جرش .. ولعبة الجنة والنار


بقلم: علي طه النوباني
إذا تأملتَ مدينة جرش الإغريقية الرومانية؛ فسوف تجدها أسطورة خالدة تخطف الأبصار، فلا شبر منها يخلو من منحوتة أو تحفة جمالية خالدة بمعابدها وشوارعها التي تحفها الاعمدة المزينة بالتيجان الرائعة الجمال ومدرجاتها الواسعة.
ماذا حدث لجرش؟
حالها اليوم يزداد تعقيدا باستمرار صادم على الرغم من أننا نتحدث عن مدينة تمثل نقطة التقاء السهل مع الجبل، والإغريق مع العرب، والريف مع البداوة، والدوالي مع القمح. والمسالة لا تبدو مالية أساسا بل هي مرتبطة بسوء الإدارة في أغلب الحالات.
وأجدني مضطرا للجوء للتعداد الرقمي لسرد الأمثلة، وأقول: الأمثلة فقط، لأن هذه المقالة لا تتسع للحديث عن المشاكل كلها:
1- المناوبة بين الزفت والبلاط في الوسط التجاري:
عندما كنا أطفالا كنا نمسك الزهرة البيضاء التي يسميها الفلاحون " قيحوان" فننزع أوراقها الواحدة تلو الأخرى ونحن نردد: جنة، نار، جنة، نار، ...، إلى أن يستقر الأمر على فأل حسن أو فأل رديء. ويبدو أن البلدية محتارة في أمر الوسط التجاري، فهي في كل عام تكرر العملية نفسها مع الزهرة: بلاط، زفته، بلاط، زفته، ... وكأن الظروف السعيدة للناس تحتمل كل هذا العنت والنكد.
قبل عشر سنوات تقريبا جاء المشروع الإيطالي، فقاموا بتبليط الشوارع إلا خطاً يسيرا منها يتسع لسيارة واحدة (مسرب واحد فقط)، وسرعان ما اكتشفت البلدية أنه خيار فاشل، فقاموا بتجريف البلاط، وتزفيت الشارع مرة أخرى.
وها هم الآن يعيدون التجربة، تصحو في الصباح فتجد أن البلدية قامت بتجريف الإسفلت وأن زهرة القيحوان قالت لهم في هذا العام: بلاااااااااااااااااااااااااااااط.
ماذا ينتج عن كل هذا التردد والتغيير سوى هدر المال العام وإيذاء التجار والمواطنين؟ ومتى سنعرف الصورة النهائية لسوق جرش التجاري الذي أقيم أصلا على النصف الثاني من المدينة الأثرية التي لا تقدر بثمن؟
2- تقاطع المؤسسة الاستهلاكية العسكرية/ طريق إربد القديمة:
وهو تقاطع خطر جدا يمر منه مئات السيارات في الدقيقة الواحدة ويحدث عليه الكثير من حوادث السير، لكنَّ جميع الأطراف ترفض إيجاد حل لهذا التقاطع الخطر، فوزارة الأشغال ترفض وضع إشارة ضوئية، ورئيس البلدية يصر على بناء نفق على الرغم من أن عرض الشارع لا يستوعب نفقًا، وعلى الرغم من الكلفة العالية، وقد همس لي أحد المسؤولين أنه اقترح حلا سهلا لا يكلف سوى مدِّ الجزيرة الوسطية بضع مئات من الأمتار وبناء دوار عند طلوع الجبل الأخضر الجديد من جهة طريق إربد القديم. إلا أن رئيس البلدية رفض ذلك رفضا قاطعا.
لماذا يصر رئيس البلدية على النفق باهض الكلفة رغم وجود حل تكاد تكون كلفته صفرا؟
3- سوق الخضار: (الحسبة):
سوق الخضار يجاور مجمع سفريات جرش الذي تم إلغاؤه والذي يقع في منطقة " باب عمان/ طريق عجلون)، والواقع أن سوق الخضار ضيق جدا، ولا يستوعب حركة السيارات ولا حتى المشاة، وقد بدأت تظهر فيه تجاوزات بإقامة بسطات غير مرخصة ومسكوت عنها رغم إعاقتها لحركة السير، وقد كان المتوقع أن يتم نقله إلى المجمع الذي تم إلغاؤه والذي لا يبعد عنه سوى أمتار قليلة، إلا أن البلدية حولت المجمع القديم إلى ما يشبه مكب نفايات ومخزن آليات قديمة على نحو غير مفهوم.
لماذا لا يتم نقل سوق الخضار إلى المجمع الملغى الذي لا يبعد عنه سوى بضعة أمتار؟
4- المول الموجود في منطقة القيروان:
تم ترخيص بناء مول في منطقة القيروان التي تعاني من ازدحام مروري قاتل وعلى الرغم من أنه يبدو للناظر من بعيد أن هنالك مواقف سيارات تحت المول إلا أن هذه المواقف تستخدم لموظفي المول ولا يتم استخدامها من قبل الزبائن. ويتسبب زبائن المول باختناق مروري شديد بينما يتم تحرير عدد كبير من المخالفات قرب أبواب المول.
لماذا تم منح الترخيص لبناء هذا المول في منطقة مزدحمة على الرغم من أن بناءه بعيدا عن الازدحام سيقلل الأزمة في وسط المدينة، وهي فكرة بسيطة لا تحتاج إلى ازبجني بريجنسكي لكي يحللها؟
5- اتجاهات السير:
يتغير اتجاه السير في الشوارع الفرعية باستمرار، فلا تكاد تحفظ ترتيب الشوارع واتجاهاتها حتى تتفاجأ بأنه تم نقل إشارة ممنوع المرو إلى الجهة الثانية من الشارع، وكأنك تعيش في متاهة أو فزورة من ألعاب (تيلي ماتش) التي تنتهي بكومة من المخالفات.
6- المطبات الطبيعية والصناعية:
المطبات الطبيعية تحدث بفعل المطر ويتسع بعضها لسيارة صغيرة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تلك الحفرة الكبيرة الموجودة على مدخل موقف السيارات المقام على أرض الحسبة القديمة، أما المطبات الصناعية فحدث ولا حرج كمّاً ونوعاً، بعضها مرتفع لا تستطيع أن تتلاشى احتكاكه بأسفل سيارتك حتى لو خفضت سرعتك إلى الصفر.
الغريب في الأمر أنه يتم إنفاق مبالغ كبيرة نسبيا على تزيين المدينة بالدواوير في الوقت الذي تبقى فيه الحفر لفترات طويلة بما تسببه من أضرار للسيارات والمشاة.
كلما اقترب الربيع أقف قرب البوابة الشمالية لمدينة جرش الرومانية وزهر الأقحوان ينمو حولها، أقدم اعتذاري للفن والجمال، وأصافح ربة جرش وهي تراجع حكاياتها الجميلة، ثم أصحو من حلمي وأنا أقفز فوق مطب استحدثناه على حسابات الهندسة والرياضيات.



تعليقات القراء

سلامتك وتعيش
بعض المسؤولين بالواسطة بدون كفاءات ولا خبرة ولا.........
ماذا تتوقع منهم
12-03-2021 05:27 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات