خطة في مقال ، محاولة لحل مأزق إسرائيل


خلال عمرها القصير استطاعت دولة الاحتلال أن تحقق ما لم يكن يخطر ببال أحد قبل قرن من الزمان ، فقد هزمت كل اعدائها واستحوذت على أراضيهم بجهد لو قيس بحروب الشعوب الأخرى لوجدناه متواضعاً ، كان ذلك بسبب ضعف خصومها وتخاذلهم والدعم الغربي الكبير ، لقد استحوذ هذا الكيان على الأرض والعقول ، ونشر مستوطناته في كل مكان من الأرض المحتلة ومدنه في فلسطين التاريخية ، لكنه في صراعه لم يستخدم الآلة العسكرية فقط ، بل جيش التاريخ فزوره لصالح مقولة لا تاريخية تخدم أجندته ، وغير ثقافة المكان واستخدم الكثير من الدول والناس لمصلحته ، لكنه في خضم ذلك وفي نشوة توسعه وانتصاره وجد أن مأزق البقاء يلاحقه ، فهو الذي طوع العالم والولايات المتحدة لإنتاج ما يسمى خطط السلام لمصلحته ، واستطاع أن يتوغل في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة ويحولها إلى مجموعة من الجزر ، يواجه الآن مأزقه التاريخي ماذا نفعل بهذا الفائض البشري الذي أصبح هو التهديد الأكبر لمستقبله وبقائه ، لابد من حلول فما هي ؟


منذ بدء الصراع اعتمدت دولة الاحتلال فكرة إدارة الأزمة وليس حلها كي لا تضطر الى تقديم تنازلات ، فبعد مرحلة الحروب بدأت بالمسار التفاوضي واعتمدت مبدأ الإقحام واستطاعت أن تُدخل مزيد من الدول العربية في خطتها تلك ، بعدها بدأت تستخدم تلك الدول في طرح المبادرات وهي تتفرج من بعيد وتراقب ردود الأفعال ، وقد تستخدم أفراد من تلك الدول وهذا ما يحصل الأن ، لكن قبل ذلك تحدد ما هو المأزق أو المشكلة التي تحتاج الى حلها ، فبعد إنهائها لفكرة حل الدولتين بشكل شبه كامل ، حددت معضلة بقائها بهذا الكم الهائل من البشر و المحشور في بقع جغرافية ضيقة ، وهو ما سيشكل قنبلة موقوتة تهدد مستقبل ووجود الكيان ، لذلك يجب حل المشكلة بالخلاص من هؤلاء إما بتهجيرهم وهذا مستحيل ، أو بتجييرهم لدولة أخرى ، وهذا ما ذهب اليه كُتاب المقال وهو شفرة اوكام ( ابسط الحلول هو الحل الصحيح ) وما لم يقله هؤلاء بأن وليم الأوكامي هو أيضاً صاحب الفلسفة الإسمية والتي نفت فكرة الماورائيات ، وكأنهم يقولون صراحة أن وجود دولة فلسطينية مجرد حلم لا يتفق مع نظريات العلم وبالتالي لا بد من إلغائها من الحسابات .


في المقال المنشور بمجلة Foreign Policy بإسم أحد رجال الأعمال لكنه بدون شك نتاج مجموعة مُدركة من الباحثين ، يحرك المقال مشاعر المجتمعين الأردني والفلسطيني حول فكرة نبيلة وهي الوحدة بينهما كدولتين ، وبمسمى جديد يضمن بقاء إسم كل منهما ، والمقال يعزز هذه الفكرة بوحدة سابقة حدثت في العام ١٩٥٠ واستمرت حتى حرب حزيران ١٩٦٧ م ويسوق في جملة مبرراته أن تلك الوحدة ستجلب الاستقرار والفوائد الرخاء الإقتصادى ، لكن رغم أن المقال يتحدث عن القانون الدولي الذي يحظر احتلال اراضي الغير بالقوة وأيضاً اتفاقية جنيف التي تمنع نقل السكان وتهجيرهم ، رغم ذلك فالمقال يسقط بجرة قلم حق أولئك المهجرين والنازحين بدون أي اعتبار لحقوقهم ، أما المستوطنات فقد ترك الخيار لساكنيها إما الانضمام الى الدولة الوليدة او ماذا لا نعرف ، وهو هنا جعل المستوطنات كأمر واقع على الاطراف الاعتراف به ، بالنسبة للقدس أُسقطت هويتها تماماً وحتى شطريها لم يُذكرا ، حتى مفهوم السيادة لتلك الدولة تُرك عن عمد مموهاً ، وكأن الكُتّاب تَرَكُوا فراغات واسعة للتفاوض المستقبلي لاجترار مزيد من التنازلات ، يبشر المقال بإسرائيل وإمكاناتها التقنية و بمشاريعها الخارقة للوقت والعادة في محاولة لإضفاء مشروعية أخرى على وجودها غير مشروعية القوة والبطش ، وهو يعد المنطقة بازدهار على مستويات عديدة ، كل ذلك في محاولة لإسالة لعاب اطراف ارهقها الفقر بمستقبل مزدهر وقد اشار المقال لذلك ،


نأتي الى الحقيقة وراء تلك المقولات ، فمحاولة إغراء الاردن بعوائد اقتصادية من وراء هذا المشروع هي محض هُراء ، فحينما أُحتُلت الضفة الغربية في العام ١٩٦٧م كانت تشكل الجزء الأهم من الاقتصاد الأردني ، وكانت تشكل خزان بشري مدرب ومؤهل مع طاقات كبيرة خلاقة ، وكانت مساحتها ٢١٪؜من مساحة فلسطين التاريخية ، وعدد سكانها لم يتجاوز مليون ونصف ، أما الآن فقد تغير الحال ، فالمساحة مخترقة بالمستوطنات على شكل جزر تقتل اي حل ، القدرة الاقتصادية تراجعت بسبب إستيلاء إسرائيل عليها ، فالاقتصاد محطم ومنهك وبحاجة لمشروع مارشال ، عدد السكان قفز الى اربع ملايين جلّهم فقراء عدا عن المستوطنين ، أما الفلسطينيون فخسائرهم لن تُحصى بسهولة ، فسيفقدون هويتهم وأرضهم التي ناضلوا لأجلها عقود وبذلوا دونها عشرات آلاف الشهداء ، مقابل وعد بالرخاء الوهمي .


أما دولة الإحتلال وهي هدف المقال فلن تحصي مكاسبها بسهولة ، فهي ستلقي بعبء الفائض البشري الضاغط عليها ديمغرافياً وأمنياً الى دولة أخرى ، تضمن التخلص من تهديد المقاومة الفلسطينية وتعكس ذلك التهديد الى داخل الدولة الموعودة والتي ستغدو بالنسبة لهؤلاء دولة عميلة وغير شرعية ، طبعاً الوعد بأن تتحول تلك القوى من السلاح الى احزاب سياسية هو وهمي وبلا قيمة ، طبعاً ستضمن بقاء المستوطنات ، لا بل سيكون جزء منهم مواطنون في تلك الدولة وبالتالي تكون لها قوة تأثير مستقبلية ، طبعاً القدس ستكون على حالها كما تريد دولة الاحتلال ، سيخلق هذا الوضع الجديد بؤرة نزاع خطرة بين أقلية شرق اردنية وأكثرية من مواطنيه ذوي الأصول الفلسطينية ، طبعاً يقدم كتاب المقال حلاً لذلك من خلال بقاء القيادة الهاشمية وتوزيع متساوى للتمثيل السياسي طبعاً هذا حبر على ورق ستتغير المعادلة فور حصول الوضع الجديد وبتغير موازين القوة ، طبعاً سيكون السلاح هو الحكم ، فالدولة الموعودة ستمر بمرحلة الحرب الأهلية قبل أن تُحسم فيها الأمور ، وقتها ستحدد القوة على الأرض والتدخلات الخارجية من سيكون الفائز الخاسر ،


كُتاب المقال نسوا أو تناسوا في غمرة محاولتهم مساعدة كيان الاحتلال أن الشعب الفلسطيني يعاني من مشكلتين أساسيتين هما الاحتلال والإنقسام الداخلي ، لكنه أبداً لا يعاني من الغباء لا هو ولا الشعب الاردني ، ولن تنطوي عليه هذه الأحاييل التي تتلاعب بعواطفه ومخاوفه وتحاول أن ترسم مستقبل على مقاس الأحتلال بواسطة مأجورين همهم تحقيق إنجازات ولو على حساب أبناء وطنهم .




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات