الانتفاضة الأولى مقاومة خالدة لشعب أعزل !


صادفت يوم الأربعاء الماضي 9 / 12 / 2020 الذكرى الثالثة والثلاثون لانطلاقة الانتفاضة المباركة الأولى للشعب الفلسطيني ضد العدو الصهيوني الغاصب في فلسطين هذه الذكرى الغنية بالفدائية والحافلة بالمعاني والدلالات هي أطول انتفاضة شعبية فجرها الفلسطينيون ضد الاحتلال رفضا لإجراءات وأساليب القمع المتوحشة وسرقة الأراضي وبناء المستوطنات والاعتقال والحصار والاستيطان وسياسة الإبعاد ومنع السفر وقيود المعابر ونظام جباية الضرائب الظالم وتصاعد الهجمات الإجرامية لعصابات المستوطنين المتطرفين وغيرها من الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة بحق الفلسطينيين ووسائل ترسيخ الاحتلال إضافة الى رفض إسرائيل إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية وإقامة الدولة المستقلة والتي كانت جميعها دافعا قويا لاندلاع تلك التظاهرات الشعبية العارمة

وقد كان حادث دهس سائق شاحنة إسرائيلي مجموعة من العمّال الفلسطينيين ( قتل 4 منهم ) آنذاك على حاجز بيت حانون " إيرز" شمالي قطاع غزة في 8 ديسمبر 1987 الشرارة التي تسببت باندلاع الانتفاضة في منطقة جباليا بقطاع غزة ثم انتقلت إلى كل مدن وقرى ومخيّمات فلسطين

ورغم مرور هذه السنوات الطويلة على الذكرى المجيدة لهذه الملحمة البطولية الخالدة " انتفاضة الحجارة " إلا أنها لا تزال حية وحاضرة في ذاكرة ووجدان وضمير ألفلسطينيين وهي توثق مرحلة فاصلة ومهمة في تاريخ نضالهم ضد الاحتلال الإسرائيلي خاصة لدى من عاصروها من القادة ألأطفال أو الشباب أو النساء الذين رسموا وسطروا أروع صور وملاحم الصمود والتحدي الأسطوري لا سيما وأن جل أبطال الانتفاضة كانوا من رماة الحجارة الصغار الذين راح الإعلام يصفهم بأطفال الحجارة

الانتفاضة الأولى التي اندلعت عام 1987 واستمرت ست سنوات حتى عام 1994 وانتهت بتوقيع اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 تعد من أهم المراحل الفاصلة في تاريخ مسيرة الشعب الفلسطيني في العصر الحديث حيث شكلت أول انتقال فعلي للثورة الفلسطينية إلى الداخل لمواجهة العدو عن قرب ووجها لوجه وقد كانت تجربة نضالية فريدة من حيث التنظيم وأساليب وأدوات المواجهة التي اعتمدتها في التصدي لهجمات الاحتلال حيث عرفت أشكالاً جديدة منها ( الحجارة والمقلاع والمولوتوف الزجاجات الحارقة وقطع الطرقات وحفر الخنادق حول المخيمات والطعن بالسكاكين وبعض العمليات النوعية التي قامت بها بعض فصائل المقاومة الفلسطينية ) في مواجهة جيش منظم وقوي مدجج بأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الغربية والأمريكية من أسلحة فتاكة
انتفاضة الحجارة الكبرى هي التي شقت الطريق أمام إعلان الاستقلال في 15/11/1988
وهي أيضا الترجمة العملية للبرنامج المرحلي ( البرنامج الوطني ) والذي فتح الباب لاعتراف معظم دول العالم الحر بالدولة الفلسطينية وانتزاع اعتراف إسرائيل والدول الغربية وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية بالشعب الفلسطيني وتأسيس حكم ذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة تحت مسمى " السلطة الوطنية الفلسطينية " ترجمته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 19/67 عام 2012 بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران 67 وحل قضية اللاجئين بموجب القرار 194 الذي يكفل لهم حق العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948

ومن أهم ميزات هذه الانتفاضة أنها كانت شعبية وتلقائية وبلا تخطيط مسبق ولم تكن فيها فصائل وفد تشكلت التنظيمات الشعبية القيادية للانتفاضة من رحم الانتفاضة نفسها حيث مثلت إرادة الشعب المقاوم الذي يبحث عن حريته حتى لو كان السبيل إليها الاستشهاد وقد نجحت الانتفاضة بصمودها المتميز في إجهاض المحاولات الإقليمية والدولية لتهميش القضية الوطنية الفلسطينية وأعادت مكانتها على رأس جدول أعمال المجتمع الدولي الذي وقف بكل مكوناته إجلالاً وإكباراً أمام عظمة الشعب الفلسطيني وبطولاته ونضاله وثباته على تحقيق أهدافه الوطنية المشروعة مهما بلغت التضحيات كما استطاعت الانتفاضة الوطنية تعرية دولة الاحتلال وكشف عوراتها السياسية وإعادة تقديمها على حقيقتها إلى المجتمع الدولي كدولة فاشلة وعنصرية تستعمر شعب وتحتل أرضه وتلجأ إلى أبشع أساليب البطش والإرهاب لتحقيق أهدافها الفاشية

الكيان الصهيوني يدرك جيداً أنه لا مستقبل له وسط حياة الشعب الفلسطيني صاحب الحق في أرضه ووطنه ويعلم أكثر انه كما قامت جماهيره من دون ترتيب مسبق قبل 33 عاما بثورة شعبية أذهلت العالم فإنه قادر اليوم من جديد على أن يصنع " الانتفاضة الثالثة " التي ما نزال نترقب ولادتها منذ أعوام من رحم المعاناة كحق مشروع وخيار استراتيجي مهما كلف ذلك من ثمن في التصدي للمشروع ألإحلالي وألتدميري الصهيوني

الحديث عن الانتفاضة والتذكير بخصوصيتها في هذا الوقت يبدو غاية في الأهمية في ظل ما آلت إليه أحوال القضية الفلسطينية من وضع عام مزري بالمخيمات وانتشار البطالة وإهانة الشعور الوطني والقومي والقمع اليومي الذي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين ناهيك عن مشاريع المؤامرات المحلية والأمريكية والغربية التي تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية لصالح المشروع التوسعي الإسرائيلي في المنطقة بالاستناد إلى ادعاءات وأساطير خرافية نجح الشعب الفلسطيني في إسقاطها وإعلاء حقوقه الوطنية وفضح جرائم المحتل وعدوانه غير المبرر عبر العالم بأسره

ورغم استخدام الفلسطينيين التظاهرات والحجارة في الاحتجاجات إلا أن إسرائيل قابلت ذلك باستخدام العنف المفرط وردت بإطلاق النار على المتظاهرين ما أدى إلى مقتل وجرح الآلاف حيث قدر حسب الأرقام التي ذكرتها مؤسسة رعاية أسر الشهداء والأسرى استشهاد 1550 فلسطيني خلال الانتفاضة واعتقال نحو 200 ألف فلسطيني كما تشير معطيات مؤسسة الجريح الفلسطيني إلى أن عدد الجرحى وصل الى ما يزيد عن 70 ألف يعاني نحو 40% منهم من إعاقات دائمة فيما استشهد عدد من الشبان خلال اعتقالهم في سجون الاحتلال جراء سياسات التعذيب وقتل 160 إسرائيليا على يد الفلسطينيين كما تبنت إسرائيل سياسة ما يعرف بـ"تكسير العظام" حيث عمد الجنود تنفيذا لقرار وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين إلى ضرب راشقي الحجارة بالعصي والحجارة بهدف كسر أطرافهم وهو ما تسبب بردود فعل كبيرة على المستوى الدولي

الانتفاضة الأولى كانت محطة نضالية وركيزة أساسية في مواجهة العدو عرفت بطابعها السلمي ورغم ذلك فإن النشاط المسلح كان موجودا فيها بنسبة تقارب 15% حيث كان يستهدف أساسا الجنود الإسرائيليين والمستوطنين كونهم مثل الجنود يحتلون الأرض ويحملون السلاح لقتال الفلسطينيين وتم إنشاء ما سمى " بالقوات الضاربة " بعد تكوين القيادة الوطنية الموحدة وقد شهدت مرحلة الانتفاضة عددا من العمليات ضد الأهداف الإسرائيلية مثل عملية ديمونا بالنقب عام 1988 حينما تمت مهاجمة حافلة تقل عاملين متوجهين إلى مفاعل ديمونا كما تم اختطاف جنود يهود لمبادلتهم بأسرى وجرى ملاحقة وقتل العملاء والمتعاونين وسماسرة الأراضي أفراد وجماعات كما عرفت الانتفاضة ذاتها بظاهرة حرب السكاكين والبلطات

اتفاقية أوسلو المشؤومة تعتبر نقطة سوداء وسيئة في تاريخ احتلال فلسطين حيث كانت المقدمة للقضاء على الانتفاضة وقد أعطت الذريعة للاحتلال الإسرائيلي للتنصل من قرارات الأمم المتحدة والمواثيق الدولية بخصوص القضية والتي يتوجب مع زيادة سلبياتها وكوارثها ان تعمد السلطة الفلسطينية واللجنة التنفيذية بالرجوع إلى قرارات المجلس الوطني وعدم الرهان على " أسلو " كمشروع للمفاوضات بسبب ما ألحقته من ضرر فادح بوحدة ونضال الشعب الفلسطيني خاصة بعدما أثبتت الأيام عقم العملية السلمية والمفاوضات المزمنة مع الاحتلال والتي لم ينتج عنها سوى المزيد من ابتلاع الأراضي الفلسطينية وحملات الاستيطان المسعورة والجرائم التي لا تنتهي بحق الشعب الفلسطيني

ان هذا الشعب الفلسطيني الجبار لديه اليوم إصرار أكثر من أي وقت مضى على مواصلة كفاحه الوطني المشروع حتى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي بكل أشكاله وتعبيراته وتحقيق أهدافه في العودة وإقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ولن يرضخ أو يستسلم أو يقبل بالتعايش مع الاحتلال والاستيطان والتهويد ولن يخضع للمحاولات الفاشلة لطمس هويته الوطنية وتغيير الحقائق والثوابت التاريخية على ارض الواقع وأن إرادته الوطنية لن تنكسر بل ستزداد صلابة وقوة وعزيمة على مواصلة مسيرة الحرية والكرامة والاستقلال

ولهذا ليس أمام الفلسطينيين إلا مواصلة وتصعيد الكفاح والنضال الوطني ضد هذا العدو الغاشم ومشاريعه ومخططاته وكل ما يمثله بالرغم من كل المخاطر والتحديات والمخططات التي تواجه حقوق ووجود فلسطين وشعبها وفي مقدمتها صفقة القرن وأهدافها التصفوية مما يستدعي إطلاق مشروع مقاومة أوسع فاعلية وتأثير بكل الأساليب وإحياء زخم الانتفاضة الشعبية المنتظرة على طريق التحول إلى عصيان وطني شامل

وما يتطلب ذلك سحب الاعتراف بدولة الاحتلال إلى أن تعترف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس وتوقف الاستيطان والضم وضرورة وقف كل إشكال التنسيق الأمني والتفاوضي مع سلطات الاحتلال والانفكاك عن بروتوكول باريس الاقتصادي والتحرر من قيود الغلاف الجمركي الموحد مع إسرائيل والدعوة الى استعادة الوحدة الوطنية وتلاحم الشعب وقواه النضالية وإنهاء الانقسام وإعادة الاعتبار للمقاومة الشعبية وكل أشكال النضال ووسائل الكفاح الوطني التي هي السبيل الوحيد لتحقيق أهداف الحرية والعودة والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل التراب الوطني الفلسطيني ولا بد لذكرى الانتفاضة أن تكون مناسبة وفرصة لإعادة تقييم المسار السياسي الفلسطيني برمته واستيعاب الدروس والعبر منها لا سيما بعد كل هذه الخسائر التي لحقت بالقضية الفلسطينية خلال مسرحيات السلام المزعومة

ولا ننسى هنا دور النساء الفلسطينيات خلال فترة الانتفاضة حيث كان للمرأة دور مهم من خلال المشاركة المباشرة أو تعبئة الشباب وحثهم على المشاركة والمواجهة أو من خلال حماية ومساندة المنتفضين الذين كانوا يهاجمون الجنود والمستوطنين الإسرائيليين بالحجارة ويطعنوهم بالسكاكين

ومع هذه الذكرى العطرة للانتفاضة المجيدة نستذكر مواقف القيادي البارز في حركة فتح خليل الوزير أبو جهاد الذي يعتبر مهندس الانتفاضة الأولى ومنسق مخططها وراعي شعلتها الذي اغتيل في تونس بأكثر من سبعين رصاصة في منزله وأمام عائلته ليلة 16 / 4 / 1988 كما نزجي بالتحية والإجلال والإكبار إلى شهداء الانتفاضة الوطنية الكبرى الذين قضوا على درب المجد لأجل حرية شعبهم وتحرير وطنهم والى كل شهداء فلسطينيين ( عرب ومسلمين وامميين ) والتحية الموصولة والتقدير العظيم للأسرى والجرحى وذويهم والى كافة الشعوب العربية الحرة التي مثلت الظهير القوي والسند الداعم لهذه الانتفاضة العظيمة و العرفان والامتنان لكل أحرار العالم الذين ناصروا قضية فلسطين العادلة وساندوا كفاح شعبها المشروع في سبيل حريته وعودته واستقلاله وكرامته وتقرير مصيره والفخر والاعتزاز بكل الأبطال الذين سطروا ملحمة الصمود والتحدي والفداء بحجارتهم وأجسادهم والتي شكلت انعطافة إستراتيجية في تاريخ المقاومة والنضال الحضاري الفلسطيني

عاشت فلسطين حرة أبية تعانق السماء تيها وعلياء وفخر والمجد للانتفاضة الباسلة والخلود للشهداء الإبرار والحرية للأسرى الصامدين والنصر للشعب الفلسطيني المقاوم والسقوط والخزي والعار والذلة والهوان للخونة والعملاء ولإسرائيل وأمريكا وكل من سار على دروبهم أو اقتفى أثارهم ولو قيد أنملة مهما تباعدت أو قربت بينهم الديار أو الأسفار




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات