اللامركزيه في الاردن الى اين ؟


الحلقه (4) ما هو المطلوب؟


لقد تحدثت في الحلقه السابقه حول الواقع الحالي للحكم المحلي في الاردن ومدى قربه او بعده عن مفهوم اللامركزيه ،وفي هذه الحلقه ساتكلم عن ما هو مطلوب لتحقيق كل نوع من انواع اللامركزيه لان لكل شكل منها اسلوب تقرب مختلفا عن الاخر اللامركزيه .
ان تطبيق اللامركزيه ومن خلال وزارة الداخليه وهي بحكم مهامها وتنظيمها وكما اشرت لذالك سابقا ، هي وزاره ذات مهام امنيه واداريه و ذالك بموجب نظام التشكيلات الاداريه رقم (47) لسنة 2000 . واذا ما اريد لها ان تتبنى موضوع اللامركزيه فانه يتطلب تحقيق ما يلي :
آولا – ان يتم اجراء تغيير جذري على المهام الحاليه لوزارة الداخليه وهي مهام اداريه وامنيه في المقام الاول ، الى مهام جديده تتناسب مع مهام اللامركزيه المطلوب تنفيذها . وهذا بالضروره يتطلب تغيير هيكلية وتنظيم وزارة الداخليه لتتناسب مع هذه المهام المستحدثه ، وهذا التغيير في المهام والهيكل التنظيمي ينبغي ان يطال الوزاره من اعلى مستوى تنظيمي الى ادني مستوى في الوزاره ممن سيوكل بهم تطبيق نظام اللامركزيه .او ان يتم استحداث وزاره للحكم المحلي من كافة جوانبه ،سواء في الحكم الاداري في وزارة الداخليه او في البلديات ، ويكون لهذه الوزاره قانونها الخاص الذي يحدد مهامها وهيكلها التنظيمي لتلبية متطلبات الحكم المحلي الحديث .وان تبقى وزارة الداخليه وزاره تشرف على السياسه الامنيه الداخليه من خلال الاجهزه الامنيه التابعه لها
ثانيا: ان المهام الجديده والتنظيم الجديد يحتاج الى اعداد كوادر مؤهله للقيام به ، وان اعداد هذه الكوادر يحتاج الى وضع خطه شامله للتاهيل والتدريب وبناء القدرات وربما يتطلب الامر ارسال افراد في دورات تاهيل خارجيه في دول متقدمه سبقتنا في موضوع اللامركزيه . وهذا يتطلب قدرا معقولا من الوقت يتراوح ما بين 3-5 خمس سنوات على الاقل ،اذا ما اردنا ان نقف على ارض صلبه وليس سلق الموضوع تحت ضغط الوقت او عدم القدره على وضع القياده السياسيه بحجم التحديات ، او الانتظار لتجيير الموضوع الى حكومه جديده بدل مواجهته، او لعدم الدرايه ، وبالتالي فان الحل سيكون المماطله وعدم مواجهة الحقائق .
ثالثا : ان اية تعديلات طفيفه وشكليه ومستعجله على مهام وزارة الداخليه ، او اختيار كشكول من اشكال مختلفه من اللامركزيه والادعاء ان ذالك هو اللامركزيه سيفشل لامحاله، لان المهام الجديده لوزارة الداخليه يجب ان تنسجم تماما مع ذالك النوع من اللامركزيه الذي يتم اختيارها ، فهل تريد الحكومه لامركزيه سياسيه ام لامركزيه اداريه ام لامركزيه ماليه ام تفويض صلاحيات ام تخفيف التركيز، ان اي من هذه الانواع يحتاج الى مقاربه مختلفه عن الاخري . لذالك على الحكومه ان تحدد بالضبط ما هو نوع اللامركزيه التي تريد انتهاجها كخطوه اولى ضروريه، لان نوع الاختيار يحدد اسلوب التقرب لمواجهة المعضله ، واعتقد ان هذه هي الحلقه الفقوده لدينا في موضوع اللامركزيه والتي تجعل الموضوع ضبابيا وغير محدد الرؤيه والاهداف .ان اختيار شكل اللامركزيه يعني تحديد نوع الحكم المحلي الذي سيطبق . ان اقتراح استحداث مجلس نواب في المحافظه من خلال انتخاب الثلثين وتعيين الثلث الاخر كما يروج او ما هو مطروح ، فهذا يعني تلقائيا ان الحكومه قد اختارت اللامركزيه السياسيه .فيما يتعلق بهذا الجانب . وهذا يعني ان تسن القوانين المتعلقه بالموارد الماليه على مستوى المحافظه .وهذا ما اعتقد ان صانع القرار لايهدف له اطلاقا . ان اختيار الحكومه ان تمسك بالموارد الماليه لتقوم بتوزيعها لاحقا على المحافظات يعني انها اختارت اللامركزيه الاداريه،وبشكل اكثر تحديدا تخفيف التركيز .في هذا الجانب .
ان تحديد نوع اللامركزيه المطلوبه هي الحلقه المفقوده عند القائمين على هذا الموضوع .لانه يوجد تخبط حول هذا الموضوع وعدم وجود رؤيه واضحه لمفهوم اللامركزيه ، وما يحدث حاليا هو نوع من الارتجال غير المستند على اساس علمي محكم .ومن اشخاص لا درايه لهم بابعاد اللامركزيه ولكن وجدوا انفسهم في مواجهة مشكله لا يعرفون لها حلا .ومطلوب منهم ان يضعوا لها حلا .
رابعا : ان تاهيل كوادر لمهام وواجبات جديده تعد معضله بحاجه الى حل ،لانه توجد مهام تشريعيه واخرى ماليه ومحاسبيه واخرى فنيه لها علاقه بالرقابه والمتابعه واحالة العطاآت واسلوب متابعتها وغيرها من الواجبات المستجده ، وهذه تتطلب هيكليه كبيره مستحدثه ولها علاقه بكافة نواحي الحكم المحلي في الميدان ، وهذه غير متوفره حاليا لدى الوحدات الاداريه الميدانيه ولا يمكن باي حال من الاحوال ارسالهم من المركز لاداء هذه الواجبات وان الامر يتطلب ايجادهم من الميدان وتاهيلهم للقيام بواجباتهم سواء داخل المملكه او خارجها ، وهذا هو جوهر اللامركزيه .
خامسا : ان اي توجه الى موضوع اللامركزيه مهما كان شكله يتطلب اجراء اصلاحات جذريه في موضوع الخدمه المدنيه ، وان التركيز حاليا يتم على ما يسمى ببناء القدرات للحكم المحلي فقط ، في حين ان الحكم المركزي بحاجه الى اعادة هيكله وبناء قدراته ليصبح لديه رؤيه واضحه حول نوع الحكم المحلي المطلوب ، وكيفية التعامل معه وحدوده
وهنا يجدر الاشاره انه هناك قدرمن التشابه ما بين ما قامت به القوات المسلحه من حيث موضوع الجحفله (اللامركزيه في الاداره العسكريه )، والتي الحقت بموجبه وحدات من الاسلحه والخدمات الى التشكيلات الميدانيه واصبحت مرتبطه بقادة التشكيلات بدلامن ان تكون مرتبطه برئاسةالاركان ، او في الادارات التابعه لها . وذالك لتمكينها من السرعه في أداء واجباتها وكذالك تقليل الازدواجيه مابين قادة التشكيلات وقادة الاسلحه والخدمات والمدراء في القياده العامه .
ان تجربة الجحفله( لامركزية الاداره العسكريه ) في القياده العامه يمكن الاستئناس بها والاستفاده منها،ولقد كانت خطة الجحفله هي الخطوه الاولى نحو اناطة مزيد من الصلاحيات للقاده في الميدان ، وبعد تجربتها لفتره من الزمن وتقييم درجة نجاحها ، اتجهت القياده العامه الى موضوع اكثر توسعا وهو تاسيس الاقاليم او المناطق العسكريه والتي تضم عددا من التشكيلات المكتفيه ذاتيا .
سادسا : قد يقول قائل ان الحكم المدني ربما يكون مختلفا عن النظام العسكري .وهذا صحيح ، ولكن في الاساس النظري فان العملين متشابهين من حيث انهما يفوضا صلاحيات اضافيه من المركز الى قاده او حكام اداريين في الميدان من خلال تنازل القياده المركزيه عن بعض من صلاحياتها . انه مما يشهد له ايضا ان الاداره العسكريه تاريخيا كانت السباقه في التطوير وفي كافة الحقول .ان بحوث العمليات التي كانت تقوم بهاالقيادات العسكريه كانت تمثل الاساس لمعظم التقدم الذي كان يتم في الجانب المدني . فالبحوث العسكريه المتعلقه بالاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ادت في النهايه الى ثورة المعلومات من خلال الانترنت كما ان الحاسوب وتقنياته قد تم تطويره عسكريا ومن ثم انتقل الى الاستخدام المدني ، وهكذا في معظم الوسائل الحديثه التي تستخدم الان ، كانت خلاصه لبحوث عمليات التي كانت تقدم في الجانب العسكري لتلبية متطلباتهم ثم تنتقل لاحقا الى الاستخدام المدني .
سابعا : ان الجهه الاساسيه وذات الكفاءه العاليه في القوات المسلحه والتي لديها القدره على اجراء البحوث والدراسات ولديها القيادات والكوادر المؤهله لذالك هي كلية الدفاع الوطني في القوات المسلحه وهي لديها الخبره والتجربه في جحفلة القوات المسلحه ومن ثم الانطلاق بها لاحقا الى مفهوم الاقاليم العسكريه . وانني استغرب اذا لم يتم الاستئناس بخبرة هذاالمعهد المتقدم حول موضوع اللامركزيه ومدى ملائمته لظروف المملكه من خلال طرح معضلة اللامركزيه على احدى الدورات لتقدم الاجابه عليها خلال ذالك العام .على ان تقوم وزارة الداخليه بالتعاون الكامل مع كلية الدفاع الوطني وتقديم كل ما لديها من امكانات ومعلومات الى الكلية كذالك ان تقوم الوزاره بتنسيب عدد من الحكام الاداريين من مرتبة محافظ ومتصرف لهذه الدوره .
ومن المعروف ان دورات كلية الدفاع الوطني هي دورات تبحث في الاستراتيجيه السياسيه والعسكريه والاقتصاديه والامنيه للدوله الاردنيه ، ويشارك فيها سنويا عدد من الموظفين المدنيين ممن تتطلب طبيعة عملهم المشاركه في مثل هذه الدوره .
ثامنا : على ضؤالدراسه التى ستتوصل لها كلية الدفاع الوطني وتوصياتها حول موضوع اللامركزيه فانه يمكن الاستمرار به اوتعديله او ايقافه . واعتقد ان كلية الدفاع الوطني هي جهه مؤهله ولديها القدره في بحث هذا الموضوع وبصوره معمقه اكثر بكثير من لجنه وزاريه غير مختصه وليس لديها الوقت الكافي لذالك ، لانشغالها بالقضايا اليوميه المستجده والضاغطه . الامر الذي قد يضطرها الى تجييرالبحث في هذا الموضوع الى اشخاص قانونيين او حتى موظفين او باحثين ليس لديهم الخبره والتجربه ، كما ان كلية الدفاع الوطني هي جهه حياديه ولن تكون متحيزه الا لما تتوصل اليه نتيجة ابحاثها ، في حين ان اللجنه الوزاريه من عدد من الوزراء قد تكون لهم اهداف ومصالح ورؤى متضاربه .
محافظ سابق*



تعليقات القراء

شلوى وو
هل من الممكن الكتابة عن عدالة توزيع الثروات الطبيعية لدى المحافظات!
بدل من اكتابة عن اللامركزية؟
ابناء المحافظات ينتحرون بسبب حرمانهم من مكاسب ثرواتهم الطبيعية!
06-01-2011 07:39 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات