إحراق كنيسة الجثمانية عمل إرهابي منظم


في اعتداء إرهابي جبان يمثل أبشع صور الهمجية والوحشية للكيان الصهيوني الغاصب قام يوم الجمعة الماضي 4 / 12/ 2020 احد المستوطنين المتطرفين من سكان القدس يبلغ من العمر 49 عام وتحت بصر وسمع قوات الاحتلال الإسرائيلي بمحاولة إحراق كنيسة "الجثمانيّة" التاريخية ( من أعرق كنائس القدس المحتلة وعلى مستوى العالم ) الواقعة قرب جبل الزيتون في القدس المحتلة حيث اقتحم الكنيسة وسكب المواد المشتعلة داخلها وأضرم النار فيها ما أدى إلى احتراق عدة مقاعد ولولا عناية الله ثم التدخل في الوقت المناسب وتصدي الحارس المسيحي والشابين المسلمين ( محمود وحمزة عجاج ) للمستوطن والسيطرة على النيران لكانت الكارثة عظيمة ولأصبحت الكنيسة اليوم أثر بعد عين
هذه ليست أول كنيسة تتعرض للاعتداء وهي تنضم لقائمة طويلة جدا من الاعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية في جميع أنحاء فلسطين وليس فقط في الضفة الغربية المحتلة والكثير من الجرائم ما تزال من دون عنوان أو متهم وما جرى في كنيسة الجثمانية ليس جديد وهو جزء من مسلسل صهيوني يهدف إلى تهويد القدس وتغيير طابعها الخاص وقد حملت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل الفلسطيني ( أعلى هيئة تمثيلية لفلسطينيي 48 ) حكومة الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية فهي التي تدعم وتشجع عصابات الإرهاب الاستيطانية في ارتكاب جرائمها ضد الشعب الفلسطيني ومقدساته وممتلكاته دون محاسبتهم أو إنزال عقوبات رادعة بحقهم

العمل الإجرامي ألمدان أعاد إلى الأذهان مسلسل التضييق والاعتداءات المتواصلة التي تستهدف مسيحيي القدس ومؤسساتهم وكنائسهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين اليهود سعيا إلى تهجيرهم من الأراضي المقدسة فقد حاربت إسرائيل الكنائس الفلسطينية وسعت إلى تدميرها ومع بداية النكبة عام 1948 وحتى 2018 اعتدت قوات الاحتلال والمستوطنون على أكثر من 100 كنيسة ومقبرة في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى جانب قصفها مقبرة وكنيسة بقطاع غزة

ومنذ العام 2009 أحرق ناشطو التنظيمات الإرهابية اليهودية 44 مسجداً وكنيسة في أرجاء الضفة الغربية والقدس وفلسطين الداخل وهنالك عشرات الاعترافات والحقائق والشهادات قدمها رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق موشيه شاريت حول الاعتداءات الوحشية التي تعرضت لها الكنائس الفلسطينية وهي موثقة في كتاب صدر عن " مؤسسة إحياء ذكرى موشيه شاريت"

منظمتا " تدفيع الثمن " أو" تاج محير" و" لاهافا " تعدان من اشد المنظمات الإسرائيلية المتطرفة التي تستهدف المسيحيين وتدعو إلى حرق كنائسهم في جميع أماكن تواجدهم وتنتهك حرمات مقدساتهم الدينية وقد رفضت الحكومة الإسرائيلية وجهاز المخابرات الداخلية " الشاباك " والنيابة العامة عام 2014 طلب تقدم به النواب العرب في الكنيست الاسرائيلي اعتبارها تنظيمات إرهابية

مؤخرا كشفت وثائق إسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي عمد إلى انتهاج سياسة تقوم على سلب ونهب وتخريب الكنائس التي كانت موجودة في المدن والبلدات والقرى الفلسطينية بعد طرد سكانها عقب حرب عام 1948 حيث تعمد ضباط وجنود الاحتلال إلى ( تحويل الكنائس إلى دورات مياه لقضاء حاجاتهم وتمزيق الكتب المسيحية المقدسة ) وقد سرق جنود الاحتلال من إحدى الكنائس تاجاً مصنوعاً من الأحجار الكريمة قيمته كبيرة جداً

وفي حادثة أخرى قام الجنود بكسر يد تمثال للمسيح في إحدى الكنائس لسرقة سوار من ذهب يلتف حول معصمه كما قاموا بتحطيم شواهد القبور المسيحية في مقبرة دير جمال وشربوا الخمور ومارسوا الفاحشة داخل الكنائس فضلا عن تنكيلهم بالقساوسة الذين يعملون في القدس أثناء تحركهم في شوارع المدينة المقدسة وان جميع عمليات التخريب التي طالت الكنائس لم تقتصر على الضباط والجنود فقط بل قام بها أيضاً عموم المستوطنين ناهيك عن فرض بلديات الاحتلال ضرائب على أملاك الكنائس وهو الإجراء الأول من نوعه

وقد أضفت عنصرية الحاخامات كمرجعيات يهودية الشرعية الدينية على تلك الجرائم بتأييدهم الصريح لإحراق وتدمير الكنائس في فلسطين على اعتبار أن الديانة اليهودية لا تبيح السماح للمسيحيين بأداء العبادة ( ووصفوا الديانة المسيحية بأنها ضرب من ضروب الوثنية ( وقد سبق وأن أعلن الحاخام " بنتسي غوفشتاين " الذي يقود حركة " لاهفا " تأييده إحراق الكنائس مستنداً إلى أحكام " فقهية وتوراتية مكذوبة " أصدرتها مرجعيات دينية يهودية عاشت في القرون الوسطى إضافة إلى فتوى الحاخام موشيه بن ميمون الذي عاش في القرن الثاني عشر والتي تحث أيضا على عدم السماح للمسيحيين بممارسة طقوسهم الدينية على أرض إسرائيل ويقومون بزرع تلك الأفكار في أوساط الفتية اليهود

وفي سابقة خطيرة كتبت عناصر من منظمة " شارة ثمن " اليهودية الإرهابية وتنظيم
فتية التلال " الإرهابي شعارات عنصرية على جدران وأبواب كنيسة "الدورمتسيون رقاد السيدة العذراء" الكائنة في "جبل صهيون" بالقدس القديمة تهدد فيها " بإرسال المسيحيين إلى جهنم" وقد وصف كاتبو الشعارات المسيحيين بأنهم " عبدة الأوثان " يتوجب ذبحهم إلى جانب كتابة عبارات أخرى مسيئة للمسيح عليه السلام

الاحتلال الإسرائيلي اعتدى على ما نسبته 50% من الأملاك المسيحية في الجزء الغربي من مدينة القدس بعد احتلال نحو 84% من مساحة المدينة ثم قام بالاعتداء المباشر على كنيسة القيامة بعد احتلال شرقي القدس عام 1967 وتم تدمير الصلبان وتكسير الصور فيها ولا زالت الاعتداءات مستمرة حتى يومنا هذا وقد تزايدت بسبب دعم حكومة النتن ياهو اليمينية راعية هذا الفكر المتطرف وحاضنة مدارس المستوطنات التي تعتبر الأرض الخصبة التي تنمو فيها خلايا الإرهاب الإسرائيلي بالإضافة إلى توفيرها الغطاء الأمني في عدم ملاحقة المتطرفين وحمايتهم وشرعنة التغطية الفكرية والتبرير الديني لإجرامهم وهذه الحكومة هي المسؤولة عن كل اعتداء على الكنائس أو المقدسات بشكل عام في الفترة الأخيرة

نحن كمسلمين لن ننسى القرون الطويلة من العيش المشترك مع المسيحيين ومساهمات المسيحية المهمة في الحضارة العربية وسنقف بكل قوة وإصرار مع الإخوة المسيحيين في كامل ارض فلسطين المحتلة ونرفض معهم جملة وتفصيلا إرهاب الجنود والمستوطنين الصهاينة المنظم ومواصلة اعتداءاتهم الإجرامية على الكنائس

كما ونرفض أيضا السياسة الإسرائيلية المتبعة حديثا والتي جاءت على لسان زعيم منظمة لاهافا اليمينية " بنتسي غوبشتاين " بضرورة طرد المسيحيين من البلاد وحرق كنائسهم وأننا ندعو هنا السادة البطاركة والمطارنة في القدس إلى تشكيل لجنة تحقيق كنسية عليا لمعرفة كيف استطاع ذلك المستوطن الدخول للكنيسة وبيده مواد حارقة وبذات الوقت زيادة الحراسة على الأماكن الدينية لمزيد من الحيطة والحذر وتحسبا لأية أخطار مستقبلية محتملة

الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الكنائس المسيحية ودور العبادات الإسلامية ومحاولة طمس هوية المدينة المقدسة وتغيير معالمها وتهويدها تشكل جريمة حرب وإرهاب دولة منظم وهي انتهاك صارخ لكل المواثيق والمعاهدات الدولية التي تكفل حرية العبادة وحرمة الأماكن المقدسة وإمام ذلك كله على المجتمع الدولي ان يتحمل مسؤولياته الكاملة في هذا الشأن باتخاذ ما يلزم من الإجراءات الكفيلة بتوفير الحماية الدولية المطلوبة للشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته الدينية المسيحية والإسلامية ووقف انتهاكات الاحتلال وفقا للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وعدم الاكتفاء بالسكوت أو الإدانة

في النهاية ينبغي أن أشير إلى واقع أخر بان نذكر الرئيس ترامب " المسيحي الصهيوني " وبعض حكام الغرب العنصريين المستغرقين في الغي والطغيان والظلم والعدوان بأن الأمن والأمان في القدس لم يكن متوفرا يوما إلا في عهد الدول الإسلامية التي حكمت فلسطين وتم تعزيز هذا النهج في عهد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب الذي دخل القدس في 13رمضان 16هـ واستلم مفاتيحها بطلب من صفرونيوس اسمه يعني " العفة " وهو بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية في القدس

ثم كتب عهداً لأهلها يؤمنهم فيه على أرواحهم وأموالهم وكنائسهم عُرف باسم " العهدة العمرية " والتي مازلت تمثل دستور حيا بنصوصه وكينونته يطبق حتى يومنا هذا حيث يحمل الأمانة لمفتاح كنيسة القيامة وفتح بابها بيد عائلتان مسلمتان " آل جودة غضية ونسيبة " وكذلك أبواب كنيسة الجثمانية كانت طيلة العهد العثماني وعلى مر أربعة قرون من الزمن بيد عائلة " بزبزت آل غضية " وفق ما ورد في سجلات المحكمة الشرعية في القدس وللعلم فان الخليفة عمر بن الخطاب هو من سمح لليهود بزيارة القدس وممارسة شعائرهم الدينية فيها بحرية بعد ما يقرب من 500 سنة من طردهم من الأراضي المقدسة من قبل الرومان باعتبارهم امة ملعونة
mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات