"رجعت الشتوية "


للشتاء ذاكرة وملامح وتضاريس ووهج ووجوه كانت معانا وذهبت لدار الحق

وكلما جاءنا الشتاء تغيرت ملامح البيوت في حارتنا القديمة تشعر بقدوم الشتاء يتم تطين البيوت الطينية بجبلات من التراب والقش منعنا للدلف فتصدر تلك الجبلات رائحة زكية تعلن أن الشتاء قادم وكذا تفقد المزاريب وكذا عندما تشاهد الأمهات وقد أنهت جرازي الصوف وأخرجت الحرامات والسجاجيد من مكامنها وكذا الصوبات بأنواع ومشاهدة الأباء يركبون صوبات البواري وتعبئة جركنات الكاز الحديدية تحضيراً للشتوية القادمة في البدايات تشتم رائحة المطر من أول شتوة تشتم رائحة الفول النابت الموضوع على الصوبة ورائحة صناعة الباذنجان المقدوس ومونة الزيت والزيتون وعودة الى شتاء الطفولة والصبا، وبلا تخطيط نذهب لنفتش فيما تبقى من صور هناك في الأعماق التي لا تنسى زمنا شكل لها حياة وعمرا ومشوار طريق لم يكن مفروشا بالورود حين كنا نذهب لمدارسنا بعز البرد والشتاء مشياً حيث لم تكن غرف الدرس بها وسائل تدفئة وشبابيك يدخل منها هواء بارد فيخترق ويتسلل من فتحات النوافذ الخشبية ومن تحت الابواب، ليملأ الصف بصقيع بارد لا تنفع معه ملابس دافئة وننتظر أنتهاء الدوروس ليذهب كل لبيته وفي أثناء ذهابنا نختبئ عن البرد والهواء البارد والمطر تحت بلاكين البيوت حتى ينتهي زاعوق المطر في زماننا الصعب الذي نادرا ما امتلك أب سيارة أو تسجيل بباص برتقالي فقد كانت الرواتب خبزنا كفاف يومنا ونفرح حين يصل كل لبيته .حيث وهج نار الصوبة نلتف حول ونزيل الأواعي الثقيلة والتي أبتلت بالماء ونضع جزء منها على بواري الصوبة حتى تنشف وكذا الجزمة السوداء التي أبتلت بالماء ومع ذلك نظل نرتجف بردا رغم حرارة الصوبة ولا تدفئنا سوى وجبة غذاء من مرقة عدس أو طنجرة ملفوف بهبالها وملوخية ساخنة والغير ورغم تلك الظروف التي كنا نعيشها ففيها حنين للزمن الجميل للمدرسة والبيت ولمة العائلة والجلوس حول الصوبة والتسامر والراديو الكبير وأذاعة عمان ومسلسلات أذاعية ما زالت بالبال وكذا رائحة سلق الشمندر وقشر البرتقال الموضوع على الصوبة والراحة ( الحلقوم ) والبسكوت والهريسة بالسمن البلدي والقطر يفغ منه فغ نأكل ولم نكن نهكل هم سكري وضغط وبرغم قساوة زماننا نظل نراه جميلا رائعا .وسنظل نروي حكاياتنا وقصصنا ورواياتنا لأبنائنا واحفادنا ونكررها عليهم حتى يصيبهم ملل نحن المسكونون بحنين جارف الى ذلك الزمن. وها هو الشتاء يعود ببرودته وبرده، وها نحن بلا تخطيط نعود إلى سردياتنا وحكاياتنا وقصصنا عنه، ولربما كانت حكايات ومرويات مكررة ولكنها تبقى جميلة .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات