لا أنكر انه واقع يستفز كل ذات متأملة ومفكرة،في ظل أزمة يعيشها المشهدان الثقافي والاجتماعي، وكثرة الخطابات الفارغة، وأنا على ثقة أن القارئ قد مل سماع المعالجات الأكاديمية الصرفة والحديث عن المشروع الثقافي الذي أدرك الناس تراكميته الكمية لا النوعية، وهذا الكلام سيغضب الكثيرين ممن يقومون على الشأن الثقافي في هذا البلد ولكني أقول أن أي مشروع ثقافي له إمارات الصحة والإشعاع التي تسمح له أن يكون مؤثرا ومنافسا والغالبية العظمى لا تشعر بهذا الشئ.
أصبح الكثير من مثقفينا يعيشون في زمن اللامعنى وسيادة اللغة الخشبية والواجهة، ولا بد لنا أن نحلل هذا مترابطا مع ما يشهده المشهد الاجتماعي من تغيير نحو الأسوأ ، والكارثة أن الغالبية تظن أن ما يشهده المجتمع من تفكك وظهور لكثير من الأنماط السلبية الحياتية والابتعاد عن القيم ينبع من فقر المداخيل ولست أرى بأن فقر هذا العقد اكبر من فقر عقود طويلة مضت.
إن عدم وجود القاسم المشترك والفعالً في الظروف الراهنة بين القائمين على المشهدين يشكل معضلة يدفع ثمنها المواطن العادي ،في ظل ثقافة لا تكامل بين مثقفيها، والمواطن يشعر بمحاولة الحكومة إدماج المثقف في السلطة ومؤسساتها، وهذا يفقده التعامل بمعايير العدل والإبداع والحق. ولن يملك القدرة على الحفاظ على المسافة الضرورية بينه وبين شرائح الناس الذين يجب أن يؤثر فيهم، والسؤال كم من مثقف ادمج في مؤسسات السلطة تحولت ثقافته إلى أداة لطحن الحقائق وتحويلها إلى مساحيق لتغطية تجاعيد الحكومة وتجميلها. وكذلك تخفيف الهول من أي قرار قد يمس قدسية المواطن البسيط من خلال نقد فكرة قدسية الواقع والقيم والأفكار أيا كان مصدرها وشكلها؟
لا نريد ثقافة معزولة عن القيم الأخلاقية والسياسية للمجتمع، ثقافة تتحدث بلغة متخشبة مفصولة عن سياقها الإنساني والمجتمعي، بل نريد إعادة الاعتبار للمجتمع ببناء ثقافته ، بإثارة الوعي وتحريك الفعل نحو التغيير. وإبعاد من مارس هذا الإفقار الممنهج عليها الذين لم يدركوا بعدها الوظيفي المهم في حياة المجتمع.
وفي ظل هذا التحول السلبي العاصف الذي مس ويمس بنية المجتمع ويرافقه انعكاسات أدت ببعض الأشخاص إلى إنهاء مجرى حياتهم، يجب إعطاء الثقافة أهمية جوهرية بالنسبة للبدائل واحتمالاتها المتنوعة، حيث أنها الأسلوب الذي لابد منه لترتيب البنية الاجتماعية .
لكن السؤال الملح هل يدرك مثقفينا الحاجات الكبرى والجوهرية المتعلقة ببناء الذهنية المجتمعية وهل يملكون الرؤية المناسبة تجاه كل الإشكاليات المعاصرة والمستقبلية، من اجل بناء الدولة والمجتمع والثقافة بقدر متساو؟

باحث في علم الاجتماع