ماذا حقق إغتيال قاسم سليماني؟


جراسا -

ايليا مغناير:
إغتال الرئيس الأميركي دونالد ترامب قائد الحرس الثوري في لواء القدس اللواء قاسم سليماني، المنسق مع “محور المقاومة” في فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن وافغانستان. وكان الدافع أزلال ايران والحاق الضرر بها بالإضافة إلى العقوبات القصوى ضد “الجمهورية الإسلامية” التي أصبحت قوة اقليمية لا يمكن تجاهلها. وإعتقدت أميركا وإسرائيل أن لا بديل عن سليماني وأن المحور الذي يديره سيتضرر بشدة.

بل ذهب اكثرهم للقول أن الإغتيال ضربة قوية لأهداف إيران الإستراتيجية، بعد عام هل تمكنت أميركا من إعاقة إيران أو الحاق الضرر بأهدافها؟ أغتيل قاسم سليماني بعد زيارته للبنان ولقائه السيد حسن نصرالله في الاول من يناير 2020 ومبيته في سورية في اليوم الثاني قبل سفره إلى العراق من مطار دمشق ووصوله إلى مطار بغداد بعد منتصف ليل الثاني من يناير حيث كانت بانتظاره طائرتان بدون طيار أميركيتين من طراز MQ 9-Reaperليطلقوا صواريخ هليفاير الموجهة ليزرياً بسرعة 230 ميلاً في الساعة مما أدى إلى حرق وتناثر جثث سليماني وقائد الحشد الشعبي الميداني أبو مهد المهندس ورفاقهما.

وتفاخر ترامب أنه قتل “اثنين بثمن واحد” وافترض ان الصفحة أغلقت وأن سليماني والمهندس أصبحا ينتميان إلى التاريخ. إلا أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن: فقد أنجز الإغتيال الغير قانوني إلى تحقيق إنجازات لم يكن سليماني يستطيع تحقيقها عندما كان على قيد الحياة. إذ بثت روحاً جديدة في “الثورة الإسلامية” التي قام بها الإمام الخميني خاصة بعد تعاقب اجيال لم تعرف الثورة قط ولا تعطي الاهمية “لولاية الفقيه” ومبادئها على عكس الحرس القديم وقد وحد الإغتيال جزء كبير من الشعب الإيراني تحت الراية الوطنية وليس الإسلامية – العقائدية لأنه لم يكن مقبولاً لملايين الإيرانيين مشاهدة جنرالهم يقتل بهذه الطريقة الغادرة وليس وجهاً لوجه في ساحة الوطن.

واتى الرد أيضاً من البرلمان الإيراني حيث فاز المحافظون بتفوق على البرغماتيين في الإنتخابات التشريعية وينعكس ذلك أيضاً على الإنتخابات الرئاسية القادمة منتصف عام 2021. وعلى مدى السنوات الخمس الأخيرة ومنذ أن كثقت إيران دعمها وحضورها على ساحة المعركة ضد “داعش” و”القاعدة”، لم يحاول اللواء سليماني الإختباء أو البقاء تحت الرادار. بل سافر بشكل علني وأخذ الصور وحض المحاور مقتنعاً انه لا يمكن لدولة ما ان تغتال سفير ومستشار عسكري معتمد لدى العراق وسورية وموفداً من حكومته لمحاربة “داعش” ودعم هذه الدول.

ومكانة سليماني تختلف عن مكانة أبو بكر البغدادي، أمير داعش الذي قتلته أميركا. فهو كان يمثل بلاده رسمياً وقد طلبت منه حكومتي العراق وسورية المساعدة لهزيمة داعش وحربهم على الإرهاب. اما ترامب فقد إغتال المايسترو الذي يستطيع التأثير على الجماعات المسلحة في لبنان وفلسطين وسورية والعراق واليمن وأفغانستان لوقف أو تخفيف العمليات العدائية ضد أميركا عندما تدعو الحاجة. وقد حدث هذا من قبل في محادثات قام بها محمد جواد ظريف عندما كان نائب وزير الخارجية مع السفير الأميركي رايان كروكر بين عام 2001 و 2003 في جنيف وباريس وفي مناسبات أخرى أيضاً إحتاجت فيه أميركا لهدنة في العراق. أما اليوم فأن القائد الجديد لفيلق القدس الجنرال اسماعيل قاآني يحتاج لوقت أطول ليصل إلى النفوذ الذي وصل اليه سليماني بعد 22 عاماً كقائداً ميدانياً وصديقاً لجماعات تمتلك نفوذاً في جغرافيا شرق أوسطية شاسعة. وكان سليماني يتمتع بعلاقة مميزة مع صناع القرار وعلى رأسهم السيد علي خامنئي ويمتلك قوة إقناع لدعم حلفاء إيران.

فميزانية الحلفاء تأتي من ميزانية الدولة الإيرانية وعندما لا تكون كافية يتدخل سليماني لتأمين المزيد من المساعدات والامكانيات حتى ولو كانت إيران تتعرض لضغط إقتصادي ناتج عن العقوبات الأميركية القصوى. ولهذا السبب يبقى دور خليفته مهم لأن إيران تحتاج لدعم حلفائها وإبقاء هؤلاء على جهوزيتهم ليبقى هؤلاء أقوياء ضد أعدائهم و”اليد القوية” للدفاع عن أنفسهم وحتى عن إيران لأن الأهداف هي نفسها. وبدل إضعاف إيران بقتل سليماني، فقد أصدر البرلمان العراقي تشريعاً يفرض إنسحاب القوات الأميركية من العراق، هدف كان من المستحيل على سليماني أن يقنع فيه العراقيين ما دام حياً. وبعد عام من مقتل سليماني، أصبح “محور المقاومة” يستطيع صناعة الصواريخ الدقيقة بعد ان حصل على المواد والتكنولوجيا اللازمة من إيران بدل شحن الصواريخ الكبيرة ومخاطر نقلها. وتالياً أصبح حلفاء إيران يمتلكون صواريخ دقيقة، كل حسب إحتياجاته، يمكن إستخدامها في أي حرب مقبلة ضدهم أو حتى ضد إيران إذا ما لزم أمر تدخل الجبهة كلها. وفي سورية، نفذت إسرائيل مئات الهجمات بهدف إخراج إيران من بلاد الشام وإضعاف الحكومة السورية.

إلا أن إيران حافظة على وجودها وحققت دمشق تقدم عسكري مهم على جبهة سراقب – إدلب وإستطاعت سورية إنشاء مصناع الصواريخ الدقيقة وأرسلت لها إيران العديد من ناقلات النفط في تحدي للعقوبات الأميركية – الأوروبية. لقد سمح إغتيال سليماني أن تتحدى إيران وجهاً لوجه أميركاً وتضربها في أكبر قاعدة لها في العراق. فلم يتم إرسال طائرات مسيرة من اليمن أو ضرب “حزب الله” أهداف إسرائيلية للرد على إغتيال سليماني، بل توجه السيد علي خامنئي إلى غرفة القيادة وأصدر اوامره بإطلاق عشرات الصواريخ ضد قاعدة عين الأسد بعد أخطار أميركا بالعزم الإيراني. وقبل إغتيال سليماني، زار الرئيس الأميركي قاعدة عين الأسد المعزولة في الأنبار في غرب العراق، وعلى الرغم من إنفاق 7 تريليونات دولار في العراق، واجه ترامب أوقاتاً صعبة وهو على متن “طائرة مظلمة أغلقت جميع نوافذها وفي مكان أسود قاتم”.

وهو يتوجه إلى قاعد عين الأسد خوفاً من الإستهداف. بينما يزور الجنرال إسماعيل قاآني بغداد بإستمرار وقد قام بأكثر من 12 زيارة حيث التقى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وقادة سياسيين وتنظيميين بكل أمان. لقد كان لإغتيال سليماني وقعاً أليماً وضربة قوية لإيران ومحور المقاومة لأن سليماني – كما يقول من رافقه – كان يتمتع بشخصية كاريزمية، متواضع، كريم ودائماً في الخطوط الأمامية. إلا أن غيابه بعيداً عن كونها ضربة إستراتيجية لإيران ولأهدافها وأهداف حلفائها. بل على العكس فقد زادت مهمتهم: طرد أميركا من غرب آسيا!

(الراي الكويتية)



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات