مجلسُ نوَّاب سنة أولى


المئةُ نائبٍ الجُـدد في مجلس النُّواب القادم ، ليسوا سنافرَ في السياسة ، كما يحلو للبعض أن يسمِّيهم ، ولن يجنح بهم قطارُ البرلمان ليغرِّدوا خارج السِّرب ؛ فأقرانهم الذين لملموا زَهابهم ومضوا ، ليتفرغوا إلى حياتهم المعتادة وأعمالهم ، لم يكونوا عباقرة تشريعٍ ولا سياسةٍ ولا خطابٍ ، ولم يولدوا موشَّحين بأوسمة ، فقد تتلمذ الكثيرُ منهم تحت القبَّة ، وغرفَ من معين العمل البرلماني وقوالب ومقالب السياسة لسنين القَــدَر الكافي ، الذي يؤهلهم لأن يكونوا ممثلين حقيقيين للشَّعب بكفاءة وتمرُّس ، وأن يتموضعوا بقوةٍ وثبات ورباطةِ جأش ومسؤولية ، وأن يكون لهم صدىً فاعلاً ومؤثّراً في الشارع.
اعتلا منابر مجلسُ النُّواب في الأردن ، منذ أول مجلسٍ في عام 1947م ، بعضُ الشخصياتٌ الوطنية والقاماتٌ البارزة ، التي كان لها دورٌ واضحٌ وملموس في العديد من المجالات ؛ حتى أصبحت جزءاً رئيساً من ذاكرة الدولة وتاريخها ، نظراً لما تمتعت به من الريادة والإحاطة والإلمام على مختلف الصّعد في مفاصل الدولة المختلفة ؛ ولعلَّ ذلك لم يأتِ إلا نتاجاً لمقتضياتٍ وعواملٍ عـدَّة ، أسهمت في صقل شخصية النّائب ، حتى وصل إلى المستوى الذي يجعله بيتاً للخبرة ، ومحترفاً في مجال السياسة والعمل التشريعي والبرلماني.
ضخَّت إرادة الشّعب ما يفوق 75% من الدِّماء الجديدة في عروق المجلس القادم ، ليبدأ دورته الأولى وسلسلة حلقاته المتتابعة محكوماً بذات الدستور ، ونفس الركائز والثَّوابت التي يقوم عليها قانون البرلمان ؛ ولكنّه كغيره من البرلمانات السَّابقة لا يُعفى من مسؤوليته حيال الوطن والمواطن ، في ظل وجود تحدياتٍ وعوائق ومصاعب مصيرية ، تواجه الوطن على المستوى الدولي والمحلي ، وتلامس المواطن مباشرة ؛ وما دام الدستور هو ذاته ، وقوانين العمل في مؤسسة البرلمان لن تتغير بدخولهم تحت القبة ، فإنَّ الرِّهانُ هنا يبقى عليهم هم ، لا كوجوه ولجان برلمانية واعتباراتٍ مالية ، إنما كبراعةٍ وحنكةٍ ومقوماتٍ ، تمكّنهم من القيام بدور التشريع والرَّقابة على الهيئة التنفيذية ، بصورةٍ تُسعفُ وطننا بالخروجِ من عنق الزجاجة سالماً معافىً ، وتعينُ المواطنَ الذي تجرَّع ملمَّات وعواقبَ تلك الأوضاع المنهكة ، حتى وهن العظمُ منه ، واستمطرَ الشَّكوى من الشَّكوى.
من هنا يبدأ النوابُ سنَتهم الأولى في البرلمان ، ومن هنا يجب عليهم أخذ الظروف كافة على محمل الجَـد ، ومن هنا يأتي النَّائب ثالث الأثافي للوطن والمواطن ، على هيئة تتعدى توظيف القبة للمناكفات والجدالات الشّخصية ، وتبادل الاتهامات وصُنع الزَّعامات ، وعلى مستوى رفيع يتجاوز تشريح الماضي وتسييح دمه فقط ، دون امتلاك القدرة على اطلاق المبادرات والأطروحات ، التي تحملُ في طيَّاتها العلاج الناجع لكلِّ ملفاتنا المتوقفة على إشارة المرور منذ أمدٍ طويلٍ.
منذ اللحظات الأولى لدخول النائب إلى المجلس ، تنطلق رحلته في ممارسة مهامه ومسؤولياته وواجباته ، مما يفرضُ عليه أن ينزلَ عن برجه العاجي مهما كانت رافعته ، الدرجة العلمية أو الثقافة العامة أو العلاقات الاجتماعية أو القدرة المالية ، فالجميع تحت قبّة البرلمان تلاميذٌ جدد في مدرسة السياسة والتّشريع ؛ الأمر الذي يحتم على كل نائبٍ أن ينهلَ المزيد المزيد من قراءةٍ متمعنةٍ للدستور ، وإطلاعٍ متمحصٍ لتاريخ الدولة وجغرافيتها ، وغوصٍ بارعٍ في سياستها الخارجية وملفاتها ، والوقوفَ وقفة الحاذقِ المفكر أمام كامل الأجندة الداخلية ، والقضايا والقوانين العاجلة والمؤجّلة ، وإدراك ماهية الخيط الرفيع الذي يربط كل هذه الفروع ببعضها ، وتعظيمه ، ألا وهو المصلحة العليا للدولة ، بكل جوانبها ، لوضع الآلية المناسبة التي تُسهم اسهاماً فعَّالاً في دفع عجلة النهوض والارتقاء.
ويتأتَّى ذلك من خلال وسائل عدّة يمكن للنائب الاعتماد عليها ، للقيام بالأعمال والمهـام الموكولة له ، وأذكر منها على سبيل التوضيح لا الحصر:
أولاً: الإلمام بالدستور الأردني ، وقراءة بنوده وتفصيلاته بعين المحلِّل الذي يربط تقاطعاته لا بعين الحافظ.
ثانياً: الاطلاع الكامل على النظام الداخلي للمجلس ولوائحه وأسس تشكيل لجانه ومهامها وواجباتها.
ثالثاً: الاسترشاد بخبرات وآراء النُّوابِ السَّابقين ورجال السياسة بشأن آلية وشؤون عمل مجلس النُّواب.
ليس تقليلاً من شأن أي نائبٍ جديدٍ في البرلمان ، أنْ يزود نفسه بحصيلة معلوماتية ومعرفية تعينه على القيام بواجبه على أكمل وجه ، وأحسن صورة ؛ فالعمل النيابي لا يحتاجُ إلى فصاحة البيان وطلاقة اللسان والضّجيج الخطابي فقط ، من غير الاستناد إلى جوهر القانون وحيثياته والتّمكن منه ، فالنائب لا بـدَّ وأن يهيئ نفسه لملاطمة الريح بالبحث عن المعلومة الدَّقيقة واستنباط الحقيقة ، ليقدمها إلى الشَّعب ناضجة ، وهذا على مستوى الرَّقابة ؛ أما على مستوى التَّشريع ، فإنَّ هناك بونٌ واسع ، فمثلاً ليس كل النواب لا الحاليون ولا القُدامى متخصصون في المحاسبة والاقتصاد ، لكنهم يناقشون قانون الموازنة العامة للدولة ، كما يناقشون قوانين أخرى ذات علاقة بالشأن الداخلي كالبطالة وقانون الانتخاب والاصلاح الاداري والسياسي ، وكذلك الشأن الخارجي كالاتفاقيات الاقتصادية والسياسية وغيرها ؛ ولعلَّ مردُّ ذلك إلى مواصلتهم التّسلّح من بحور العلم ذات العلاقة ، ودأبهم المستمر بأن يكونوا ذوو فاعلية في البرلمان ، وليسوا خُشباً مسندة فيه أمام الشَّعب.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات