عن الفيصلي والوحدات


لم أكن يوماً ممارساً لكرة القدم ولا هاوياً لها ولا أذكر أنني دخلت ستاد عمان الدولي إلا يوم أقيم حفل تخرجي من الجامعة على بساطه الأخضر وبين مدرجاته، وأنا زاهد كذلك بمتابعة مباريات كرة القدم ... لست مدريدياً ولا يستهويني منافسه وخصمه العنيد برشلونه، وما تابعته أو علق في ذهني من مباريات كرة القدم على مدى السنين لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة منها مباراة الجزائر التي هزمت فيها ألمانيا الغربية بنتيجة هدفين لهدف ضمن مباريات كأس العالم 1982، وعدد من المباريات التي تألق فيها منتخبنا الوطني أمام كل من اليابان وأستراليا، ولكنني متابع رغم أنفي لما يجري على ساحة كرة القدم المحلية، لا شغفاً بها ولا إعجاباً بلاعبيها الذين نكن لهم كل المحبة والإحترام، ولكنها سطوة الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي التي تحتفل بالمعارك والمواجهات والمناكفات التي تجري في الملاعب والمدرجات وتضخ أخبارها بصورة تجعلها تطغى على أبرز الإحداث السياسية وغير السياسية المحلية منها والعالمية ....

لقد دأب نادي الفيصلي على تَسَيُّدِ وإكتساح بطولات كرة القدم المحلية منذ سنين طوال، واستمر في ذلك حتى سبعنيات القرن الماضي، يومها كان النادي الأهلي هو الخصم والمنافس الأبرز للفيصلي وكان لنادي الجزيرة أيضاً صولات وجولات إضافة إلى أندية العربي والقوقازي والجيل الجديد ....، بعدها شهد مطلع الثمانينات دخول منافِسَيْنِ جديدين إلى الساحة أضافا نكهة جديدة إلى كرة القدم المحلية، هما نادي الوحدات الذي أحرز بطولة الدوري للمرة الأولى في تاريخه عام 1980، ونادي الرمثا الذي أحرز البطولة ذاتها عامي 1981 و 1982، لتتغير أجواء كرة القدم المحلية بعد ذلك وليَغْلِبَ عليها المنافسة الحادة والشرسة بين نادي الفيصلي العريق ونادي الوحدت القادم الجديد إلى ميادين اللعبة والذي استطاع إستقطاب جماهير واسعة مقابل الجماهير العريضة المناصرة لنادي الفيصلي، وأصبحت المدرجات تغص بعشرات الألوف من المشجعين إضافة إلى ألوف مؤلفة أخرى في المنازل أمام شاشات التلفاز، مشاهد لم تألفها ساحات كرة القدم في ما مضى، وروح جديدة تُشابِه ما يحدث في معظم دول العالم المهووسة بهذه الكرة الجلدية المنفوخة التي تتقاذمها الأقدام وتتصدى لها الرؤؤس ....، صورة ظهرت في البداية جميلة وناصعة ولكن سرعان ما بدأ تتقاطع خيوطها وتبهت ألوانها بفعل التعصب الأعمى والتحيز المبالغ فيه الذي أصبح ينتشر ويتسع لدى جمهور الناديين، لتخرج الأمور في النهاية عن حدود المألوف والمعقول في المباريات واللقاءات المتكررة بينهما، أجواء محمومة فيها القليل القليل من روح وعبق وفنون كرة القدم وتضج بأشياء أخرى كثيرة لا علاقة لها بكل ذلك، تفرقة وإنقسام على أساس مناطقي وشعارات وهتفات بغيضة ومواجهات عنيفة وصلت ذروتها في المباراة النهائية لكأس الأردن عام 1986، ليتم بعدها تغيير إسم نادي الوحدات إلى نادي الضفتين وتكليف المرحوم عاكف الفايز برئاسة النادي، في رسالة واضحة وإنذار للجميع بضرورة التعقل والرشاد وأن لا تتجاوز الأمور الرياضةَ إلى ما سواها من قضايا قد يكون لها مآلات غير محمودة على المستوى الوطني ... لتمضي بضعة سنوات وتعود الأمور إلى سابق عهدها ... اللاعبون متحابون منسجمون فيما بينهم في الملاعب، وجماهير الناديين في المدرجات وخارجها منقسمة متناحرة تتبادل البذيء والسيء من الهتافات ...

لا شك بإن التعصب والإنحياز وحتى أعمال الشغب في بعض الأحيان أصبحت جزءاً أصيلاً من كرة القدم ونكهتها، وأذكر في هذا المجال يوم كنت أقيم في إحدى المدن الأوروبية ودخلت إلى متجر قريب إعتدت التردد عليه، لأتفاجىء بأن عدداً غير قليل من رفوف المتجر قد تم إخلاؤها من البضائع تماماً، وكان السبب وراء ذلك هو إخفاء كل ما يتضمن خموراً أو مشروبات روحية عن مشجعي منتخب إنجلترا الذين كانوا قد وصلوا المدينة لمؤازرة فريقهم ... شيء غريب ومتطرف فعلاً ... بيد أن ما نشهده في مباريات ناديينا الحبيبين مختلف ومؤسف ومخيف ويجب تداركه قبل فوات الأوان، أقول هذا وقد لمست كيف تفاعل الكثير من "العقلاء" -الذين ما زالوا يصرون على تقسيمنا قيس ويَمَن- مع الفيديو الذي تسرب من أحد الأعراس والذي ظهر فيه شباب يغنون ويرقصون لم يجدوا ما يعبر عن فرحهم وسرورهم سوى هتافات وأهازيج مسيئة وبعيدة عن الذوق والأخلاق استعاروها من المدرجات ... هذه لا تعكس أخلاق مجتمعنا وقيمنا ولا تمثل حقيقة مشاعرنا تجاه بعضنا البعض، ولن تؤدي أبداً إلى أي شرخ او إنقسام في نسيجنا الوطني المتماسك ... ولكنها لا تليق بنا ولا بوطننا ويجب محاربتها من الجميع وخاصة إداراتي الناديين اللتان فشلتا حتى الآن في الإرتقاء باللعبة إلى المستوى اللائق محلياً وعربياً ودولياً .... فلا أقل إذن من العمل على كبح جماح البذاءة والعنصرية بين جماهيرها ....





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات