دروس مستفادة من أزمة النواب


بعد أن استدلت الستارة نهائيا على قضية النائب أسامة العجارمة، التي شهدت العديد من الأحداث المتلاحقة، لا بد من وقفة مراجعة لتقييم البعد القانوني لهذه الحادثة التي أثارت موجة صحية من النقاشات والجدالات الدستورية. فهذه القضية قد بدأت بصدور قرار نيابي بتجميد عضوية النائب المعني، الذي قدّم استقالته الخطية كرد فعل على هذا القرار، ومن ثم كان موقف مجلس النواب بتفضيل الفصل على قبول الاستقالة.
إن أولى الدروس المستفادة من الأزمة الأخيرة وجوب مراجعة النصوص القانونية ذات الصلة بالعقوبات البرلمانية التي يمكن إيقاعها على النائب المخالف لأحكام النظام الداخلي ومدونة السلوك، وذلك من خلال تجميعها بشكل واضح وصريح في مادة قانونية واحدة أو أكثر. كما يجب إعادة النظر في المادة (160) من النظام الداخلي التي استند عليها مجلس النواب في قرار التجميد، والتي تنص بالقول "مع مراعاة أحكام المادة (90) من الدستور، يحق للمجلس تجميد عضوية كل من يسيء بالقول أو الفعل أو بحمل السلاح تحت القبة أو في أروقة المجلس بالمدة التي يراها مناسبة".
إن هذا النص القانوني ينطوي على عيوب تشريعية جسيمة، أهمها عدم صحة الربط بين تجميد العضوية والمادة (90) من الدستور ذات الصلة بفصل النائب. فالفصل يختلف عن التجميد في جوانب متعددة، أهمها أن الفصل ليس بالضرورة أن يكون عقوبة برلمانية في جميع الحالات.
كما أن التشابك الذي قررته المادة (160) من النظام الداخلي مع المادة (90) من الدستور قد أثار خلافا حول الأغلبية المطلوبة لصدور قرار التجميد. فالمادة (90) من الدستور تشترط لصدور قرار الفصل موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، في حين أن المجلس قد اكتفى بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين لإصدار قرار التجميد.
وما يعاب على المادة (160) في النظام الداخلي لمجلس النواب أنها لم تحدد مدة زمنية معينة للتجميد، وإنما أعطت الحق لمجلس النواب أن يصدر القرار بتجميد العضوية للمدة التي يراها مناسبة. وهذا الأمر يشكل تعارضا صارخا لأحكام التجريم وفرض العقوبات التي يفترض بها أن تكون واضحة ومعلومة للمشتكى عليه. فالنص الحالي يجيز لمجلس النواب ايقاع عقوبة التجميد بحق أحد أعضائه للمدة المتبقية من عمر المجلس، خاصة في ظل سهولة الحصول على الأغلبية المطلوبة لإصدار قرار التجميد.
وفي مجال العقوبات النيابية، لا بد من التفكير في آلية معينة تعطي الحق للنائب الذي تقرر فرض عقوبة برلمانية عليه بالاعتراض عليها، وذلك إما أمام القضاء من خلال تغيير التصور العام الذي لا يعتبر هذه العقوبات قرارات إدارية، أو أن يتم تشكيل لجنة عليا داخل المجلس تنظر في الطعون المقدمة من النواب على ما يصدر بحقهم من عقوبات نيابية.
وما يستفاد أيضا من الحادثة الأخيرة وجوب إعادة النظر في النصوص القانونية الناظمة لدعوة مجلس النواب إلى الاجتماع، حيث يجب التأكيد على ضرورة أن يتم توجيه الدعوة قبل فترة زمنية محددة، وأن أي استثناء على هذه القاعدة العامة يجب أن يكون في أضيق الحدود. كما يجب عدم التوسع في مفهوم "الضرورة"، التي تجيز عقد أي جلسة نيابية دون إعلام أعضاء المجلس بجدول الأعمال بوقت زمني كاف.

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات