القاضي الأعور .. القاضي الدجال ..


القاضي الأعور ..
محكمة!!!
قدم المتهم للقاضي الأعور،، تلى عليه التهمة: قتل الزعيم مع سبق الإصرار .. وقتل الفروع للأصول .. سئل المتهم عن التهمة المسندة إليه فأجاب:
القصة باختصار ان بيتاً من ثماني غرف وعليّة لتخزين بعض أواني الطبخ، كان مملوكاً لرجل فقير، ورثه عن أبيه عن جده عن عن عن دون انقطاع.
كانت البيت سحرياً، ولهذا كان يثير أطماع القريب والبعيد، لقد كانت جدرانه ترشح بالزيت، ونوافذه في كل صباح تورد تيناً، ولهذا سماه صاحبه المسكين بيت التين والزيتون.
وفي أحد الأيام توقف الزيت عن الرشحان، وتوقف التين عن أن يورد، كان ذلك نذير شؤم على أهل ذلك البيت، لقد أعلن أحدهم الحرب على المدينة واحتلها عن بكرة أبيها، وبقي يخلع في باب البيت بعد أن رفض صاحبها المسكين فتحها له، حتى فتحه عنوة، بعد أن قتل اثنين من أبنائه.
قال له: اعتذر يا سيدي من قتل ابنيك، لكنني لا أريد شيئاً سوى أن تعطي غرفة واحدة أو نصف غرفة لهؤلاء المساكين الذيين معي، لا أفعل ذلك للتخلص من رائحتهم الكريهة أو صوتهم المزعج في الصلاة، بل لأنهم مساكين، منذ أن خلقوا لا وطن لهم، فوددت لو تعطيهم جزءاً من وطنك.
رفض صاحب الشقة المسكين ذلك، فصفعه المحتل وقال: لماذا أطلب منك؟ أنا صاحب الكلمة هنا.
أعطى المحتل غرفة من الغرف الثمانية للمستوطن الجديد، الذي أخذ يتدرب على حمل السلاح ويدرب كل طفل يأتيه منذ نعومة أظافره على ذلك أيضاً، في الوقت الذي كان صاحب البيت يعبئ الزيت ويقطف التين، بالطريقة ذاتها التي كان أجداده بفعلونها، إضافة لدعائه لإبنيه الذين قتلهما المحتل في محاولته لفتح باب البيت، بيت التين والزيتون.
وقبل حوالي ال80 عاماً، وأثناء أن كانوا نياماً، دقت ساعة الصفر، وأخذ المستوطن يقتل بعضاً من أبناء صاحب البيت، ليخيف البقية حتى يغادروا البيت، بقي يفعل ذلك وهو يصيح: هذا ليس إرهاباً .. هذا ليس إرهاباً ..
وبالفعل، هرب خمسة من أبنائه، وبقي اثنان، واحد في أحد غرف البيت الثمانية، والثاني بقي معلقاً ومحاصراً في علية الطعام، دون طريق لباب البيت، ولا حتى نافذة يمر منها النور والهواء ..
بقي الخمسة الذين هربوا من البيت خوفاً من القتل، يصرخون مطالبين بالعودة إليه، ولا أحد يسمعهم، لقد كان البيت مغلقاً بإحكام، حتى المفتاح الذي هربوا به لم يعد يفتح باب البيت، لقد كان المستوطن ماهراً جداً في تلقيد المفاتيح .. إلا أنه كانت للمفتاح القديم وظيفة أخرى، كان يفاخر به كل من يأتي لزيارته في خيمته التي نصبها بقارعة الطريق.. إنه مفتاح بيتي السليب، بقي يمسك به حتى مات، ودفنه أبناؤه معه، حيث أضحى بلا فائدة ..
وكلما غلب أحد منهم أو من أبنائهم الشوق والحنين للعودة، كان المستوطن يقتله دون تردد، ولم يستطع المساكين فعل شيء لمقاومة جوعهم وبردهم سوى النوم لعلهم يحلمون ببيتهم الذي كان يصفه له والدهم، بيت التين والزيتون .. كان بعض المحسنين يرمون إليهم يعلب السردين منتهية الصلاحية وببعض الطحين متدني الجودة .. لا لشيء الا لضمان عدم إزعاجهم للآمنين المطمئنين من أهالي الحي ..
رغم أن أولئك الهاربين من الموت، كانوا يلتحفون الأرض ويفترشون السماء، إلا ان حظهم كان أفضل من ذلك الذي هرب وزوجته وأبنائه لعليّة البيت، لقد كانت ضيقة بحيث أنه كلما تحرك أحد من أطفاله حركة، وقع ومات، لقد تيبست عظامهم، وأضحوا يعانون من الكساح ومن أمراض الرئة، لا هواء يصلهم ولا نور ..
وفي يوم من الأيام خطرت ببال ساكن العليّة فكرة، ماذا لو اخذت صحن المعدن والملعقة، وصرت أطرق بها في أعلى صوت ممكن، لعلّ أحد من العالمين ينتبه إلي، أخذ يفعل ذلك مغنياً ذات الأغنية التي كان يغنيها المستوطن حين قتل أبناء صاحب البيت ليرعب البقية ويتركوه، أنا لست أرهابياً أنا لست إرهابياً ..
سأله المستوطن: ماذا تريد؟ فأجابه: أريد أن تفتح باباً لأخواني ساكني الشقة الوحيدة المتبقية من البيت، وأن تفتحوا نافذة لي .. فرفض المستوطن ذلك، وأخذ يضايق أصحاب تلك الغرفة المتبقية بأن يدخل عليهم أبناءه ليناموا ويأكلوا ويشربوا في غرفتهم كذلك، لم تكفهم الغرف السبعة التي بعضها لا زال فارغاً، أخذ يحاصصهم حتى في تلك الغرفة .. الحقيقة أنها كانت الوحيدة التي بقيت ترشح بالزيت وتثمر الزيتون .. لقد حلت اللعنة على الغرف السبعة الأخرى ..
وما أن استوطن أكثر أبنائه عصبية وكراهية تلك الغرفة، حتى حلت اللعنة عليها هي أيضاً، ولم تعد ترسح بالزيت، بل أصبحت تزهر عوضاً عن التين، حجارة أخذوا يقذفونها على أبناء المستوطن، الذين فرضوا جداراً حنقهم في ربع تلك الغرفة ..
لقد حمى الجدار المستوطن من حجارة ساكني الغرفة، لكنه لم يحمه من صوت طرق ساكني العلية. لم يستطع المستوطن النوم، وفي كل مرة كان يطرق فيها ساكن العليّة بالملعقة في صحن المعدن، كان يخطف طفلاً من أطفاله ويضعه على ماكنة الشواء التي لديه حتى يذوب لحمه وعظامه، كان ولسبب ما ربما في طفولته .. يحب رائحة شواء لحم الأطفال، لم تمنعه ديانته من ذلك، كانت تمنعه فقط من طبخ لحمهم مع اللبن ..
صاحب ساكن العلية: إنه يقتل أطفالي .. فأجابه صوت آت من السماء .. إنه يدافع عن حقه في السكينة والهدوء .. وحياة أطفالك ثمن مبرر لدفاعه ذلك .. كان ذلك صوت القاضي الأعور .. القاضي الدجال ..
كان المستوطن يعاني من مشاكل في الخصوبة، ولهذا كان يحضر أطفالاً من مافيا تجارة الأطفال ويسجلهم باسمه، وفي مرة فوجئ بأحذ اطفاله تؤذيه رائحة الشواء للحم الأطفال تلك، كان المسكين يعاني من حساسية نادرة جداً تسمى بحساسية الضمير ..
شخصها الأطباء بأنها ذات منشأ نفسي، حيث كان يتخيل يد كل طفل يتم شواؤه تمتد إليه لينقذه، ويقول: انا إنسان مثلك، من حقي أن أعيش ولو يوماً آخر ..
لم يحتمل ذلك الطفل الفتي تأنيب ضميره، وذلك الصوت الذي بقي يراوده في أذنيه، لم يجد طريقاً للخلاص من ذلك إلا بقتل المستوطن المزور أبوته بالتبني .. وهاهو ذا ماثل أمامكم بتهمة القتل مع سبق الإصرار .. أجل فقد بقي يفكر أكثر من ثمانين عاماً في القتل ..
سأله القاضي الأعور: هل تبرر حساسيتك من رائحة شواء لحم الأطفال قتل المستوطن؟ هل ضميرك يرتاح للقتل؟ وقتل من: أباك؟؟؟
صرخ الطفل: إنه ليس أبي، لقد سرقني من أحد ملاجئ الأبتام في بولندا ..
حكم القاضي على طفل المستوطن بالإعدام رغم أن قانونه لا يجيز له ذلك، مبرراً أنها المرة الوحيدة التي سأحكم فيها بالإعدام لا لشيء إلا لأنك أثبت على نحو لا يدع مجالاً للشك أن إنسان بلا ضمير !!!
د. أشرف سمحان



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات