بومبيو الباحث عن مستقبله في مصنع للنبيذ


في خطوة غير مسبوقة لكنها منتقاة بعناية فائقة وترتيب احتفالي منظم لدواعي تعزيز مكانته لدى المسيحيين الإنجيليين وكسب ود اللوبي اليهودي وغيرهم من مؤيدي إسرائيل إضافة إلى ترويج طموحه ومستقبله الانتخابي للرئاسة الأمريكية المقبلة عام 2024 وفي زيارة وداعية للشرق الأوسط شملت هضبة الجولان المحتلة ومستوطنات في الضفة الغربية المحتلة هدفها الأول التأكيد على مساندة إدارة ترامب للكيان الصهيوني ودعمها للاستيطان في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة

قام مايك بومبيو الأسبوع الماضي بعد وصوله الى إسرائيل بزيارة مصنع للنبيذ في مستوطنة "بساغوت" المقامة على أراضي مدينة البيرة الفلسطينية بالقرب من رام الله في الضفة الغربية المحتلة ومستوطنات أخرى في هضبة الجولان المحتلة ليصبح ( أول وزير خارجية أميركي يزور هاتين المنطقتين ) حيث اعتبرت كل الإدارات الأمريكية السابقة قبل تولي ترامب السلطة ان بناء مستوطنات في الضفة الغربية المحتلة وسيطرة الكيان الإسرائيلي على الجولان السوري المحتل أمرين غير شرعيين وان زيارة بومبيو لمستوطنات فيهما خرق سافر لجميع القوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية وخاصة قرار مجلس الأمن رقم 497 والإجماع الدولي الذي رفض قرار إسرائيل بضم الجولان

إذا بومبيو ( شرب خمورهم فمالت رأسه ووضعوا اسمه على منتج نبيذ فاخر فزاد كبره ) فوثق من جديد الشراكة الأمريكية للاحتلال الإسرائيلي وكرس شرعنة الاستيطان وأعلن أن الولايات المتحدة لا تعتبر المستوطنات الإسرائيلية مخالفة قانونية وفي أواخر العام الماضي ألغى الرأي القانوني لوزارة الخارجية لعام 1978 الذي اعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير متوافقة مع القانون الدولي كما صرح أيضا ان امريكا قررت تصنيف منتجات المستوطنات على أنها " صنعت في إسرائيل " دون الإشارة إلى منشئها الاستيطاني فضلا عن قراره الأخير بتصنيف عدد من المنظمات من بينها حركة مقاطعة إسرائيل " بي دي إس (BDS) " على أنها معادية للسامية

ولندخل وإياكم في بعض التفاصيل عن عوالم بومبيو الشخصية والمهنية بعدما أصبح يصنف من بين أسوأ وزراء خارجية أمريكا على الإطلاق وأضعفهم حنكة وحكمة وأبعدهم عن الحلم والحذر وأضيقهم سعة للصدر والاحتكام للعقل والتروي وأكثرهم سوداوية في تحليل المواقف وقراءة الإحداث وانه صقرا جمهوريا متفردا في عنصريته وتشدده وتهوره واستعراض سطوته وقوته وانه مختال بنفسه حد الغباء والحماقة وما زال أحد أعظم الألغاز المبهمة في فترة ولاية ترامب

غير أن أفضل ما يمكن قوله عن بومبيو هو إنه لم يدخل أمريكا في أي حروب جديدة وبالرغم من جهوده القصوى فغالباً ما كان يلعب دور المناهض للدبلوماسية المصمم على الإهانة والتحريض والمطالبة بعناد والإملاء والتوعد والوعظ والفرض لكن كل ذلك في الحقيقة كان أشبه بفقاعات في الهواء حين نرى النتائج على ارض الواقع حيث نجد سجل ادارته يفتقر إلى أي نجاحات ملحوظة وهو الهدف المبدئي المفترض لسياسة أمريكا الخارجية أولاً ولم يأت بخير يذكر بل جاء بسوء كثير ومنه ما كان غريبا ومتخبطا وشديد القبح
قد تكون أهم مبادرة دبلوماسية اضطلع فيها بومبيو هو الانفتاح على كوريا الديمقراطية حين تولاها في آذار عام 2018 حيث جرى فعلا التخطيط لعقد القمة الأولى لكن المبادرة تعثّرت بسببه في العام التالي في القمة الثانية التي عقدت في هانوي
وقد خسر الكثير من النقاط نتيجة عجز في إبعاد ترامب عن الاعتقاد بأن بيونغ يانغ مستعدة لتسليم ترسانتها بالكامل خاصة بعد أن تخلّىيه عن الاتفاق النووي مع إيران وطالب طهران بالتنازل عن سياستها الخارجية المستقلة مما عزز الاعتقاد لدى كوريا باحتمال إساءة معاملة مماثلة من هذه الإدارة أو الإدارة المستقبلية
المتتبع بدقة للسجل المهني لبوميبو في وزارة الخارجية الأمريكية يجد ان مساوئه أكثر من محاسنه بكثير فعلى سبيل المثال عمل على إحباط رغبة ترامب في الخروج من حروب لا نهاية لها في مناطق مختلفة من العالم وحول ذريعة حقوق الإنسان إلى سلاح سياسي وضحّى بأية مصداقية في هذه القضية فتراه حيناً يبكي وهو يتهم إيران بانتهاك هذه الحقوق وحيناً تراه مرعوباً من الجرائم التي يلصقها بنظام مادورو في فنزويلا والأفظع من ذلك استخدام العقوبات لتجويع شعبي سورية وفنزويلا بغية إجبار حكومتيهما على الانصياع لأمريكا وهذا عمل ليس غير أخلاقي فحسب بل تبين بالتجربة أنه غير فعّال إذ إن كلا البلدين لا يزالان صامدان ولا يميلان إلى الاستسلام قيد أنملة
وربما فنزويلا تعتبر مسألة ذات أهمية جغرافية في نظر واشنطن لكن سورية لم تشكل يوماً أي تهديدا لأمن امريكا لذا كان الأجدر ببومبيو أن يدعم جهود ترامب لإعادة جميع القوات الأمريكية إلى بلاده عوضا عن ان تتصادم اليوم مع القوات الروسية جراء استيلاء الأمريكان غير القانوني على حقول النفط السورية
وفي الحقيقة يمكن تفسير التركيز على إيران والذي يبدو أن بومبيو مسؤول عنه أكثر من ترامب نفسه على أنه تكتيك مرحلي لتحويل سياسة الشرق الأوسط نحو إسرائيل حيث كانت نتيجة التخلي عن الاتفاق النووي مأساوية إذ زاد عناد ورفض الإيرانيون للتفاوض وضاعفوا التجارب وعمليات التخصيب
وقد تولّى بومبيو زمام المبادرة في تغذية ودعم سياسة التفرقة والغزو والحروب في بعض الدول العربية وبهذه الطريقة جعل من الشعب الأمريكي شريك في الموت والتشريد وقد بدت حماقة بومبيو في أوجها من خلال عباراته العبارات المبتذلة في معظم خطاباته
حيث كان على الدوام متخبط وأخرق وعدواني في سعيه المتواصل لشن حملة تقودها الولايات المتحدة على جمهورية الصين الشعبية فلا ريب أن بكين تشكل تحدياً كبيراً لكن الأمر ليس مجرد مسألة أمنية فلا يمكن لأحد ان يعتقد بأن الصين تخطّط لإطلاق أسطول عبر المحيط الهادئ لغزو هاواي مثلا لكن المشكلة الحقيقية تكمن في استمرار واشنطن في التعامل مع مياه آسيا والمحيط الهادئ على أنها بحيرة أمريكية خالصة إلى الأبد
أما فيما يخصّ القضايا الدولية الأخرى المشتركة فمن المعلوم ان امريكا تحتاج إلى العمل بالتنسيق مع القوى الحليفة والصديقة لكن بومبيو بذل قصارى جهده لإبعاد الشركاء المحتملين على سبيل المثال رفضت مجموعة الدول السبع مطالبته بتسمية فيروس كوفيد 91باسم فيروس ووهان وحتى الحلفاء أمثال كوريا الجنوبية ظلوا متوازنين في علاقاتهم مع الصين وقرروا عدم الإصغاء لإملاءات بومبيو التي تعمل على تحويل جارهم الكبير إلى عدو في حين كان بالامكان تحقيق علاقة طويلة ومتفاهمة ومنسجمة من خلال دبلوماسية حقيقية وجادة لكن خيوطها لا تتوفر في شخص مثل بومبيو ذو القدرات المحدودة
وعلى المستوى الشخصي يبدو أن بومبيو أساء استخدام منصبه لتحقيق مكاسب شخصية وأيديولوجية حيث التزم بشدة بإظهار ولائه لبعض دول المنطقة العربية وأعلن حالة الطوارئ لإحباط معارضة الكونغرس في إرسال الذخيرة لجيوشها وقد عرقل تحقيق إداري بهذا الشأن وضغط على المفتش العام وفصله من عمله والمؤكد انه إذا ترك بومبيو طليق العنان فمن المحتمل أن يخلق أزمات معقدة مع إيران وغيرها كفنزويلا والصين وروسيا مما يجلب لأمريكا العديد من الكوارث والإخطار
وربما نسي الوزير بومبيو في خضم سعيه وراء مصالحه أن وظيفته ومركزه لتحقيق مخطّط إيديولوجي شخصي بل من اجل تعزيز مصالح الشعب الأمريكي وإرساء قواعد الأمن والسلم الدوليين وتحقيق التقارب والتعاون بين دول وشعوب العالم مع التركيز بشكل خاص على الدفاع عن حياتهم وأراضيهم وحرياتهم وازدهارهم وهو فشل في كل ذلك
ولنتذكر ان بومبيو ترأس انهيار المفاوضات مع كوريا الشمالية وهزم في حملة الضغط ضد إيران كما عجز عن الإطاحة بنظام فنزويلا وخلال فترته كوزير خارجية قامت الصين بارتكاب إبادة جماعية في إقليم سنجان وقمعت الحريات في هونغ كونغ دون معارضة من واشنطن إلا بعد أن أصبح الأمر متأخر وقد فشل في ملء عشرات الشواغر في وزارة الخارجية وأقال مئات الدبلوماسيين المحترفين في تصفيات حساب سياسية

ونتيجة ذلك لم يحافظ قيادات وزارة الخارجية على مستويات عالية من الصدق والنزاهة وربما لأن بومبيو نفسه تحدى التفويضات القانونية الصادرة عن الكونغرس وتجاوز القوانين التي تقيد مبيعات الأسلحة لبعض الدول وكلف موظفيه بالقيام بمهمات له شخصيا ولزوجته وقام بطرد المفتش العام الذي كان يحقق في انتهاكاته وحيث يطمح بومبيو للترشح للرئاسة عام 2024 عن الحزب الجمهوري فإنه يأمل أن يتحمل ترامب عنه إثم ووزر كل الفواحش والخطايا الدبلوماسية قبل مغادرته البيت الابيض






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات