الدستور والعولمة والورقة النقاشية الثانية


يتضحُ للعيان ان التعديلات الدستورية التي طُرحت هذه المره تختلف في جوهرها عمّا سبقها من تعديلات، فإذا جازَ التعبير تُسمى هذه التعديلات تعديلات العولمه والتي تتواءم مع العولمة الدوليّة بالمعنى التجميلي، وبالمعنى السياسي الجاف تسمى (عولمة الدول الكبرى)، فالتعديلات الدستورية حولّت الدستور الاردني من دستور فقهي ينبض بروح القانون الى دستور عالمي يمكن تطبيقه في اي دولة أخرى, فهذا التعديل أفقد الدستور الاردني الصبغة السياسيّة الأردنية التي رُسمت منذ تأسيس الإمارة ومن ثّم المملكة، وأصبح دستورنا يَذكر المرأة والشباب والاشخاص ذوي الإعاقة وكأنهم ليسوا أردنيين، أو كأنهم اردنيين من درجه ثانية وحضتّنا الديمقراطية الحديثة على ذكرهم بشكل مباشر كما وأنَّ الدستور خص الفئات المذكورة بالرعاية والتمكين المجتمعيّ وحتى تعزيز المواطنة ايضا، وهذا التعديل إذا نُقدَ دستورياً يدل على أن المشرّع استثنى هذه الفئات سابقا ًوحرمهم من حقوقهم الدستوريّة وناقضَ نفسهُ في مواده ومنها المادة الرابعة من الدستور لا وبل حرمهم من حق المواطنة ايضا.

وسياسياً وتحديداً من شرفة مجلس الأمة، حدد مجلس النواب الحالي صلاحياته ورحلها الى خارج المجلس، حيث زاد عدد النواب الذين يريدون طرح الثقه من عشرة نواب الى ربع عدد الاعضاء، وقصر من عمر ولاية رئاسة مجلس النواب الى عام عوضا عن عامين. وهذه التغييرات الجذرية تحد مما يسمى البناء للوصول الى حكومة برلمانية منتخبه ذات ولاية عامة، كما تتعارض بعض هذه التعديلات مع الأوراق النقاشية لجلالة الملك ورؤيته بخصوص الحكومات البرلمانيّة.

أمّا عن الهيئة المستقلة للانتخاب، فذكرها في الدستور وذكر هيئة مستقله يتعارض مع الاصل الدستوري الذي يقسم ويحصر السلطات في الأردن الى ثلاثة سلطات (تشريعيه، قضائية، تنفيذيّة) والأمة مصدرها، فأتت الهيئة المستقلة للانتخاب وكأنها سلطه رابعة او سلطة تشارك السلطة التشريعية عملها، ورغم ذلك يناط لهذه الهيئة أمر النظر في طلبات تأسيس الأحزاب السياسية ومتابعتها وفقا لأحكام القانون. وبالتالي تم توزيع مهام السلطة التشريعيّة والسلطة التنفيذيًة على الهيئة المستقلة للانتخاب.

وفيما يخص تعديل صلاحيات جلالة الملك في الدستور فهي تتعارض مع الرؤيا التي رسمها جلالة الملك للدّولة الأردنية كدولةِ قانون ومؤسسات ودولة تستمد سلطتها من الشعب عن طريق مجلس نيابي منتخب يمثل الشعب وينتخب حكومات برلمانية، وتحديدا الورقة النقاشية الثانية لجلالة الملك وهذا اقتباسٌ منها "كما سبق وأشرت في أكثر من مناسبة، فإن مسار تعميق ديمقراطيتنا يكمن في الانتقال إلى الحكومات البرلمانية الفاعلة، بحيث نصل إلى مرحلة يشكل ائتلاف الأغلبية في مجلس النواب الحكومة. "

فلو طُبّقَ الدستور الأردني على ما بُنيَّ على أساسه منذ زمن لكنا الان نعيش دولة المؤسسات والقانون المرجوة، ولكانت حكومتنا نيابية مستقله يختارها الشعب، فإلى متى ستبقى السلطة التنفيذية تغردُ خارج السرب وتمارس ضغوطها المباشره وغير المباشرة على مجلس النواب من خلال منح النواب المساعدات لناخبيهم ومناطقهم كدعاية انتخابيّة للمرحلة القادمة وكأن هذه المساعدات والتسهيلات هي مكرمة حكومية وليست حقوق مواطنين.

ولكن لو غاب الشعب او تم تغييبه، ستبقى اللبنة الراسخة لدستورنا الاردني الذي نفاخر العالم به، أن "الشعب مصدر السلطات" ولن يستطيع أحد المساس بهذه القاعده الدستورية التي ستشكل لنا حكومة برلمانية ولو بعد حين.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات