القنصلية الأردنية في الصحراء المغربية الرسالة الملكية


بعد عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي عام 2017 أصبحت مدن الصحراء المغربية لاسيما العيون والداخلة واجهة للتمثيليات الدبلوماسية في المملكة المغربية حيث سارعت بعض الدول إلى فتح قنصليات لها في المدن الصحراوية كان آخرها افتتاح مبنى القنصلية الأردنية العامة في العيون في حفل حضره وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي ونظيره المغربي ناصر بوريطه وعدد من المسؤولين في المدينة والولاية وفي كلمة له قال الصفدي " أتشرف بأن أكون في المملكة المغربية الشقيقة اليوم في مدينة العيون تحديداً لتدشين القنصلية العامة الأردنية التي كان الملك عبدالله الثاني أعلن عن قرار فتحها خلال اتصال هاتفي مع الملك محمد السادس وفي 19 تشرين الثاني عام 2020

وبعد عودت النزاع الصحراوي إلى واجهة الأحداث مجدداً بعد جمود متقطع ساد القضية مدة طويلة أشاد الأردن بالقرارات التي أمر بها الملك محمد السادس " بخصوص معبر الكركرات الحدودي مع موريتانيا في الصحراء المغربية والتي أفضت إلى تدخل حاسم وخاطف للقوات المغربية ضمن عملية عسكرية للسيطرة على المنطقة لحفظ الأمن والاستقرار والدفاع عن السيادة الوطنية والحقوق التاريخية حيث يسيطر المغرب فعلياً على 80 % من مساحة الصحراء الغربية والتي تمثل بوابته الرئيسية للعبور الى أفريقيا في ظل إغلاق حدوده مع الجزائر إضافة إلى استحواذه على بعض المناطق الحيوية والغنية بالثروات الطبيعية ومنها الفوسفات والخامات المعدنية الأخرى

افتتاح القنصلية الأردنية في هذا الوقت جاء تأكيدا للموقف الأردني الثابت بالتضامن والوقوف إلى جانب الوحدة الترابية للمملكة المغربية وتعزيزا للعلاقات القوية والتاريخية بين البلدين واستمرارا للعمل المشترك من أجل التوصل لحل عاجل لقضية الصحراء المغربية وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة الحكم الذاتي التي أطلقها المغرب والتي تمثل الحل العملي والمنطقي للصراع بين الطرفين إضافة لما لهذه الخطوة البدلوماشية من دلالات سياسية وقانونية واقتصادية هامة من شأنها فتح أبواب الاستثمار لرجال الأعمال الأردنيين في المجالات الاقتصادية الفريدة التي تمتاز بها مدينة العيون

دولة الإمارات العربية المتحدة كانت أول دولة عربية تدشن قنصلية لها في الصحراء المغربية في 4 تشرين الثاني عام 2020 ثم تبعها الأردن والبحرين والتي أشادت بها الرباط مع توالي المواقف الفردية من بلدان عربية وأفريقية ( 16 قنصلية لدول افريقية في الأقاليم الجنوبية المغربية ) حيث تسعى الرباط من خلال تحرك عملي لدعم موقفها بدل من البقاء على الحياد وذلك عبر انتهاجها " دبلوماسية القنصليات " التي تهدف إلى تأسيس موقف جماعي لتوفير شرعية دولية لتغيير الواقع القائم بطريقة سلمية منظمة وهادئة بالإضافة إلى محاولتها التأثير على آفاق حل النزاع ومستقبل الوضع القانوني والسياسي للإقليم والعلاقة بدول المحيط الإقليمي وعلى رأسها الجزائر الجار الشرقي للمغرب والداعم الأول للجبهة والمطالب الصحراوية بالاستقلال منذ عقود وكذلك هي جزء من السياسة المغربية لتحسن العلاقات بدول الخليج

في وقت متأخر من العام الماضي أعلن وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو أن بلاده بدأت في ترتيبات فتح قنصلية جديدة لها في الصحراء الغربية بمدينة الداخلة جنوبي المغرب وأنها ستواصل دعم المفاوضات السياسية لتسوية الخلافات بين المغرب والبوليساريو في إطار خطة الحكم الذاتي المغربية بعد تحولها عن سياسة قائمة منذ فترة طويلة حين وافقت على الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية ودعمها لاقتراح المغرب للحكم الذاتي باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع على أراضي الصحراء وذلك ضمن تحول سياسي ودبلوماسي اثأر جدل واسع تجاه نزاع مستعر منذ عقود بين المغرب وجبهة البوليساريو

الاعتراف الأمريكي الذي اعتبره المغرب الحدث الأهم والتحول التاريخي في القضية جاء في إطار اتفاق توسطت فيه واشنطن لتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل لصبح بموجبه المغرب رابع دولة عربية بعد ( الإمارات والبحرين والسودان ) تطبع علاقاتها بشكل رسمي مع تل أبيب

قضية نزاع الصحراء الغربية تعد من أهم النزاعات الإقليمية في أفريقيا فقد استمرت منذ ما يزيد على 40 عاماً من دون وجود حل يرضي جميع الأطراف المتنازعة وسيناريوهات الحل ظلت متأرجحة بين التقسيم أو الحكم الذاتي أو السيناريو ألأممي ( خيار الاستفتاء ) وسط تصلب مواقف أطراف النزاع والمواقف الدولية التي اتسمت بالامبالاة لغياب الحاجة الملحة لحل النزاع المزمن حيث تولت الأمم المتحدة مسؤولية حل قضية الصحراء الغربية منذ عام 1963 عندما تم تسجيلها كقضية تصفية استعمار وبعد عامين طالبت المنظمة إسبانيا بإنهاء استعمارها ليطالب المغرب بالسيادة على الإقليم بينما تمسكت جبهة البوليساريو بتطبيق حق تقرير المصير لتؤكد محكمة العدل الدولية حق الإقليم في الاستفتاء الذي لم يجر إلى اليوم

القرار الملكي بفتح قنصلية أردنية في حاضرة الصحراء المغربية له معاني وأبعاد متعددة "حيث يجسد المستوى السياسي الأردني الداعم للوحدة الترابية المغربية كما انه اعتراف واضح وصريح بمغربية الصحراء وتعبير عن الثقة في الأمن والاستقرار الذي تنعم به الأقاليم المغربية الجنوبية وكذلك هو رسالة ملكية هامة وقوية للتضامن مع الإجراءات السلمية التي اتخذتها الرباط لفتح معبر الكركرات أمام الحركة المدنية والتجارية باعتباره مجالاً حيوياً لمنطقة غرب أفريقيا بأكملها فضلاً عما يترجمه القرار من ثقة وارتياح في شأن الظروف المشجعة والآفاق الواعدة للاستثمار

كما وصف القرار بالتاريخي والمهم وبخاصة أن الأردن شارك في المسيرة الخضراء ضمن الفعاليات السلمية التي دعا إليها العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني وتحركت نحو الأراضي الصحراوية عام 1975

بقراءة دقيقة نرى بان قرار فتح القنصلية الأردنية في العيون يرتبط بالتطور الذي شهدته العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وتنامي التنسيق في كثير من القضايا الثنائية والإقليمية وعلى رأسها قضية القدس كما انه يأتي متسقا مع الموقف الأردني وسياسته التقليدية حتى إبان الحرب الباردة باعتماده سياسة وحدة التراب المغربي ودعوته في الوقت نفسه إلى حل الصراع داخل الحدود وفقاً لقرارات الشرعية الدولية

ولهذا ظل سيناريو الحل الأقرب بالنسبة إلى الأردن وحتى لمعظم دول العالم وللشعب الصحراوي والمغربي هو الحكم الذاتي وليس الاستقلال مع احتمالية حدوث سيناريو التقسيم رغم فرصته الضئيلة وبالتالي فان الأردن وغيره من البلدان التي اتخذت خطوة فتح القنصليات تدرك هذه المتغيرات وان احتمالية الاستقلال صعبة وبعيدة جداً عن التطبيق وقد بقي الأردن بقيادة جلالة الملك يوظف نفوذه وكلمته المسموعة لدى الدول العظمى لخدمة عدالة القضية الوطنية المغربية

المملكة المغربية ( ملكا وحكومة وشعب ) تقدر وتثمن عليا مواقف جلالة الملك عبد الله الثاني في احترام سيادته ووحدة ترابه واستمرار التشاور والتنسيق مع آخيه جلالة الملك محمد السادس سيما وان بين القائدين صلة نسب نبوي شريف ( الأسرة الأردنية هاشمية والأسرة المغربية علوية ) وتفهم جلالة الملك للبعد الجيوستراتيجي للاقتراح المغربي لحل القضية فضلا عن العلاقات المتميزة بين البلدين والشعبين التي تسودها روابط الإخوة العربية والإسلامية مع تطابق في وجهات النظر تجاه كل القضايا الثنائية والدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك

يذكر ان جبهة البوليساريو التي تأسست في 20 أيار 1973 تخوض نزاع مع المغرب حول السيادة على إقليم الصحراء ومنذ جلاء الأسبان تحول الى صراع مسلح دامي توقف عام 1991بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين ولكن التوترات العسكرية مرشحة للعودة من جديد في هذه المرحلة الصعبة
مجرد سؤال :

ألا يكفينا نحن أمة العرب ما لدينا من المشاكل فهناك القضية الفلسطينية والسورية والعراقية والليبية والملف اللبناني وقضايا التنمية والديمقراطية وتناثر الدويلات والكانتونات المتشرذمة هنا وهناك ناهيك عن الصراعات المستعرة والمستمرة فيما بين الأقليات والأعراق والطوائف والقوميات والتقسيم للأوطان والشعوب في المشرق والمغرب حتى تحل علينا مجددا فكرة دويلة جديدة وباسم جديد ؟
mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات