نصف قرن على السد العالي


جراسا -

أغرق مصر بالخيرات، والشرق الأوسط بالحرب الباردة.

فتح سد أسوان أمام مصر قنوات التنمية الزراعية والصناعية وجنب هبةالنيل، غضب آلهة الفيضان.

بيد أن السد العالي الذي بني بجهود آلاف العمال المصريين ومئات الخبراء والمهندسين السوفيت فتح بوابة الحرب الباردة بين موسكو والغرب في الشرق الاوسط.

فقد هب الإتحاد السوفيتي لتقديم المعونة إلى مصر بقيادة جمال عبد الناصر، رغم أن القيادة السوفيتية، كانت تجهل توجهات الزعيم المصري، المصنف وفقا لرئيس الوزراء

البريطاني آنذاك أنتوني أيدن على أنه " فاشي"، فيما كان الضابط الاسمر، فارع الطول،

الجذاب، محبوب الملايين ، تتغنى باسمه الأمة المصرية، وعلى لسان ملايين العرب من "

الخليج الثائر إلى المحيط الهادر" كما كان يحلو لرجل الدعاية المصرية الاذاعية أحمد سعيد

القول عبر الأثير.

جاء قرار موسكو، تقديم قرض ميسر لمصر، بعد أن رفض صندوق النقد الدولي تمويل بناء

السد، إلا بشروط تفقد مصر سيادتها.

وفي التاسع من يناير/ كانون الثاني عام 1960، بدأ المصريون في تشييد واحد من أهم

المشروعات العملاقة في العصر الحديث، بل وربما أهم مشروع في حياة المصريين، لحجز

فيضان النيل، وتخزين مياهه وتوليد الطاقة الكهربائية.

تقرير الهيئة الدولية للسدود والشركات الكبري، فإن السد العالي يتصدر المشروعات كافة،

واختارته الهيئة الدولية كأعظم مشروع هندسي شيد في القرن العشرين.

قبل بناء السد كان الفيضان يغمر مصر، وفي بعض السنوات حين يزيد منسوب الفيضان

يؤدي إلى تلف المحاصيل الزراعية وغرقها، وفي سنوات أخرى حين ينخفض منسوبه تقل

المياه وتبور الأراضي الزراعية.

لقد أحدث السد نقلة نوعية كبيرة في التنمية في مصر، من الزراعة الموسمية إلى الزراعة

الدائمة، وحماها من أضرار الفيضانات وأسهم في استصلاح وزيادة مساحة الأراضي

الزراعية، ويعد من أهم إنجازات الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر إن لم يكن أهمها .

"إن الشعب الذى بنى الأهرام إجلالا للموت، قادر على بناء السد هرما جديدا، تقديرا وتكريما للحياة".

قال جمال عبد الناصر، لحظة انطلاق عمليات بناء أكبر سد مائي يحفظ حق مصر من مياه

النيل.

انطلقت أعمال بناء السد عام 1960، بتكلفة إجمالية بلغت مليار دولار، وبتمويل سوفيتي بلغ

نحو 450 مليون جنيه، وبمشاركة 400 خبير سوفيتي، و34 ألف عامل مصري.

بدأ السد العالي في تخزين المياه عام 1964، واكتمل بناؤه عام 1968، وثبت آخر 12 مولد

كهرباء في 1970، وافتتح رسميا في 15يناير/كانون ثاني عام 1971.

ولبناء السد، تم نقل ما يقرب من 22 معبدا ومقبرة، خلف السد العالي، فيما اشتركت 60 بعثة

أثرية من جميع أنحاء العالم في عمليات النقل، وكان أشهر المعابد التي نقلت هو معبد

أبوسمبل، وآخر معبد تم نقله هو معبد فيله، الذي تم الانتهاء من نقله العام 1980.

حقق السد العالي الكثير من الإنجازات لمصر، أهمها الحماية من الفيضانات والجفاف،

واستطاع حماية مصر من أشد الفترات جفافا التي تعرضت لها في الفترة من 1981 حتى 1987، كما حافظ على الأراضي من التدمير بسبب الفيضانات.

ساهم السد العالي في تحويل مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية من ري الحياض إلى ري دائم،

وزيادة مساحة الرقعة الزراعية من 5.5 إلى 7.9 مليون فدان، واتسعت زراعة المحاصيل الزراعية

نتيجة توفر المياه.

أمد السد العالي ربوع مصر بالكهرباء، إذ يتم توليد الكهرباء منه بإجمالي 2100 ميغاوات،

مما ساهم في طفرة صناعية هائلة بعد توليد الكهرباء.

قبل بناء السد العالي كانت مصر تستورد ما قيمته 800 ألف جنيه أسمدة، إلا أنه بعد بناء السد

وتوفير الكهرباء، أصبحت مصر تصدر الأسمدة بعد بناء الكثير من المصانع.

يقع السد العالي على بعد خمسة أميال جنوبي الخزان الأصلي (خزان أسوان)،

أهم مشروع تنموي أنجز حقبة عبد الناصر.

كانت مصر بحاجة لزيادة الرقعة الزراعية لتقابل زيادة السكان، كما أن مياه النيل لم تكن تفي

بحاجات الري. ومن هنا بدا التفكير مطلع خمسينيات القرن الماضي في مشروع السد العالي .

ترتب على عملية تمويل المشروع تداعيات عالمية ومحلية لحكم الرئيس عبد الناصر، فقد اتخذت الحكومة المصرية قرارها بشأن مشروع بناء السد العالي في عام 1954 ،

وتم طرح المشروع على الولايات المتحدة وبريطانيا، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير.
وجاء تأميم قناة السويس العام 1956، وإعلان مصر أنها ستستخدم عائداتها في تمويل بناء السد العالي ليزيد من غضب لندن وحليفتها واشنطن على عبد الناصر .

وفى أكتوبر /تشرين أول ونوفمبر/تشرين ثاني من نفس العام تعرضت مصر لعدوان من إسرائيل وبريطانيا وفرنسا نتيجة قرار التأميم، وبعد ذلك بات تنفيذ إنشاء السد العالي، على المستويين السياسي والاقتصادي، مهمة عاجلة لحكومة عبد الناصر.

وافق الاتحاد السوفيتي الذي أوقف العدوان الثلاثي بانذاره الشهير على تقديم سلفة أولية قيمتها 320 مليون دولار وأسهم فى جميع مراحل تصميم وبناء

السد العالي، وأنشأت الحكومة المصرية هيئة إدارية خاصة للإشراف على المشروع.

اشتهرت مقولة المؤرخ اليوناني أن مصر هبة النيل، يحفظها تلامذة المدارس عن ظهر قلب. لكن مصر هبه السد العالي ايضا. فقد كان النيل حين يفيض يتحول إلى نقمة على المصريين، وجاء سد أسوان، ليحبس المارد الأزرق كي يعم خيره على ملايين الفلاحين، ويسقي ملايين الهكتارات، ويخلق قاعدة صناعية متطورة في بلد المئة مليون نسمة، من الصعب تخيل كيف كان سيعيش، لولا هبة التعاون السوفيتي المصري على مدى أكثر مِن ثلاثة عقود.

المفارقة، أن سد أسوان العالي الذي خلدته أجمل الأغاني والاناشيد المصرية، أستهدف الحد من فيض كرم النيل، فيما سد النهضة الإثيوبي، قد يحرم مصر من هبات النيل، إذا لم يتم التوافق بين دول المنبع والمصب.

سلام مسافر

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات