عودة التنسيق الأمني تراجع غير مبرر


في خطوة مرفوضة كان لها وقع الصاعقة على جميع الفلسطينيين وصفت بالمتسرعة وغير المدروسة وإنها جاءت بدون أي أسباب وجيهة أو حاجة ضرورية أو رغبة من الشارع الفلسطيني والإجماع ألفصائلي حين أعادت السلطة الوطنية الفلسطينية ما يسمى بالتنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي إلى ما كان عليه الوضع قبل 19 / 5 / 2020 وهو التاريخ الذي أعلن فيه النتن ياهو نيته ضم الضفة الغربية

لقد قد جاءت عودت العلاقات مع إسرائيل في وقت تتسارع فيه وتيرة البناء الاستيطاني لفرض وقائع جديدة مناقضة لجميع الاتفاقيات الموقعة إضافة الى محاولاتها ضم الضفة العربية وتهويد للقدس واستمرار الحصار والعدوان على غزة وتهميش القضية الفلسطينية وتغذية الانقسام الداخلي والمستغرب هنا ان السلطة الفلسطينية كأنها كانت تنتظر على أحر من الجمر إي دعوة او رسالة أو إشارة من تل أبيب وهاهي تلدغ من نفس الجحر مئات المرات وتلحس كلامها للمرة الألف بالتزامها بالاتفاقات الموقعة بين الجانبين ودون تراجع وقد عتمدت على رسالة خطيبة غير آمنة اعتبرت بمثابة السلم الذي نزلت عليه السلطة الفلسطينية عن الشجرة لتحث الخطى نحو العدو المحتل

الأمر المعلوم جيدا ان لتنسيق الأمني مع اسرائيل لم يتوقف في أية مرحلة من المراحل وبقي سري للغاية والمصالح المشتركة كانت تفرض نفسها رغم رفضه دائما فمن خلاله وبموافقة إسرائيلية نقل المرحوم صائب عريقات للعلاج في مستشفى هداسا وبموجبه سافر العديد من المسوؤلين في السلطة للخارج وعبر قنواته سمح للعديد من العمال الفلسطينيين دخول إسرائيل لكسب الرزق وغير ذلك كثير

الإعلان عن إعادة التنسيق الأمني وتجديد العلاقة بعد القطيعة مع إسرائيل لم يكن متوقع من السلطة الفلسطينية في هذا الوقت بالذات مع استمرار الحوارات في القاهرة لتحقيق المصالحة الوطنية والبحث عن مخرج لإنهاء الانقسام فضلا عن قيام حكومة النتن ياهو قبل أيام قليل بطرح عطاءات لبناء 1257 وحدة سكنيّة استيطانيّة في بيت صفافة جنوب القدس المحتلة التي تطلق عليها إسرائيل اسم " جبعات همتوس" حيث يشكل هذا العطاء مرحلة أولى من بناء حي سكني كبير يصل الى أكثر من 2500 وحدة سكنية وسيؤدي هذا المشروع إلى محاصرة منطقة بي وقطع التواصل الجغرافي بين بيت لحم والقدس ما يشكل ضربة كبيرة لمشروع حل الدولتين المنشود ويضاف الى ذلك أيضا سعي النتن ياهو لدى الإدارة الأمريكية للسماح له ببناء عشرة ألاف وحدة استيطانية في مستعمرة جديدة داخل مطار القدس

إن قرار الرئيس الفلسطيني خلال اجتماع القيادة الفلسطينية وقف العمل بالتنسيق المشترك والاتفاقيات الأمنية والمدنية المبرمة مع إسرائيل وأمريكا جاء رفضا لخطة الضم وصفقة القرن الأمريكية التي طرحتها إدارة ترامب ومصادرات الأراضي وعمليات الدهم والاعتقال واستمرار منع مواطني الضفة من الوصول للأقصى والأماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة واعتداءات المستوطنين على المدنيين وممتلكاتهم ومزروعاتهم لم تتوقف وهي تتم بحماية الجيش الإسرائيلي الذي قدم التعهد بالالتزام بالاتفاقيات الموقعة ولم يتغير شئ على كل ذلك فما الذي حدث لتذهب السلطة الفلسطينية الى هذا التراجع عن الموقف المعلن سابقا بقطع العلاقة مع الاحتلال ورفض استلام عائدات الضرائب "المقاصة" من إسرائيل ردا على قرارها خصم مخصصات عائلات الشهداء والأسرى والجرحى الفلسطينيين

عندما اتخذ قرار وقف التنسيق الأمني والاتصالات مع إسرائيل بكافة إشكالها كان بإجماع وطني فلسطيني شامل بدءا من الأمناء العامين للفصائل والشخصيات الوطنية المستقلة ومؤسسات المجتمع المدني في الداخل والخارج وفي المقابل فان قرار أعادت التنسيق واستئناف العلاقة جاء بشكل منفرد ولم تتم فيه مشاورة الشعب أو قيادات الفصائل الفلسطينية لذلك كان هناك رفض كبير من الغالبية العظمى للفلسطينيين له كما ان العودة الى حكم شريعة الغاب الإسرائيلية كانت مخالفة لاتفاق الفصائل الذي أبرم في بيروت منتصف أكتوبر الماضي ورصاصة الرحمة على كل جهود المصالحة التي أصبح يشعر البعض انها كانت فقط شراء للزمن حتى فوز بايدن

والأدهى والأمر من التنسيق الأمني ذاته ما صرح به " حسين الشيخ " رئيس هيئة الشؤون المدنية في تغريدة له عبر حسابه على تويتر باعتبار ذلك القرار بأنه " انتصار للشعب الفلسطيني " حيث يحاول بعض كبار قادة فتح بيع النصر للجمهور الفلسطيني بكل استخفاف واستهزاء بالعقل الوطني السليم مما أثار تساؤلات عدة وغضبا واسع من قبل النشطاء حول ماهية الإنجازات التي تحققت حتى يتم العودة للاتفاقات السابقة واعتباره انتصار ضمن تبريرات واهية للتغطية على الخطيئة السياسية الكبرى التي ارتكبت فالاستيطان مازال متصاعد وصفقة القرن تتأهب بانتظار صفارة الانطلاق وحكومة اليمين المتطرف تمارس الضم الواسع والتطبيع مستمر ومرشح للمزيد وكم مرة ارتكبت إسرائيل ومستوطنوها الكثير من الانتهاكات للاتفاقيات الموقعة سواء في القدس او الخليل او في باقي إنحاء الضفة الغربية المحتلة

لقد كان أحرى بالسلطة الفلسطينية ان تنتظر حتى تنصيب بايدن ليكون بمقدورها المناورة حول تحقيق بعض المكاسب وفرض شروط تفضيلية للتفاوض والضغط على الإدارة الأمريكية الجديدة بهذا الاتجاه وان لا تقدم على خطوة استباقية مجانية تبدو أنها للاستعراض والاسترضاء فقط ودون البحث عن أي انجازات سيما وان قطع العلاقات مع الإسرائيليين كان نتاج موقف سياسي فمن المفترض ان تكون عودة العلاقات قائمة على تغيير في الموقف السياسي لتل ابيب كأن يعلن النتن ياهو الذي يبني اليوم أمجاده على حساب المستوطنين عن تراجعه عن فكرة الضم والتزامه بحل الدولتين على أساس قرارات الشرعية الدولية رغم استحالة ذلك

الحقيقة ان السلطة الفلسطينية كانت في أزمة كبيرة والكل يدرك ذلك فالأزمة الاقتصادية مع انقطاع أموال المقاصة وتزامنها مع جائحة كورونا خلق واقعا لا يمكن للسلطة الاستمرار في ظله وان قرار العودة الى التنسيق مع الاحتلال واستلام أموال المقاصة يرتبط بشكل مباشر بالإدارة الأمريكية الجديدة والتي قدمت تطمينات للسلطة قبل فوز بايدن بأنها لن تتعامل مع الملف الفلسطيني كمان تعاملت معه إدارة ترامب ولكن الخوف الكبير ان تضطر السلطة الفلسطينية الى تقديم بعض التنازلات للإدارة الأمريكية الجديدة من أجل العودة للمفاوضات مع إسرائيل في مقدمتها إجراء إصلاحات وتعديلات على قانون دفع رواتب الأسرى والشهداء، الذي ترفضه إسرائيل ثم تعليق طلب انضمامها للمنظمات والاتفاقيات الدولية وإجراء تدقيق وفحص حول وجود تحريض في المناهج التعليمية الخاصة بها وذلك كبادرة حسن نية لإدارة بايدن بهدف تجديد الدعم المالي الأمريكي لها وإعادة فتح مكاتب منظمة التحرير في أمريكا الذي إغلاق بأمر من قبل الرئيس الخاسر ترامب

والسؤال المطروح بعد هذه الخطوة هل ستقبل الفصائل الفلسطينية المسلحة التي تواجه الجيش الإسرائيلي بالندية والقدرة العسكرية وهل ان ستظل في مكانها في دوامة المراوحة بعد عودة التنسيق وهي التي طالبت مرارا بوقفه وأقرت ذلك في اجتماعات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية وهي اليوم تدين بشدة قرار إعادة التنسيق والعلاقة مع العدو الصهيوني وتعتبره انقلاب كامل على مخرجات اجتماع الأمناء العامين في بيروت والشراكة الوطنية وهو ضرب لكل القيم والمبادئ الوطنية بعرض الحائط حتى ان البعض منهم عد العلاقات بين السلطة وبين الاحتلال بأنها محرمة ومجرمة وهي تحالف مع الاحتلال بدلا من التحالف الوطني

ومن المفيد ان نذكر هنا بان الإدارات الأمريكية المتعاقبة لا تختلف فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية من حيث جوهر الصراع فجميعها تقف يدا واحدة مع إسرائيل وتحمي وجودها وتضمن تفوقها وتدعم كل مساعيها في مشاريع الاستيطان ومواصلة الاحتلال وتمرير مؤامرات تصفية القضية الفلسطينية وان استمرار الرهان الخاسر على امريكا ومسيرة السلام سيدفع القضية نحو مزيد من المهالك وان الهرولة للشراكة مع إسرائيل لن تفيد شئ ولا بد من تمتين صف الوحدة الوطنية والتمسك بالثوابت وحق المقاومة المشروع كسبيل وحيد لتحرير الأرض واستعادة الحقوق المغتصبة منذ زمن بعيد حيث فلم يبقى من فلسطين التاريخية سوى 22% تحولت جراء سياسات الاحتلال الإسرائيلي الغاشمة إلى أرخبيلات وجزر وسجون لخيرة أبنائها

ولا زال الاحتلال الإسرائيلي ماض في تنفيذ مخططات السلب والضم وبناء المزيد من المستعمرات ومصادرة المزيد من الأراضي بهدف تصفية القضية ومنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة مع كل ذلك يصبح التعهد الخطي الذي قدمته إسرائيل للسلطة لا قيمة له وهو كالعادة مجرد ذر للرماد في العيون

كل هذه الإحداث ومرارتها وتسارعها لم تشكل مفاجأة بالنسبة للجماهير الفلسطينية والتي بحكم تجربتها الطويلة تعودت على تداعيات السياسة الفلسطينية ومخرجاتها المتناقضة ويبقى الرهان الأساسي دوما على الشعب الفلسطيني العظيم صاحب السيادة والحق في تقرير مصيره بقدرته على الصمود ومواصلة النضال وتمسكه بحقوقه الثابتة حتى تحقيق أهدافه الوطنية التاريخية المشروعة
mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات