توجيهي متعسر


جاءت امتحانات الثانوية العامة لهذا العام 2012م متعسرة إلى حد ما ، وعلى وجه الصعوبة في غالبية المباحث العلمية وبعض المباحث الأدبية ، والمتابع لمسيرة التعليم في العامين الماضيين يلحظ بأن مشكلة الامتحان ناتجة بشكل أساسي عن طبيعة الأسئلة وصعوبتها وعدم قدرة الطالب على حلها ، وعدم كفاية الوقت لكثافتها وحجم متطلباتها ، هناك عدة أسباب منها أن الاسئلة وضعت بمستوى تعليمي دون الاعتبار لوقف التدريس الوجاهي ولتحول للدراسة عن بعد ، حيث أن غالبية الطلاب تلقوا تعليمهم ذاتيا وعن بُعد عبر منصات وفيديوهات مدفوعة الأجر.
لا شك أن جائحة كورونا احدثت اختلالات جسيمة في كل القطاعات ، ومنها وعلى رأسها قطاع التعليم فانحرف المسار التعليمي لأول مرة ، واصبح الطالب بعيدا عن المدرسة وغرفة الصف وتفاعلاتها ، وبعيدا ايضا عن المراكز التعليمية الخاصة ، واصبح جالسا في المنزل يترقب ، وغلب عليه جانب الدروشة ويعاني وضعا نفسيا صعبا من الإنطواء والتوحد والإنزواء ، واصبحت مواضيع المواد والدروس تنجز عبر "التابات" والهواتف النقالة باتجاه واحد وبتكلفة عالية أرهقت كاهل الأهالي.
هذا الوضع ساهم في تعسر امتحانات "التوجيهي" لهذا العام ، ايضا ما حصل في السنوات السابقة من ارتفاع في معدلات النجاح لأعداد كبيرة من الطلاب وحصولهم بعضهم على درجة امتياز وبمعدل (100/100) ، حيث أصبح الطالب يرى بأن الأمر سهل جدا وباستطاعته تحقيق هذا المعدل في ظل ظروف صحية واقتصادية واجتماعية عصفت بالحياة من كل جانبها ، وشكل ذلك حافزا في سهولة اجتياز هذه المرحلة ، والحصول ليس فقط على الشهادة ، وإنما على معدل عالي وبكل سهولة ويسر.
الكل يعترف بأن امتحانات الثانوية العامة "التوجيهي" في كل عام يعتبر كابوسا لا فرار منه وحالة طوارئ قصوى ، كما وتعتبره وزارة التربية والتعليم معركتها الرئيسية والحاسمة ، وتكرس له كافة امكانياتها اللوجستية والبشرية ، كما ويعتبر عرسا وطنيا تشارك فيه غالبية الجهات الوطنية والاجهزة الحكومية والأمنية ليكون بصورة مثالية دون أي خلل.
لكن سيبقى امتحانات الثانوية العامة "التوجيهي" مشكلة اجتماعية ، ومحل نقاش وجدل اجتماعي وسياسي وتربوي وعلمي ، وستبقى احتجاجات الطلاب والأهالي على وزارة التربية ووزيرها وعلى واضعي اسئلة الامتحانات بكافة فروعها ، ولطول الاسئلة ومدة الامتحان ستبقى ايضا معضلة الوقت الزمني مشكلة يعاني منها الطلبة مع تفاوت قدراتهم ، كما وسيبقى هذا الامتحان أكبر تحدي لوزارة التربية والتعليم وكوادرها في التعاطي معه لسنوات قادمة.
ولأننا شعب تعودنا على التشكيك في كل شيء ، في الامتحانات والانتخابات والبناءات واللقاحات والشهادات ، وتعودنا ايضا على أن المسؤول دائما يخرج سليما ومعافى من أي مسؤولية ، فعلى الحكومة إعادة النظر بالمنظومة التعليمية بكافة جوانبها وتوضيح مكامن الخلل ، والعمل على معالجة التصدعات التي احدثتها جائحة كورونا وما نتج عنها من آثار سلبية ، ومنها تعسر امتحانات "التوجيهي".
وفي النهاية ، إذا كان امتحان الثانوية العامة "التوجيهي" لا بديل عنه ، كمعيار تقيم للطلاب لدخول الجامعات ، فالمطلوب من وزارة التربية والتعليم العريقة بعد أن تجاوزنا مئوية الدولة أن تحسن من آليات هذا الامتحان بما يتلاءم مع روح العصر ومتغيراته ، وأن تبتعد في نتائجها عن ثقافة المزارع (سنة محل وسنة غلال).



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات