جعجعة بلا طحن B-52 نشر قاذفات


في رغبة مبيتة لخوض صراع مفتوح مع إيران بموجب ادعاءات وتصريحات غير مسؤولة وزلات لفظية غير معقولة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوجود مؤشرات خطر على القوات الأمريكية من قبل تحركات إيرانية مزعومة لضرب مصالح أمريكية في عدة دول بالشرق الأوسط وفي ظل التوتر المتزايد بين واشنطن من جانب وطهران وحلفائها خصوصا في العراق من جانب آخر ترددت أنباء غير مؤكدة بشأن احتمال القيام بهجوم أمريكي على منشآت نووية إيرانية قبيل انتهاء الفترة الرئاسية الانتقالية وقد تجسد ذلك بإرسال ترامب لقاذفتي القنابل الإستراتيجية "B52" بعيدتي المدى إلى منطقة الخليج العربي للانضمام للقوات الأمريكية المرابطة هنالك في قاعدة "العديد" الجوية الأمريكية في دولة قطر وقد تم تحريك حاملة الطائرات العملاقة أبراهام لنكولن باتجاه المياه الإقليمية الإيرانية

مع إصرار ترامب على إرسال أربعة قاذفات من النوع نفسه إلى المنطقة وهي ( طائرات متقدمة جدا تستطيع التحليق حتى مسافة 14 إلف كلم دون التزود بالوقود الجوي وقادرة على حمل 32 ألف كيلو غرام من الأسلحة إضافة إلى صواريخ كروز التكتيكية وأسلحة نووية مدمرة وتتميز بوجود أنظمة مضادة للطائرات في جزئها الخلفي وطاقمها يتكون من خمسة أفراد وهي المرة الأولى التي تنشر فيها هذه الطائرات للمشاركة في عمليات قتالية في منطقة الشرق الأوسط، منذ حوالي 26 عاما على حرب الخليج الثانية " عاصفة الصحراء " حيث تعتبر طائرات B 52 المسؤولة عن إسقاط 40 % من الذخائر خلال تلك العملية وهي ذات ثمانية محركات ويستخدمها سلاح الجو الأمريكي منذ عام 1954 وتلقب بأيقونة الحرب الباردة )

بالرغم من تحذيرات القادة العسكريين والأمنيين للرئيس ترامب بعدم جدوى هذا التحرك وإحداث أي صراع في هذا التوقيت الدقيق والخطير في هذه المرحلة سيما بعد قراره بسحب جزئي للقوات الأميركية من العراق وأفغانستان وحسب المعلومات المتواترة وضمن مساعي كبح المواجهة ومنعا للحرب العسكرية الشاملة مع إيران رفضت وزارة الدفاع الأمريكية طلب البيت الأبيض تزويد القاذفات بالقنابل النووية

وبحسب بعض المسؤولين الأمريكيين ان أسباب ودواعي هذا التحرك العسكري العاجل وجود معلومات اسخباراتية بان إيران تنوي استهداف القوات الأمريكية في العراق والكويت وربما في سوريا والتخطيط لشن هجمات منسقة من مضيق باب المندب " جنوب غرب اليمن " عبر وكلائها من جماعات أنصار الله المسلحة " الحوثيين " من خلال الطائرات المسيرة والتفجيرات

وبالرغم من تصريحات إيران مراراً أنها لن تكون مكبلة الأيدي في حال ارتکبت أمريکا حماقة العدوان عليها فإن جميع القواعد الامريكية ستكون في مرمی صواريخها وسوف تفعل الوكلاء من العراق إلى لبنان وأبعد من ذلك بفتح جبهات قتال موازية وستصبح إسرائيل جزءًا من ساحة المعركة وهذا ما تأمل إسرائيل تجنبه فرغم مرور قرابة 30 عام على حرب الخليج الأولى إلا أن ذكريات صواريخ صدام في أذهان الإسرائيليين ما زالت حية ( أكثر من 40 صاروخًا من طراز سكود اطلقت على المدن الإسرائيلية ) رغم محدودية الخسائر حيث لم تكن محملة برؤوس حربية كيميائية كما كان يُخشى في حينه

وفي ظل الضغوط المتواصلة لفرض عزلة سياسية واقتصادية على طهران ألغى ترامب الإعفاءات للدول التي تشتري النفط الإيراني في محاولة منه لخفض صادرات النفط الإيرانية إلى مستوى الصفر كما أدرج قوات الحرس الثوري الإيراني على القائمة السوداء في خطوة غير مسبوقة بتصنيفها كمنظمة إرهابية أجنبية وهو ما اعتبرته إيران عمل استفزازي أخرق ثم انسحاب امريكا من جانب واحد من الاتفاق النووي الذي تفاوضت عليه مع قوى عالمية أخرى ضد إيران في عام 2015

لكن كل هذه التحركات والاستعدادات لا تعني بالضرورة نشوب حرب او مواجهة مباشرة مع إيران مما يعطي انطباع بان المهمة التي كانت غامضة من حيث المعلومات والإيضاحات كانت برمتها نوع من الحرب النفسية والإعلامية لزيادة الضغط على إيران وتخويفها وهو استعراض واضح لإظهار قدرات الجيش الأميركي على النشر السريع لقواته في أي مكان في العالم في غضون وقت قصير والاندماج في عمليات القيادة المركزية للمساعدة في الحفاظ على الاستقرار والأمن الإقليمي

كما أنه من غير المستبعد أن يكون هذا الإجراء الغامض في الواقع نوعا من الاسترضاء لحلفاء ترامب الإقليميين الذين يظهرون أنفسهم دائما على أنهم " قلقون" و "مرتبکون" أمام خطر مصطنع ووهمي باسم إيران لجلب مزيد من الدعم المالي والبترولي فضلا عن محاولة ترامب إظهار التزامه بالحفاظ على حرية الملاحة والتدفق الحر للتجارة وحمايتها وردع أي عدوان عليها خاصة وأن القوات الجوية الأميركية ترسل بشكل دوري قاذفات بعيدة المدى إلى المنطقة ولكن السؤال المستغرب هو لماذا حلقت في هذه المرة القاذفات الثقيلة على الحدود الإيرانية الآن بشكل علني

الحقيقة إن جزء مهم مما يردع امريكا عن استهداف إيران وخوض حرب مباشرة معها هي أنها قادرة على ضرب امريكا في الرأس فجميع قواعدها في المنطقة مكشوفة إلى حد كبير فهنالك القوات الأمريكية البحرية المتواجدة في الخليج والقواعد الأمريكية الموجودة في السعودية وقطر والبحرين والأمارات فضلا عن امتلاك الإيرانيون الكثير من الخبرة في استهداف القوات الأمريكية بشكل غير مباشر من خلال الميليشيات الشيعية الحليفة والقدرة على ضرب العمق الإسرائيلي وشن هجمات إلكترونية دقيقة ضد الموارد الاقتصادية والبنية التحتية للدول المجاورة الحليفة لأمريكا وامتلاكها العديد من الوسائل لتصعيد التوترات في عدة بلدان أخرى ناهيك عن إمكاناتها في شل تدفقات النفط العالمية وتوجيه ضربات قاسمة لحقول النفط و مراكز التكرير و التخزين و الشحن الي جانب محطات التحلية ومياه الشرب و الكهرباء وفي حال غامر ترامب بذلك ستكون حربا طاحنة ومدمرة لم تعرفها المنطقة من قبل

يذكر ان ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن قال قبل أيام من رحيل إدارته بعد إعلان فوز باراك أوباما في الانتخابات عام 2007 إنّ أمريكا لن تهاجم إيران التي تشكل الخطر الأكبر على مصالحها لكنه لم يستبعد أن تقوم " إسرائيل " بمهاجمة إيران ومشاريعها النووية وفي هذه الحالة ستتدخل امريكا الحرب لحِمايتها في حالِ حدوث أي رد إيراني عليها وهو اقرب السيناريوهات الممكنة اليوم

لا نعتقد أن إسرائيل أو أمريكا ستكون لديهم الجرأة لمهاجمة إيران لأن حكام الكيان وأمريكا لا يغامرون بفتح أبواب جهنم على جنودهم وعلى كافة المنشآت الحيوية في الكيان الصهيوني ولا نعتقد أيضا أكثر بان قيادة الجيش الأمريكي سوف تستجيب لأهواء ورغبات بهلواني البيت الأبيض الذي يبدو انه بدأت إرهاصات إقراره بالهزيمة تتجلى وإن كانت بصورة فيها الكثير من العناد والمكابرة

فرصة العدوان الأمريكي على إيران ربما تكون انتهت وضاعت منذ ذلك اليوم الذي رد فيه الجيش الايراني على عملية الاغتيال التي استهدفت قاسم سليماني وإبو مهدي المنهدس بقصف قاعدة عين الأسد الأمريكية وما تسببت في تدمير الكثير من مرافقها وإصابات عديدة في صفوف قوات المارينز حينها ابتلع ترامب لسانه ولم يرد رغم أنه حذر إيران من رد صاعق على العملية

الواقع يقول أن وضع إسرائيل في تحسن إقليمي وعالمي كبيرين وليست بحاجه لأن تفسد ذلك بضربة قوية وخاطفة ضدّ أهداف في إيران وان أمريكا وصلت لما تريده من خلال حصارها على إيران وسوريا وحزب الله وهنالك عدة أسباب أخرى داخلية تمنع ترامب من تحقيق رغبته في مهاجمة إيران أبرزها إن الرئيس ترامب لا يستطيع ان يتخذ قراراً يتعلق بشن الحرب الا بتفويض من الكونغرس والكونغرس الآن لا يصدر اي تخويل بسبب الفترة الانتقالية يضاف إلى ذلك أن السياسة الأمريكية في هذه الفترة الانتقالية توصف بأنها سياسة ( سياسة البطه العرجاء) اي ان الرئيس موجود في منصبه بصلاحيات محدودة يضاف إلى هذه الخيارات ان البيئة الدولية ليست مهيأة لأي عمل عسكري في هذا التوقيت بالذات بسبب جائحة كورونا التي أنهكت العالم

إذا الحرب الأمريكية ضد إيران ربما تكون مستحيلة الحدوث رغم أماني ترامب وتهديداته المتكررة وقرعه طبول الحرب المستمر وأن أفضل خيار وطريق متاح أمام امريكا الآن هو العودة إلى التركيز أكثر على تنظيم الحلفاء والشركاء والأصدقاء والاستمرار في بناء التحالفات ضد إيران بحيث لا تقتصر على إسرائيل والسعودية ودول الخليج الأخرى فقط بل تشمل أيضا الشركاء الأوروبيين وحلف شمال الأطلسي مع تكثيف الجهود الاستخباراتية الأمريكية في المنطقة خاصة في مجال العمليات الإلكترونية الهجومية ونشر قدرات إضافية للدفاع الصاروخي في المنطقة

أخيرا وافتراضا حتى لو كان هناك ضربة للمنشات النووية الإيرانية فأنها لن تكون جوهرية ولن تحدث خللا في موازين القوى لأن امريكا وتل أبيب حريصتان على إبقاء البعبع الإيراني قائما كفزاعة لاستنزاف دول الخليج وإبقاء الصراع السني الشيعي متوهج الكراهية والعداء
mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات