رفات الجاسوس الإسرائيلي أيلي كوهين مجددا !


عاد اسم الجاسوس الإسرائيلي أيلي كوهين إلى الواجهة مجدداً مع الحديث عن صفقة تبادل الأسرى التي جرت مؤخرا بين سوريا وإسرائيل بوساطة روسية حيث أطلق الإسرائيليون سراح اثنين من الأسرى السوريين من أبناء الجولان المحتلة مقابل الإفراج عن فتاة إسرائيلية دخلت الأراضي السورية في منطقة القنيطرة بطريق الخطأ كما عاد معها النبش الروسي في مقابر سورية وفلسطينية بحثاً عن رفاته أو رفات إسرائيليين آخرين وإرسال عينات منها لفحصها في تل أبيب لكن لكوهين أهمية معنوية خاصة وهي ما يحرك نتنياهو اليوم بشكل اكبر لإعادة رفاته على ابواب الانتخابات المقبلة
قبل حوالي ثلاث سنوات أثارت استعادة ساعة يد كوهين ضجة حيث وقتها هنأ نتنياهو الموساد على استعادتها بعملية خاصة بينما تم تداول رواية دقيقة عن شرائها من بلد عدو" أي من سوريا " ولا يخفى أن الآمال الإسرائيلية المتعلقة باستعادة الرفات انتعشت في السنوات العشر الأخيرة بسبب التدخل العسكري الروسي وبوجود بوتين في الكرملين بحكم علاقاته الحميمة ودعمه الواضح لنتنياهو

أيلي كوهين المعروف " باسم كامل ثابت أمين " ولد وعاش في مصر وهاجر إلى إسرائيل عام 1957وفي عام 1959 تم تجنيده في الوحدة (188) في الجيش الإسرائيلي وهي المسؤولة عن جمع المعلومات الاستخبارية والمهمات الخاصة في الدول العدوة وفي عام 1963 تم نقله إلى جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد وبعدها تم إرساله الى سوريا ليقوم بعمليات تجسس استمرت سنوات قبل أن يلقى القبض عليه ويتم إعدامه على عجل في ساحة وسط العاصمة السورية منتصف عام 1965 بتهمة الخيانة العظمى

وقد فهم الاستعجال في اجراءات التحقيق والمحاكمة والإعدام في حينه بأنه كان لدواعي التخلص من إحراج الوساطات الدولية وأيضاً لكي لا يكون هناك وقت لدى الموساد لمحاولة تحريره أو لاستعادة جثته بعد الإعدام وفد أدى اعتقال إيلي كوهين إلى القبض على حوالي (500) رجل وامرأة في سورية في تلك الفترة وكان منهم سكرتيرات في الحكومة ومضيفات طيران ونساء أخريات ممن شاركن في حفلات المجون التي كانت تقام في شقة إيلي

وقد بقي جسده معلقا في ميدان عام بدمشق " ساحة المرجة " سبع ساعات قبل دفنه في مكان مجهول والتقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن القبر الذي يضم رفاته موجود في منطقة الساحل السوري بحسب ما نشرته جريدة معاريف الإسرائيلية في نيسان 2019 عن نقل رفات كوهين ودفنها في كهف قرب مدينة القرداحة عام 1977 حيث تخضع المنطقة اليوم بشكل كامل لسيطرة الدولة السورية لهذا فان إسرائيل تراهن على دور روسي كبير بالضغط والمساعدة في الكشف عن الرفات وإعادته
وقد نقل عن ضابط رفيع سابق في دمشق قوله إن رفات كوهين كان مكانه يتغير كل أسابيع أما العقيد صلاح الضللي رئيس المحكمة العسكرية التي أصدرت الحكم قال لي في 22 / 3 / 2004 إن كوهين كان مدفوناً بعد إعدامه في كهف على طريق الديماس لكن بعد فترة أُخذ الرفات ودُفن في مكان آخر غير معروف وإن أغلب من يعرف أين دفن تسرحوا من الجيش أو تركوا مناصبهم الرسمية أو توفوا

مارست موسكو بالفعل ضغوطا كبيرة على الحكومة السورية لكشف مكان دفن الجاسوس الإسرائيلي لكن هذه الجهود فشلت لأن دمشق لم تستطع تحديد مكان دفنه وأوضحت المصادر أن السلطات السورية كانت غيرت مكان الدفن ثلاث مرات في السنوات التي أعقبت إعدام كوهين تحسبا لقيام الأجهزة الإسرائيلية بعملية خاصة لاستعادة جثته لكن بعد ذلك تغيرت كثيرا معالم المنطقة التي دفن فيها ( حي المزة بدمشق ) خصوصا أنها تقع وسط حي سكني مأهول جرت فيه كثير من أعمال البناء وشق الطرق والتغييرات الواسعة كليا خلال العقود الماضية

في نهاية 2015 تدخل الجيش الروسي في سوريا وأقام قاعدتين عسكريتين وقد باتت موسكو توازن بين دمشق والعواصم الأخرى وتتوسط في ملفات كثيرة وأصبح لبوتين علاقة خاصة مع إسرائيل وبدأ نتنياهو يعمل على توظيفها في إعادة رفات كوهين كما حصل مع الجندي الإسرائيلي" زخاريا بأومل " الذي قُتل في لبنان عام 1982 وأُعيدت رفاته بوساطة الرئيس الروسي في بداية 2019 قبيل الانتخابات الإسرائيلية والتي فسرت بأنها محاولة روسية لمساعدة نتنياهو انتخابياً فإنه من غير المستبعد أن يتم تحديد توقيت الكشف عن إعادة جثة أي جندي إسرائيلي آخر أو إعادة جثمان كوهين ليسبق او يلحق موعد جلسات الاستماع التي سيعقدها لنتنياهو المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية قبل اتخاذ قراره النهائي بتوجيه لوائح الاتهام في قضايا الفساد الموجهة ضده

وفي أكثر من مرة أكد الروس على التزامهم بالعمل على محاولة استعادة جثث كل الجنود الإسرائيليين المفقودين داخل سورية وذلك ضمن حرص الرئيس بوتين على دعم إعادة انتخاب نتنياهو بتقديم مساعدات غير مباشرة له لكنها ستكون حاسمة في كسبه أصوات إضافية

لعله معروف لدى الكثيرين كيف تعرف كوهين على الملحق العسكري في السفارة السورية في الأرجنتين أمين الحافظ الذي عاد إلى دمشق في 1962 وأصبح رئيساً بعد تسلم حزب البعث الحكم في 1963( الحافظ نفى قبل سنوات حصول لقاء بينهما ) وكان كوهين دخل البلاد باسم كامل ثابت أمين قبل عودة الحافظ وأقام في حي السفارات في دمشق حيث تمكن من عقد ونسج شبكة علاقات وصداقات مهمةٍ مع النخبة السورية من ضباط كبار ورجال سياسة مهمين وقد حصل تضارب كبير حول عمقها وأهميتها وقد نسجت حول دوره قصص كثيرة تناولت أهمية المعلومات عن التحركات العسكرية للجيش السوري في الجبهة التي نقلها إلى تل أبيب عبر بث إشارة ورموز من منزله قرب مقر القوى الجوية السورية وسط دمشق إضافة إلى دوره في ملاحقة قادة نازيين كانوا يقيمون في العاصمة السورية

لم تتوقف إسرائيل يوماً عن المطالبة بجاسوسها الشهير الذي اخترق المجتمع السوري مع بداية تغيير بنيته والذي كان يعتمد على وجهاء وملاك أراضٍ وصناعيين فأصبح بعد حكم حزب البعث يسيطر عليه مجموعة ضباط مؤثرين يرتبط بهم تجار وصناعيون عديمو الخبرة والكفاءة وفد استغلت إسرائيل هذا التغير ونجحت في زرع رجل تقلد شخصية المستثمر وصاحب الأموال الراغب في استثمارها في بلده بعد غربة طويلة لكنه انكشف حين لشدة شعوره بالأمان وهو يبث رسائله المشفرة من حي يعج برجالات الدولة والمؤسسات العامة والبعثات الدبلوماسية

إسرائيل تعتبر كوهين من أعظم عملائها و لا زالت تنظر إليه كبطلٍ قومي بسبب الخدمات الاستخبارية التي قدمها خلال فترة وجوده في سورية وقد حاولت إنقاذ عنقه مراراً من حبل المشنقة حتى انها أقنعت الفيلسوف البريطاني الشهير برتراند راسل بكتابة رسالة استرحام بشأنه إلى الرئيس السوري الأسبق أمين الحافظ فياطارحرصها على كرامة وتكريم رجالاتها أحياء وأمواتاً ليست هي الأولى التي يعود فيها كوهين إلى الواجهة فهل تنجح اسرائيل في ظل الواقع السوري الخطير والدعم الروسي المستمر ووجود العملاء في استعادة رفات الجاسوس ايلي كوهين بعد ستة وخمسون عام خلت رغم محاولات الموساد المتعددة للوصول الى بقايا جثته والتي جميعها حتى الساعة باءت بالفشل
mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات