(سُمُوّ الأمير )


لم تكنْ تتعجّل الرحيل لكن الله تعجَّلك ، هو يعلم أنّ رئتك الصغيرة أكبر من حجار الكعبة ، و أن هذه الأرض الثقيلة ضاقت بصوتك الخفيف ؛ لذا اصطفاك ضيفاً عزيزاً جواره قربَ سُدرة المُنتهى ، هو الله يعلم أنّ طابور الأطفال الباسم في وجهك ، وعيونك الواسعة في البلاد الضيّقة ، وما تبقّى من فُتات أحلامك ، وعلبة ألوانك ، وحقيبتك المدرسيّة ، وبقايا حديثك الأخير الذي لم يكتمل ، كلّ ذلك لا يليق بقسوة هذه الأرض ومن أفسدوا فيها ، ولا تليق طفولتك البيضاء بنصل "أقلام الريشة" التي خطّت شهادة وفاتك منذ صرخة الحياة الأولى ، حالك حال الكثيرين من أطفال هذه البلاد .


سُمُوّ الأمير (أمير) ، صدّقني يا بُنيّ إنّك كنت تتنفّس أكثر منّا جميعاً ، و إنّ رئتك الصغيرة أكبر من أسماىنا وألقابنا وجباهنا ، فنحن مُكممو الأفواه والأرواح ، جميعنا سلبنا الهواء منك ، وحجبنا نور غرفتك عنك ، وتركنا واجبك المدرسي الأخير (بلا أجوبة) ، نحن موتى دون شواهد ، وكومة من المُكممين المصابين بصرع ( الأمن والأمان) . "ستخبر الله بكل شيء " ، هكذا وعدت يا أمير ، فكما يعرف الورد قاطفه وخاطفه أنت تعرفهم جيداً يا أمير ، بوجوههم ، وأسمائهم ، وألقابهم ، أستحلفك بالله نيابةً عنّي و عن جموع الأحياء الموتى ، أن تخاصمهم عند الملك الجبّار و تقاضيهم ، لا تصافح ولا تصالح لأجل دمعة أمّك وأبيك ، لأجل الأطفال الذين سبقوك ، ولأجل الأطفال الذي سيلحقوك ، نلاقيك هناك في محاكمة علنيّة قاضيها ديّان السموات والأرض .

(الحق في الحياة ) هو حق لصيق بالإنسان ويولد معه ، وهو عقيدة أخلاقيّة أقدس من أن توثّقها الدساتير والمواثيق الدوليّة ، (أمير) لم يكن يسعى للتحصّل على منحة دراسيّة في الخارج لدراسة العلوم السياسيّة ليعود بعدها وزيراً أو سفيراً في مُلّاك الخارجية كحال أبناء المسؤولين و المتنفّذين ، (أمير) لم يخرج ب (Live) على الفيسبوك ليتسلّم منصباً في إحدى الهيّئات المستقلة أو في دواوين حيتان الرابع والعبدلي ، بل خرج يستغيث للحصول على (Life) ، (أمير) لم يكن يسعى للسفر إلى الخارج للتسوّق من براندات أوروبا فالحيّ الصغير وصغار الحيّ أجمل.

(أمير) هو طفل طرقت يده الناعمة كلّ أبواب المسؤولين الخشِنَة ، بحثاً عن (تأشيرة سفر) لزراعة رئة في الخارج ، كي لا يواجه مصير إخوته الذين وافتهم المنيّة بنفس المرض ، (أمير) لم يحصل على هذه التأشيرة ، ولم تقم الدولة بواجبها الإنساني والأخلاقي و القانوني تجاهه والمتمثّل بإرساله إلى إحدى الدول لزراعة رئة له ، عذراً يا أمير ؛ فمطارات الوطن مزدحمة بزبائن المطار المعتادين ، ومقاعد الطائرات مثقلة بأبناء اللصوص الكبار المسافرين لإجراء عمليات تجميل ، أو لإعادة تصنيعهم ليصبحوا مسؤولين عنّا وعلينا ، أو لشراء عقارات في المنافي ، لأنهم يعلموا أن الوطن سيلفظهم يوماً ما.

عندما يكون طرق الكعوب في "تعاليل إكسبو" أعلى من شهيق إستغاثة (أمير) ، وعندما تكون دعوة الماجنات أقدس من براءة الطفولة في وجه (أمير) ، وعندما تكون (لافتة العلم) أطول من الأنفاس القصيرة ل (أمير) ، فاعلم "أنّك تعيش في دولة لا وطن" . ما حدث مع (أمير) هو جريمة قتل (بالترك) ويجب أن ترفع عيدان المشانق للجناة فيها ، على النيابة العامة تحريك دعوى الحق العام في مواجهة كلّ المسؤولين عن هذه الجريمة ، مع التأكيد على أنّ (الحق في الحياة) هو حق طبيعي لصيق بالإنسان وأن حماية الطفولة هو حق دستوري بمقتضى المادة (٥/٦) من الدستور الأردني.

إلى جوار ربك وعلى أكتاف ملائكته يا أمير ..
وألهم ذويك الصبر والسلوان



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات