صوتك أمانة فامنحه بالحـق


سؤالٌ دائماً ما يُوجّه لي من قبل الكثيرين ، كيف ترى الجو العام للانتخابات؟ وما النتائج التي تتوقّعها؟
وقد وقفتُ كثيراً عند مثل هذه الأسئلة ، وأخذتُ أستغرقُ في قراءة الخارطة الانتخابية للمحيط الذي أنتمي إليه ، لأبني استقراءً حيادياً ومنطقياً أقربُ إلى الصَّوابِ منه إلى التَّوقع ؛ فالأيام القليلة التي تسبقُ موعد الانتخاب ليست حاسمة ، ولا تُعطيكَ القدر الكافي من المعلومات للحسم ، كما أنَّ النتائج ستكون ناتج إجماعٍ بشري مكونٍ من خليط من الأفراد ، وهؤلاء ليسوا ماكناتٍ تعملُ بأزرارٍ ، إنما هم تكوينٌ خلقي يؤثرون ويتأثرون بكل التجاذبات والتقلبات والتناقضات التي تنعكسُ في داخلهم ، ويبقوا كذلك حتى لحظة الامساك بالقلم لاختيار مرشَّحهم في مركز الاقتراع ؛ مما يضع عملية التَّوقع رهينة الغيبيات ، التي لا يعلمها إلا الله جلَّ في علاه.
أما استقراء الحالة الانتخابية هنا وهناك ، من خلال اعتماد بعض المعطيات المرئية والمسموعة ، فنسبة الصدق فيه ليست عالية أيضاً ، ذلك أنَّ التصريحات المتداولُة بين الأفراد بشأن قائمة أو مرشحٍ ما قد تكون دعائية ، وقد تأتي من زاوية الدعم الوهمي إرضاءً لطرفٍ ما أو كسب ودّه ، وأحياناً تقع في مرمى الحرب النفسية للطرف الآخر ، لإيقاع اليأس بين صفوف مؤازريه ، وصرفهم عنه إلى غيره ؛ لهذا يكون حسم النتيجة بنسبةٍ عالية بحاجةٍ إلى سويّة تامة لمعايير الضبط العليا للأفراد المؤهّلين للاقتراع ، والتي على كل مرشح أن ينظر من خلالها ويأخذها بواقعية ، حتى لا يجد نفسه على بوابة قصرٍ من الرّمال ؛ والتي أذكر منها:
أولاً : صدق العهد والوعد مع الله
فمن عاهد مرشّحاً أو أقسم له يميناً أو أعطاه وعداً ، لابدّ أن يبرَّ بما عاهد ووعد وأقسم ، وأن يمنحه صوته ، وذلك مصداقاً لقول الله تعالى : "وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً" ، حتى لا يكون ممن لا نصيب لهم من رحمة الله ، كما قال الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ".
ثانياً: صدق الضمير
فكما هو التّصويت حق لكل مواطن بموجب الدستور ، فإنّ أداء هذه الحق أمانة في عنق صاحبه ، يُسأل عنه يوم القيامة ؛ لأنّ هذا الرقيبُ الخفي "الضمير" هو المحرك الفطين في الذَّات ، والحَكم العدل الذي يُحاسب صاحبه فيما لو مالَ عن الحق ، وانجرَّ خلف غاية دنيوية أو نفاقٍ زائف ؛ وطالما أنّ الضمير الحي يمنح الانسان قدرة معرفية وعقلية على تمييز الغثِّ من السّمين ، فإنّ منح الصوت لمن يستحقه مهمة يحسمها الضمير اليقظ ، حتى لا يشعر أحـد بموت ضميره بعد فواتِ الأوان ؛ فإنْ أرضيت ضميرك بالحق بعيداً عن تجميل صورة الباطل أمامك ، أرحت نفسك ونجوت من عقوبة التأنيب.
ثالثاً: الوضوح وعدم المراوغة
يتّبع بعضُ الناس أسلوباً مبهماً ووسائلَ غير مرغوبةٍ في التعامل مع الآخر ، تتباين بين المدح والثناء والنفاق والمداهنة والخداع ، وهذا بلا شك نفقٌ مظلمٌ لا يأتيه إلا هواة التّملق والتسحيج والفتنة ؛ فسياسة الغموض لا تؤدي إلا إلى كثيرٍ من الغموض ، ولا تُنبت في النفوس إلا اليَبَس ؛ وبالتالي يجب أن يكون النقاء وصفة القلوب والعقول ، ومجانبة المكر والنصب والتّلاعب هاديها إلى القناعة التي تُبنى على المرشَّح كبرنامج وعنصرٍ وطني فاعلٍ ذو أثرٍ وتأثير ، وصاحب قدرة على خدمة الوطن كأولوية عليا ، وليس ذلك المرشَّح المتردُّد المرتجف ، الذي لا يريد من سباقه إلى البرلمان سوى عباءة المنصب.
ربما يصعبُ على كثيرٍ من أبناء مجتمعاتنا اتباع أسلوب المصارحة والمواجهة لأسباب تتعلق بثقافة الاحترام والقيم والروابط التي تحكمهم وتتحكم فيهم ، وعدم التّقليل من شأن أحد ؛ وهذا معقولٌ جداً ، على أن لا يأخذ صاحبه إلى الثقافة المعاكسة القائمة على الخداع والنفاق.
ولأنَّ الوطن هو همُّنا الأكبر ، وبناءه ورفده والاخلاص لقضاياه هو الهدف الأول لكل منتمٍ لأرضه ، فإننا لن نصلَ إلى ما نريد إلا إذا حكَّمنا هذه المعايير – كما أرى – وجعلناها المؤشرات الرئيسة التي تكتب قبل أقلامنا على ورقة الاقتراع ؛ وإلا نكون أمةً لا تقرأ جيداً ولا ترى جيداً ، ونعيشُ دور أعمى البصر والبصيرة لا أكثر.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات