصين في آسيا الوسطى، ويثير غيرة بكين.

أما تركيا، بحسب الكسندر نازاروف، فقد كثّفت مؤخراً محاولاتها لإنشاء إمبراطورية توركية Turkic، وأي زعزعة للاستقرار في كازاخستان تمنحها الفرصة لبدء لعبتها الخاصة من خلال إحدى القوى السياسية المحلية. دعونا لا ننسى أن كازاخستان غنية بموارد الطاقة التي تحتاجها تركيا كثيراً.
عوامل داخلية.. التقسيم العرقي
مع كل ذلك، لم يُعلن عن أي دليل قاطع على تورط واشنطن أو تركيا في الأحداث التي وقعت مؤخراً في كازاخستان، على الرغم من إعلان الرئيس الكازاخستاني، قاسم جومارت توكاييف، عن اعتداء خارجي..إلا أن الوضع أكثر تعقيداً من ذلك، والعوامل الداخلية لا تقل أهمية.

تاريخياً، ينقسم الأعراق الكازاخية إلى ثلاث مجموعات قبلية، ما يسمى «الجوز Zhuz » الأكبر والأوسط والأصغر، وينتمي الرئيس الكازاخستاني توكاييف وسلفه نور سلطان نزارباييف إلى الجوز الأوسط. وقد بدأت الاحتجاجات في غرب كازاخستان، في إقليم الجوز الأصغر، ثم التقطها الجنوب، الواقع تحت سيطرة الجوز الأكبر..بمعنى أن النخبة القبلية للجوز الأصغر والأكبر محرومة من السلطة والموارد، وكما نرى، فهي تسعى إلى إعادة توزيعها.

موسكو تكسب وواشنطن وأنقرة تخسران
يمكننا القول إن هذه الجولة من الأزمة قد انتهت. لم تنجح الولايات المتحدة الأمريكية في الحصول على هدية قبيل مفاوضاتها مع روسيا، اليوم الإثنين..ولم تنجح تركيا في اغنتام الفرصة..ونجحت روسيا وتجنبت ظهور بقعة ساخنة أخرى على حدودها، وأظهرت للغرب استعدادها للتعامل معها..والفائز الرئيسي، بلا شك، هو الرئيس قاسم جومارت توكاييف.

إلا أنه تبقى نتيجة واحدة بعيدة المدى. وهي:
إن الأزمات التي نلاحظها فيما يسمى ببلدان ما بعد الاتحاد السوفيتي يتم تنظيمها من قبل واشنطن وبروكسل جزئياً فقط. بمعنى أنه من الممكن استنتاج أن دول ما بعد الاتحاد السوفيتي، المصطنعة إلى حد كبير، والتي ظهرت بالصدفة على خريطة العالم، تعاني من أزمة الدولة.

أزمة دول ما بعد الاتحاد السوفيتي
ومع استنفاد الإرث الاقتصادي السوفيتي، وبسبب القومية المتطرفة والقبلية والمواجهة في الكثير من الأحيان مع روسيا، وصلت هذه البلدان إلى الإفلاس الاقتصادي والصراعات العرقية، تلاها انفجار اجتماعي واضطراب سياسي.

وكانت العشائر الكازاخية تفعل ذلك على مدى التاريخ، وتقاتل بعضها بعضاً بشراسة أكبر من قتالها مع أي عدو خارجي. وبدون الحكم الروسي، فإن جميع دول ما بعد الاتحاد السوفيتي، مع استنفاد الموارد، تعود إلى ما كانت عليه عبر تاريخها الممتد لقرون، قفازاً لسياسات خارجية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات