لا يحق لإسرائيل الدفاع عن نفسها ؟



في كل حرب او عدوان شنته إسرائيل على بعض الدول العربية ( مصر الاردن سوريا لبنان تونس ) او ضد قواعد ومواقع وتواجد قوات الثورة الفلسطينية في ( الاردن لبنان سوريا تونس الضفة الغربية قطاع غزة ) حتى في الزمن الذي لم تكن فيه قذائف الهاون ولا صواريخ المقاومة تصل المدن الاسرائيلية كانت تبرر دائما وبشكل علني ومتكرر الادارات الامريكية المتعاقبة وبعض زعماء الدول الغربية والشرقية أحقية (اسرائيل في الدفاع عن نفسها وشعبها ) وهذا ما قاله وجدده مؤخرا الرئيس الامريكي جو بايدن خلال مباحثاته الهاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة

لم تكتفى الولايات المتحدة بمنع مجلس الأمن الدولي من إصدار قرار يلزم إسرائيل بوقف العدوان ويضع حدا لجرائمها بل فوق كل ذلك زعم الرئيس الأمريكي بايدن أن إسرائيل فى حالة ( دفاع شرعي عن النفس ) وهو ما ينم بلا شك عن تواطؤ أمريكي صريح أعطى الضوء الأخضر لانطلاق العدوان وليس ذلك بالموقف الجديد وهو يعيد إلى الأذهان مواقف أمريكية مماثلة عديدة مؤيدة لإسرائيل ومبررة لجرائمها مثل موقفها من الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان في عام 2006 كما ان امريكا لم تعارض استخدام إسرائيل الأسلحة الأمريكية فى أعمالها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني لأن ذلك من وجهة نظرها يعتبر حالة دفاع شرعي عن النفس ضد هجمات الفلسطينيين بالصواريخ

الرئيس جو بايدن اثناء العدوان الاسرائيلي على غزة قال إنه لا يعتقد أن هجوم إسرائيل على غزة كان رد فعل مبالغ فيه بشكل كبير وأعرب عن دعمه الثابت لـ (حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ) من الهجمات الصاروخية من غزة لكنه في نفس الوقت لم يدين الضربات الجوية الإسرائيلية التي تقتل مدنيين فلسطينيين وتدمر المباني السكنية أو الهجمات الإسرائيلية على المصلين في المسجد الأقصى وبهذا فان بايدن كان يعطي إسرائيل ( الضوء الأخضر ) لمواصلة هجومها كما كان يعزز بايدن الفكرة الخاطئة بأن الفلسطينيين حرضوا على دورة العنف هذه وهي ليست لغة محايدة وإنه كان يأخذ جانبً الاحتلال

ما قاله الريس بايدن ومن سبقوه من الرؤساء الامريكيين اصبح ( سنة غير حمدية للبيت الابيض ) فى تبرير العدوان الإسرائيلي المتكرر على الشعب الفلسطيني ومناصرة الباطل على الحق وجراء ذلك اصبحت اسرائيل تُحوِل مسارات الحوارات ونظرة المجتمع الدولي من الحديث عن جرائمها الاستعمارية ضد الفلسطينيين إلى الحديث عن الإصابات والاخطار التي لحقت بها نتيجة لتلك الجرائم من أجل تبرير ما ترتكبه من بحق الفلسطينيين وهي تحرمهم من حقوقهم الإنسانية في العودة وتقرير المصير واقامة دولتهم المستقلة

اسرائيل منذ بدايتها شكلت مشروع استعماري واحتلالي تقوده الدولة وترعاه مؤسساتها وقد استخدمت في سيبل ذلك القوة العسكرية المفرطة والعشوائية التي لا لزوم لها اثناء انتهاكها للقانون الدولي مما يوجب تحملها المسؤولية الجنائية عن كل اعمالها الاجرامية وليس من حقها مطلقا أن تتذرع بحق الدفاع عن النفس بوصفه ( مبررًا قانونيًّا لاستخدام القوة ) في حرب تشنها ( دولة محتلة ضد مَنْ تحتلهم ) وإن ما قامت به إسرائيل في قطاع غزة يعتبر انتهاك صارخ لجميع الشروط الموجبة لحق الدفاع الشرعي عن النفس خاصة وانها تشن الحرب في وقت يمكنها فيه تحقيق السلام بكل بساطة والتمييز في عدوانها بين الجنود والمدنيين بالإضافة إلى عدم تناسب الأضرار التي تقع في اسرائيل مع الاساليب العسكرية المفرطة التي تقوم بها وبمختلف الوسائل

الحقيقة ان كل ما نسمعه من الرئيس بايدن أو غيره هو كلام ( حق يراد به الباطل ) وفقا لمبادئ وقواعد ( القانون الدولي العام ) الذي يعترف بحق الدول فى اللجوء إلى القوة فى الدفاع عن نفسها بضوابط محددة وقد أقر ميثاق الأمم المتحدة صراحة هذا الحق بحسب نص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على انه ( ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص من الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا وقع اعتداء مسلح على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين ) وكذلك بينت المادة 2/4 من الميثاق وكمبدأ عام حظر استخدام القوة فى العلاقات الدولية وان مشروعية استخدام القوة للدفاع عن النفس هو استثناء على مبدأ الحظر اضافة الى حق الشعوب المطلق بالكفاح المسلح من أجل تقرير المصير والتحرر من السيطرة الأجنبية

كما ان قواعد القانون الدولي تشترط لاستعمال حق الدفاع الشرعي عن النفس أن تكون ( القوة المبذولة لرد على الاعتداء متناسبة مع الاعتداء وفى حدود القدر الضروري لرده ) وإيقافه وهذا الشروط باستخدام حق الدفاع عن النفس غير متوافرة لدى إسرائيل وأن الفلسطينيين وفق قواعد القانون الدولي العام هم الذين في حالة دفاع شرعي عن النفس فى مواجهة إسرائيل، لأنهم يسعون إلى ممارسة حقهم فى تقرير المصير والتحرر من الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني وأنه لا يوجد أى تناسب بين الهجمات الفلسطينية والعمليات العسكرية الإسرائيلية الواسعة النطاق التي تتسم باستخدام القوة الاسرائيلية الشاملة ( الجوية والبحرية والبرية ) والتي يترتب عليها قتل عشوائي للسكان المدنيين وتدمير البنية الأساسية وارتكاب أفعال تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية

ولا بد هنا ان نبين بان عدم وضوح المعايير القانونية بشأن لمادة( 51 ) من ميثاق الامم المتحدة بشكل كاف جعل بعض الدول المُعتدية مثل اسرائيل تستخدم هذه المادة كأداة لتبرير استخدامها للعنف بدلًا عن حظر استخدام القوة المسلح والان أصبحت كل حرب تُشن على أساس أنها حرب دفاع عن النفس لتأمين الدول من التهديدات التي تحيق بها بداية من الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق ووصولًا إلى الغزو الروسي للشيشان وأوكراني
ا
عملت اسرائيل مرات عديدة وبأساليب وقحة باستخدام ( القانون بوصفه سلاح حرب ) فمثلا خلال الحرب الإسرائيلية على غزة في ( 2008-2009 ) تذرعت بحق الدفاع عن النفس كمبرر لشن الحرب على الرغم ن ذلك يتعارض مع التزامات إسرائيل بصفتها دولة احتلال ولديها السيطرة الفعلية على أراضيها كما أنه يتعارض مع المبدأ القانوني الخاص بـ ( الضرورة العسكرية بوصفها مبررًا قانونيًّا استثنائيا ) مما يستبعد استخدام المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة وهي تستهدف المباني السكنية المدنية وتقتل مئات الأطفال وتُبيد عائلات بأسرها وتلحق دمار شامل بالقطاع

بهذا المنطق القانوني لا تستطيع اسرائيل الادعاء يحق الدفاع عن النفس خاصة وان ممارسة هذا الحق تستند من خلال ممارسات غير قانونية إلى فرض الاحتلال وحرمان الفلسطينيين من حق تقرير المصير وهي تعلم إن الحقوق الوطنية الفلسطينية لها أهمية قصوى ويحميها القانون ولهذا السبب ليس لدى إسرائيل أي أساس قانوني لشن حرب ضد الفلسطينيين المحتلين من قبلها بل إن العكس هو الصحيح وبذلك ينبغي على إسرائيل ألا تزيد من معاناة الفلسطينيين وأن تؤدي ما عليها من التزامات تجاههم وأن توقف ما ترتكبه من انتهاكات ضد حقوقهم المشروعة وبهذا وحده فقط يمكن لإسرائيل حماية مواطنيها والحفاظ على حياتهم من صواريخ المقاومة الفلسطينية العشوائية عن طريق إيجاد حل للنزاع من الناحية السياسية وإحلال السلام وضع نهاية لحصار غزة والسماح للفلسطينيين بالعيش بحرية وكرامة وانسانية

ادعاء إسرائيل المتكرر لحق الدفاع عن النفس يهدف الى محاولة التخفيف من النظرة الدولية اتجاه جرائمها فضلا عن تكريس مشاريعها الاستيطانية الاستعمارية وتعميم سياسة الفصل العنصر والدولة القومية وتحقيق الهيمنة اليهودية في إسرائيل واضطهاد وملاحقة الفلسطينيين بكل الوسائل الممكنة للحد من تطلعاتهم السياسية من خلال مواصلة شن الحروب وإطالة أمدها الحروب

من المعلوم ان اسرائيل لا يمكن أن ترتكب جرائمها دون الدعم الساحق من حكومة الولايات المتحدة حيث يساعد المسؤولون الأمريكيون ويحرضون على جرائم إسرائيل بمساعدات عسكرية ضخمة ويتصدون لأي انتقاد لإسرائيل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حيث تمنح الحكومة الأمريكية إسرائيل 3.8 مليار دولار كمساعدات عسكرية سنويًا كما لا يمكن لإسرائيل أن تستمر في احتلالها للأراضي الفلسطينية واضطهادها للشعب الفلسطيني دون مساعدة الولايات المتحدة علاوة على ذلك تمنع الولايات المتحدة بانتظام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من إصدار قرارات أو بيانات تنتقد إسرائيل وقد كانت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة في مجلس الأمن التي عارضت بيانًا يحث إسرائيل على منع إجلاء العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية وانها ما بين عامي 1967 و 2017 استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ( الفيتو ) في مجلس الأمن 43 مرة وذلك لحماية إسرائيل من المساءلة الدولية

في 3 مارس / آذار 2021 أعلنت فاتو بنسودة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن مكتبها سيبدأ تحقيقًا رسميًا في جرائم الحرب المرتكبة في الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية وقطاع غزة منذ عملية إسرائيل 2014 الجرف الصامد الذي قتلت فيه القوات الإسرائيلية 2251 فلسطيني

بموجب القانون الدولي فان للفلسطينيين ( حق قانوني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم ) بما في ذلك من خلال الكفاح المسلح. في عام 1982 أعادت الجمعية العامة للأمم المتحدة التأكيد على شرعية نضال الشعوب من أجل الاستقلال وسلامة أراضيها والوحدة الوطنية والتحرر من السيطرة الاستعمارية والأجنبية والاحتلال الأجنبي بكل الوسائل المتاحة بما في ذلك الكفاح المسلح

في الختام اذا استمرت امريكا والعالم الغربي بمنح إسرائيل الحرية المطلقة لشن حروبها العدوانية على اعتبار أنها دفاع عن النفس فلن تأتي اللحظة التي يعيش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون في سلام سوق يطول لصراع الإسرائيلي الفلسطيني الى سنوات اخرى لن يشعر أحد في المنطقة بالأمان وفي المقابل نتسأل باستغراب اليس ايضا من المنطقي والشرعي الحق للفلسطينيين بالدفاع عن انفسهم مقابل كل عدوان إسرائيلي همجي يستهدف حياتهم ووجودهم

mahdimubarak@gmail.com







ا





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات