أمر الدفاع رقم (٦) وإنتهاكات حقوق الإنسان


برهة وجيزة من الصبر وسيخلع الوطن كمّامته البيضاء بعد أن تلثّم بها لأكثر من عام ، وسيمضي "قُصّاد الله" إلى أيامهم القديمة التي أثقلتها الدقائق الخفيفة طيلة فترة الجائحة ، وكما أن للسلامة والصحة الجسديّة عظيم الأهمية وعميقها ، فإن للتعافي القانونيّ والإنساني أيضاً عميق الأهميّة وعظيمها ، الأمر الذي يستدعي لِازاماً الوقوف وبحرص عند أوامر الدفاع التي وقعت خلافاً لأحكام المواثيق الدوليّة والتشريعات الوطنيّة ، لمراقبتها والتأشير على مواطن الخلل فيها وتقويمها ، خاصةً تلك التي تتعدّى الواجب القانوني للدولة إلى الواجب الأخلاقي و الإنساني.

إن الهدف من إبرام المعاهدات الدوليّة وسنّ التشريعات الوطنيّة الناظمة لحقوق الإنسان هو ليس قبول "أوراق إعتماد" الدولة لدى المجتمع الدولي الإنساني ، بل هو أن تنتج هذه المواثيق أثارها القانونيّة من حيث التطبيق الداخلي في الدولة ، دون أيّ تميّيز من حيث العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيّاً وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي وغيرها من الصور التميّيز ، خاصةً في ظل الظروف الطارئة والإستثنائيّة التي تُحتّم على الدولة مضاعفة مسؤولياتها تجاه الأشخاص المتواجدين على أراضيها دون أن تفرّق بين رعاياها والوافدين إليها ، وبخلاف ذلك تكون الدولة قد أخفقت في واجبها الأخلاقي والإنساني تجاه هؤلاء الأشخاص "الوافدين إليها" ، وتنصّلت عن إلتزاماتها الدوليّة والدستوريّة ، وسقطت في شَرَك "التميّيز العنصري" على أساس الأصل الوطني ، وأعادت تعريف "الإنسان" وتقويسه بين قوسيّ الجنسيّة.

كثيرة هي الإنتهاكات التي رافقت سريان قانون الدفاع رقم (١٣) لعام ١٩٩٢ والتي أمر جلالة الملك تطبيقه في "أضيق الحدود" ولا يصلح هذا المقال مقاماً لسردها لطولها وتشعّباتها ، والتي طالت الحق في التعبير والحق في محاكمة عادلة والحق في العمل والحق في الصحة والحق في التعليم والحق في التنقّل والحق في الإجتماع وغيرها من الحقوق التي طرقها قانون الدفاع ، إلّا أنني وفي هذا المقال أردت التوقّف عند أمر الدفاع رقم (٦) والبلاغات الصادرة بموجبه والذي شكّل "سقطة" في حالة حقوق الإنسان و "وثبة" عليها ، والتي لا يوجد مبرّر أخلاقي وإنساني لقبولها أو لإستساغتها ومن هذه الخروقات :

١. السماح للعامل الأردني "حصراً" التقدم بشكوى لوزارة العمل اذا تعسف صاحب العمل في انهاء خدماته خلافاً لأحكام المادة (28) ، والتي تملك حق إعادته للعمل محتفظاً بكافة أجوره دون منح مثل هذا الحق للعامل غير الأردني ، وفي ذلك إستقواء و مفاضلة غير مبرّرة.

٢. تجديد عقد العمل محدد المدة للعامل الأردني "حصراً" تلقائياً شريطة أن يكون العقد قد انتهت مدته بتاريخ ٢٠٢٠/٧/١ وما بعده و أن يكون العقد قد سبق أن تم تجديده ثلاث مرات فأكثر ، دون منح مثل هذا الحق للعامل غير الأردني .

٤. تجديد عقد العمل محدد المدة للعامل الأردني "حصراً" تلقائيا شريطة أن يكون العقد قد انتهت مدته بتاريخ ٢٠٢٠/٤/٣٠ وما بعده و أن يكون العقد قد سبق أن تم تجديده ثلاث مرات فاكثر ، دون منح مثل هذا الحق للعامل غير الأردني .

٥.قيام الحكومة بتقديم الدعم اللازم لتأمين احتياجات الحياة الأٍساسية لعمال المياومة الأردنيين "حصراً" من غير المشتركين في الضمان الاجتماعي شريطة اشتراكهم بالضمان الاجتماعي وفق آلية يتم تحديدها لاحقاً ، دون منح مثل هذا الحق للعامل غير الأردني .

وخلاصة هذه البلاغات هي حرمان هؤلاء العمّال غير الأردنيّين من اللجوء إلى جهة من جهات التحقيق والتفتيش (وزارة العمل) ، بالإضافة إلى تحفيز أصحاب العمل إلى عدم تجديد عقودهم ، واستبعادهم من الدعم الحكومي ، على الرغم من أن الظروف الإنسانيّة والإستثنائية الطارئة كانت تُحتّم على الدولة أن تكون بحجم الحدث الذي يستدعي شدّ وثاق التلاحم والتكاتف خاصةً وأنها قبلت بهم كعمّال على أراضيها ، مع الإشارة إلى أن هذه الحزمة من الإجراءات لم تحقّق النفع المنشود للعامل الأردني بقدر ما ألحقت ضرراً بالعامل غير الأردني.

لا شكّ أن ارتفاع نسبة البطالة هو من أبرز التحدّيات التي يواجهها الوطن ، وأن هذا التحدّي قد زاد عمقاً نتيجة جائحة كورونا والتي شلّت قطاعات برُمتها ، وأن هذا الملف على الصعيد الإقتصادي يعتبر الأقدم والأطول عمراً ، إلّا أن ذلك لا يشكّل ذريعةً للدولة للتخلّي عن واجباتها الدولية والدستورية وقبل ذلك الإنسانيّة تجاه الأشخاص العاملين لديها من جنسيّات أخرى ، والذين هم الأحوج في هكذا ظروف للياذ بها والإحتماء بمظلّتها ، طالما أنها قبلت بهم كعمّال على أراضيها ، وكان الأجدر لها أن تضع حلول عملية ناجعة بعيداً عن حالة التخبّط في البلاغات الحكوميّة ، لا أن تخلق مفاضلة استقوائيّة قائمة على أساس "التميّيز" ، خاصة وأن هناك قرابة المليون مواطن أردني يقيمون في الخارج ومنهم من يعمل في مجالات صناعيّة و خدميّة و تجاريّة ، والجميع هنا يبحث عن بيئة عمل آمنة ومستدامة.

نصّت المادة الثانية من قانون العمل على "العامل : كل شخص ذكراً كان أو أنثى يؤدي عملا لقاء أجر ويكون تابعا لصاحب العمل وتحت إمرته ويشمل ذلك الأحداث ومن كان قيد التجربة أو التأهيل" .
وكما نصّت المادة الثانية من الإعلان لحقوق الإنسان على : " لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي...." .

وكما نصّت المادة الأولى من إتفاقية التميّيز (في الإستخدام والمهنة ) على : " في مصطلح الاتفاقية، تشمل كلمة "تمييز":
(أ) أي تميّيز أو استثناء أو (تفضيل) يتم علي أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني أو المنشأ الاجتماعي، ويسفر عن إبطال أو انتقاص المساواة في الفرص أو في المعاملة علي صعيد الاستخدام أو المهنة" ، وهو ما أكّد عليه أيضاً العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات