استعادة الثقة بالمؤسسة التشريعية



لم يعد يخفى على أحد تراجع الثقة الشعبية بمؤسسات الدولة وسلطاتها الدستورية، وبالأخص السلطة التشريعية ممثلة بمجلس النواب صاحب الولاية العامة في التشريع والرقابة. وقد تعددت مظاهر انحسار هذه الثقة ابتداء من خلال الانخفاضات المتتالية في نسب المشاركة الشعبية في الانتخابات النيابية المتعاقبة، مرورا باستطلاعات الرأي الأخيرة التي أجراها مركز الدراسات في الجامعة الأردنية والتي أشارت إلى أن (36%) من الأردنيين فقط يثقون بمجلس النواب، وانتهاء بحالة العداء لهذه المؤسسة البرلمانية والتي يتم التعبير عنها بشكل واضح وجلي على شبكات التواصل الاجتماعي.
ويبقى التساؤل الأبرز عن الأسباب التي ساهمت في زيادة منسوب اللاثقة الشعبية بنواب الأمة، حيث تشترك كافة أجهزة الدولة في المسؤولية عن تدهور علاقة الفرد بممثليه في البرلمان. فالسلطة التنفيذية - ممثلة بمجلس الوزراء – قد تناست علاقتها الدستورية مع السلطة التشريعية والقائمة على أساس الفصل المرن بينهما، فنجدها تعمد إلى اتخاذ قرارات حكومية تتعارض مع مفهوم التمثيل الديمقراطي، وآخرها قرار منح النواب قسائم مالية ليقوموا بتوزيعها على دوائرهم الانتخابية. وفي هذا الإجراء مخالفة صريحة للمادة (1) من الدستور التي تنص على أن نظام الحكم نيابي ملكي وراثي، فمن أهم ركائز النظام النيابي أن النائب يمثل الأمة بكاملها ولا يمثل دائرة انتخابية معينة.
في المقابل، تبقى السلطة التشريعية نفسها مسؤولة عما آلت إليه الأوضاع بينها وبين جمهور الناخبين. فهي لا تزال عاجزة عن فرض أرضية تشريعية صلبة تحكم سلوك الأعضاء فيها، وتعزز لديهم أعلى درجات المسؤولية والمساءلة. فالعديد من النواب قد صدر عنهم سلوكيات غير مقبولة، ولم يتم محاسبتهم عنها. كما عجز مجلس النواب عن بسط رقابته السياسية على الحكومة أثناء تنفيذها لقانون الدفاع، ناهيك عن عدم قيامه بتطوير منظومة العمل البرلماني بما يتوافق مع متطلبات المرحلة الاستثنائية التي تعصف بالدولة الأردنية على الأصعدة الصحية والاقتصادية والسياسية وحتى الأمنية.
ولعل النظر إلى الأحداث المعاصرة في الأنظمة الديمقراطية المتقدمة يعطينا صورة واضحة عن سواد الواقع لدينا. ففي بريطانيا، جرى مؤخرا إخضاع (60) عضوا من أعضاء مجلس اللوردات إلى التحقيق، وذلك بسبب غيابهم عن حضور جلسة توعوية عقدها البرلمان تتعلق بمواجهة التنمر وحسن التعامل مع الغير. وهؤلاء هم الأعيان الذي يجري تعيينهم من الملكة لمكانتهم الارستقراطية في بريطانيا.
كما باشرت المفوضية العليا للانتخابات في بريطانيا قبل أيام التحقيق مع رئيس الوزراء بوريس جونسون بتهمة مخالفة قواعد التمويل الحزبي والاعتداء على المال العام من أجل إجراء أعمال صيانة على الشقة التي يقطن بها. فرئيس الوزراء يحاكم جراء انتهاكه قواعد السلوك النيابية، على اعتبار أنه عضو في مجلس العموم البريطاني قبل أن يتم تكليفه بتشكيل حكومة من حزب المحافظين الفائز في الانتخابات.
إن الحاجة ماسة اليوم إلى أن تقوم السلطة التشريعية بالعمل على استعادة الثقة الشعبية بما تقوم به من أعمال ومهام دستورية، ويلزم لهذه الغاية سرعة تحديث مدونة السلوك النيابية لأعضاء مجلس النواب. فهذه المدونة لا تزال تعترف بلجنة السلوك النيابية بأنها اللجنة المسؤولة عن تنفيذ بنودها، على الرغم من أن هذه اللجنة قد جرى إلغاؤها في التعديل الذي جرى على النظام الداخلي لمجلس النواب في عام 2019.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات