تحريض العنصريين خيار ترامب الأخير


بعدما اخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخيار المحاكمات والمماحكات للطعن في نتائج الانتخابات الأخيرة وبعد خسارته معظم الدعاوي القضائية في أهم الولايات ألكبري والحاسمة وعقب إعادة فرز الأصوات المعترض عليها لصالح الرئيس المنتخب بايدن إلا أنه لا زال يرفض الاستسلام أو الإقرار بالهزيمة والاعتراف بفوز الرئيس بايدن ناهيك عن زرعه المتواصل للشكوك الزائفة في شرعية الانتخابات واعتبارها مزورة وفاسدة يال العجيب لم يسبق أن شكك أي رئيس أمريكي وهو في منصبه بعملية الاقتراع في بلاده وقبل أربع سنوات رفض ترامب قبول نتائج الانتخابات في حال فوز منافسته الديمقراطية وقت ذاك هيلاري كلينتون

وقد اعتراض بشدة على عملية التصويت من خلال مراكز البريد ووصفها " بالنكتة السيئة " وحتى اليوم لم يتواصل مع بايدن للبحث بشأن أفضل السبل وأكثرها أماناً لتسليم السلطة ولم يجر الاتصال المعهود مع الرئيس الفائز ليهنئه بالنصر أو ليتمنى له التوفيق في مهمة قيادة الدولة الأمريكية

وعلى العكس بدل من تنظيمه حفل انتقال مسؤول وديمقراطي وحضاري يليق بأمريكا كدولة عظمى سارع إلى اتخاذ جملة من الخطوات الهجومية والمعادية بهدف تعطيل وتعقيد طريق بايدن وهاريس إلى البيت الأبيض وقد استمر في توجيه أبشع وأحط وأقذر صور العنفٍ الكلامي عبر تغريداته السوقية المختلفة بتحريض أنصاره على احتلال الولايات والنزول إلى الشوارع والانتفاضة على الديمقراطيين وسلوك منحى الفوضى وتعميم الاضطرابات وذلك بعد سيل جارف من التهديد والوعيد بقصد " التخويف " من حدوث فلتأن امني واحتجاجات فوضوية غير مسبوقة من قبل قواعده الشعبية والتي قد تصل إلى مستوى المواجهات المسلحة الكارثية والحرب الأهلية المدمرة

وما خروج ترامب من البيت الأبيض قبل أيام لتحية مناصريه الذين احتشدوا منذ الصباح الباكر في الشوارع وتجمعوا في ساحة الحرية القريبة من البيت الأبيض لإظهار دعمهم لرفضه الاعتراف بنتائج الانتخابات وتمسكه بالرئاسية الا دليل جديد على عنجهيته وعناده ورغبته في مواصلته الصراع والتحدي حتى النهاية مهما بلغت التضحيات وما تصريحه كذلك قبل أيام على التويتر وهو يطالب أنصاره العنصريين البيض قائلًا لهم ( حرروا ميتشغان حرروا مينيسوتا حرروا فيرجينا وهي الوِلايات الثلاث التي يحكمها ديمقراطيون ألا دعوةٌ فجةٌ ومباشرة لإطلاق شبح الفِتنة ونثر بذور الحرب الأهلية في بلد يعتَبر غابة سِلاح بكل أشكاله وأنواعه

وربما من الإنصاف القول إن 2020 تحول إلى عام انشقاق طويل المجال في المجتمع والشارع الأمريكي أضعف نسيجه وتركيبته وأحاطه بالكثير من المخاطر ومشاعر الهلع بعدما أصبح ترامب يهدد ويتوعد بالمواجهات المسلحة التي قد تجر البلاد إلى ما لا تحمد عقباها في ظرف صعب تبدو فيه البلد على حافة الهاوية بعدما دمرها مرض " كورونا " وأنهكها الانهيار الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والتضخم وانقسامها حول عمليات الإغلاق وحتى ارتداء أقنعة الوجه الواقية " الكمامات" والآن تضطرب مرة أخرى بسبب انتقال السلطة في وقت وحالة مشوبة بكثير من القلق والحذر ازداد معها التخوف الكبير من حدوث أزمة " فراغ سياسي " في الدولة بأكملها وحقيقة ( ما يفعَله الرئيس ترامب غير مسبوق ليس في تاريخ الولايات المتحدة فقط وإنما في العالم الديمقراطي الغربي برمته )

ويبدو ان كرة الثلج المتعلقة " بالفترة الانتقالية " تكبر يوماً بعد يوم وقد أصبحت تشكل عبئاً كبيرا بات يشغل الديمقراطيين وكثير من المواطنين الأمريكيين ودول العالم والجميع يتساءلون ما الذي ستجري به المقادير وقد وصل الأمر بالرئيس المنتخب بايدن إلى توجيه الحديث لترامب بالقول ( سيدي الرئيس أتطلع إلى التواصل معك ) تلاقيا للمزيد من الاحتقان ومن غير أي رد فعل من قبله وكما هو معروف إن ترامب ليس من صنف القادة الذين يمكن التنبؤ بسلوكهم أو التكهن بخطواتهم أو نقلاتهم التالية فإن كثرة من المراقبين والعرافين تجهد نفسها في معرفة ما الذي يمكن أن يفعله خلال الأيام المتبقية له في سدة الرئاسة داخلياً وفي السياسة الخارجية

للعلم هذه ليست هي المرة الأولى التي يهدّد فيها ترامب بتأجيج العنف في الشارع وإشهار العصيان المدني في وجه الدولة من قبل مؤيديه فقد قال كلاماً مشابهاً خلال تحقيقات مجلس النواب في قضية التدخل الروسي بانتخابات العام 2016 وان العديد من الداعمين له في عد ة ولايات أميركية الذين يهدد ترامب بهم خصومه يشكلون مزيج من تحالف العنصريين البيض ومن أتباع الطائفة الإنجليكية المحافظة وقوى الضغط الفاعلة وأعضاء جماعات ( المحافظون على العهد ) و( أوث كيبرز ) و( الأولاد الفخورون ) و ( براود بويز ) وجميعهم من المطالبين بحرية اقتناء السلاح وحمله وهم مستعدون للنزول للشوارع لتأييده واستخدام العنف المفرط للمطالبة بأربع سنوات أخرى لحكمه وفرضه كرئيس من جديد حيث لهم تاريخ دموي اسود في عدة أماكن ضد المهاجرين ألاتينيين ومراكز لأقليات الدينية والعرقية وترامب يمتلك تأثيرا كبير على جميع عليهم وعلى القواعد الشعبية للحزب الجمهوري وان تداعيهم الحاشد للمظاهرات وعدى عن الاستفزاز والمصادمات التي قد تحدث فانه سيؤدِي حتما إلى توسيع انتشار الفيروس وازدياد عدد الإصابات

أنصار ترامب المنظمون للمظاهرات في الشوارع والميادين أطلقوا عدة أسماء على مسيراتهم الحاشدة من بينها ( مسيرة من أجل ترامب ) و( أوقفوا السرقة ) و( مسيرة المليون ماجا ) وهي كلمة ترمز بالأحرف الأولى إلى شعار حملة ترامب الانتخابية ( اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى ) وكان ترامب يتطلع إن يصل عدد المشاركين في مظاهرات واشنطن لوحدها إلى مليون شخص وفي خيبة أمل جديدة تلقاها لم يزيد عددهم في الواقع عن 10000 ألاف فقط

معظم المحللين السياسيين والمراقبين وحتى بعض أعضاء من الحزب الجمهوري يجدون في تصرفات ترامب وبعض الصقور في البيت الأبيض من خلال إشعالهم نار العداء والانقسام بين الأمريكيين وتفجير قنبلة ِالفتنة العرقية والأيديولوجية داخل المجتمع الأمريكي وتسريع سحب القوات الأمريكية من مواقع مختلفة في العالم ربما تهدف إلى توريط الإدارة الجديدة وعرقلة عملها إضافة إلى صرف انتباه الشعب الأمريكي عما قد يقدمون عليه في الخارج من حروب وكوارث خاصة في الشرق الأوسط من خلال فرض عقوبات جديدة على إيران أو مفاجئتها بضربة عسكرية عاجلة ( ضربة مقفي كما يقول المثل الشائع ) وذلك لقطع الطريق على بايدن من إمكانية ترميم العلاقات الإيرانية الأمريكية مرة أخرى

ومن اجل مزيد من المناكفة والمحاصرة رفض ترامب تزويد بايدن وفريقه للأمن القومي بالمعلومات الاستخبارية اليومية وأي معلومات سرية أخرى يحق لهم قانونا الحصول عليها ولا يزال التبادل الحيوي للمعلومات والخبرات التي من شأنها المساعدة في مكافحة فيروس كورونا وتحفيز الاقتصاد متوقفة بالكامل وكأن ترامب مصمم على تدمير نهائي للديمقراطية والأمن القومي والنظام العام في كافة الوِلايات الفيدرالية الأمريكية

لقد أصبحت معركة انتقال السلطة بين إدارتي ترامب وبايدن تشير بشكل واضح إلى أن ترامب لن يترك البيت الأبيض بهدوء وسلام ولن يستسلم بسهوله كما قال (جون بولتون مستشاره السابق لشؤون الأمن القومي ) ومن اللافت ان المظاهرات بدأت تعمق الخلافات وتأزم المواقف وان المخاوف من لجوء ترامب الى قاعدته الشعبية وجماهيره الموجهة والمعبئة بالكراهية والأحقاد ورغبة الانتقام باتت أمر حقيقي مفزع في بلد محتقنٍ ومتصدع ومنقسم عنصريا وعِرقيا ينتظر فقط عود ثقاب ليشتعل فإذا انفجرت هذه المظاهرات بزخمها فلا توجِد أي ضمانات بإمكانية السيطرة عليها ووقفها خاصَةً في ظِل الظّروف الحالية الصعبة والمعقدة

إن اضطرابات فترة الانتقال التي نتابع اليوم إحداثها بكل التفاصيل تذكرنا بما حدث عام 2000 عندما تم اللجوء إلى المحكمة العليا لتفصل في النزاع بين الرئيس بوش الابن والمرشح آل جور بسبب الاختلاف على نحو 500 صوت أو يزيد قليل وهاهي المشكلة والمعضلة تكرر بشكل أعقد وأشرس وضمن مناورات مكابرة وتعنت مكوكية وهزلية من ترامب والتي لن ينفعه منها شيء وسوف يتنازل في النهاية عن سدة الحكم ويرحل طوعا أو كرها مهما طال الزمان أو قصر ولن يكون ذلك ابعد من يوم 20 كانون الثاني 2021 يوم تنصيب الرئيس الجديد حيث سيذهب ترامب إلى مزرعته الخاصة ولن يعود إلى البيت الأبيض كما أنه لن يحضر حفل التنصيب الرئاسي وكل ذلك مرهون بعدم حدوث أي تطورات جديدة ومتسارعة في عموم المشهد الانتقالي للسلطة تغير من التوقعات المطروحة
mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات