عبد الله التل العربي الوحيد من بين قادة تحرير القدس


تُعد مدينة القدس من أقدم المدن التاريخية، ويقدر العلماء تاريخها الى ما قبل خمسة آلاف عام، وقد أطلق عليها في بادىء الأمر؛ أور سالم، وحرفها اليهود الى أور شاليم، وتعني بالكنعانية؛ مدينة السلام، أو يورشالايم، وتعني بيت المقدس.

قبل البدء بتفاصيل التقرير علينا أن نسجل الملاحظات التالية؛ كمدخل أولي للتقرير:

أولاً: ذكر كتاب التوراة (المقدس) عند اليهود، دون أن نخوض في مسألة تحريفه؛ كلمة القدس بأسماء مختلفة، حوالي (680) مرة.

ثانياً: الكنعانيون أو اليبوسيون، وهم جزء من القبائل الكنعانية، كانوا أول من سكن مدينة القدس، وأطلقوا عليها إسم يبوس، حوالي (2500) عام قبل الميلاد.

ثالثاً: الحكم اليهودي، حيث دام حكمهم للقدس، (73) سنة، وذلك في عهد الملك داوود الذي حكمها مدة (44) سنة، وحكمها الملك سليمان مدة (33) سنة.

رابعاً: احتلها نبوخذ نصر وضمها لمملكته، وهو من أصل فارسي، قبل الميلاد بستة قرون تقريباً، واحتلها الإسكندر المقدوني اليوناني، قبل الميلاد بثلاثة قرون وثلث القرن الرابع.

خامساً: احتلها الرومان عام (63) قبل الميلاد، وفي الفترة من عام (66 إلى 70) ميلادي؛ قام اليهود في القدس بأعمال شغب، وعصيان مدني، فعمل الحاكم الروماني تيتوس على قمع الشغب بالقوة، حيث أحرق المدينة، وأسر آلاف اليهود، وأعاد الأوضاع إلى طبيعتها، ثم تمرد اليهود مرتين عام (115 و 132) ميلادي، وتمكنوا من السيطرة على المدينة، إلا أن الإمبراطور الروماني هدريان تعامل معهما بعنف شديد، وأسفر ذلك عن تدمير القدس للمرة الثانية، وأخرج اليهود منها، ولم يبقي إلا النصارى، ثم أمر بتغيير اسم المدينة إلى إيليا، واشترط ألا يسكنها يهودي.

سادساً: سقوط القدس بيد الإحتلال الفارسي للمرة الثانية، وذلك بعد انقسام الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين متناحرين، عام (395) ميلادي، هذا التناحر شجع الفرس على احتلال القدس، (من عام 614 إلى عام 628) ميلادي، ثم استعادها الرومان، وظلت بأيديهم حتى الفتح الإسلامي عام (636) ميلادي.

- أول سقوط لمدينة القدس كان بيد الصليبيين عام (1099) ميلادي، بعد خمسة قرون من الحكم الإسلامي، نتيجة صراعات على السلطة بين السلاجقة أنفسهم، وبينهم وبين الفاطميين، والسلاجقة هم من العرق التركي الأصلي.

الصليبيون؛ وفور دخولهم القدس؛ قتلوا حوالي (70) ألفاً من المسلمين، لم يرحموا شيخاً، ولا امرأة، ولا طفلاً، ودمروا المساجد، والكنائس، ونهبوا المدينة كما فعل الشيطان هولاكو ببغداد، عندما دخلها ودمرها بالكامل، وقتل من سكانها قرابة المائة ألف نسمة، وهناك روايات تقول أن العدد أكبر من ذلك بكثير، وبعد احتلال القدس؛ قامت منذ ذلك التاريخ مملكة لاتينية، بقيادة ملك، فرض الشعائر الكاثوليكية على الأرثودكس وهم رعاة الكنيسة الشرقية.

بقيت القدس تحت الإحتلال الصليبي حوالي (186) سنة، وقد حررها صلاح الدين الأيوبي عام (1187) ميلادي، وهزم الجيوش الصليبية شر هزيمة، ربما لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، لكنه لم يقتل، أو يعاقب، أو يسبي، أو ينهب كما فعل أتباع الصليب عندما دخلوا القدس، عام (1099)، بل سجل من المكرمات ما جعل الغرب كله يتحدث عن تسامح الإسلام، وعن عظمة هذا القائد، وهو بالمناسبة، ليس من العرب.

إذن أول محرر لمدينة القدس كان مسلماً لكنه ليس عربياً، وصلاح الدين الأيوبي ينتمي إلى عائلة كردية، كريمة الأصل، وعظيمة الشرف، تنتسب إلى قبيلة كردية تعدُّ من أشراف الأكراد نسباً، وعشيرة، ومكانةً، وهذه العشيرة تعرف بالرَّوادية، تنحدر من بلدة تقع على حدود أذربيجان، بالقرب من مدينة تبليس في أرمينية.

- وقعت القدس تحت الإحتلال الصليبي مرة ثانية، بعد وفاة صلاح الدين الأيوبي، لمدة أحد عشر عاماً، ثم جاء الملك الصالح نجم الدين أيوب وحررها من الأسر، وطردهم الى بلادهم عام (1244) ميلادي.

والملك الصالح نجم الدين أيوب، هو إبن الملك الكامل محمد، إبن الملك العادل شقيق صلاح الدين الأيوبي، سلطان مصر والشام في ذلك العصر من عمر الدولة الإسلامية، وكان قبل توليه الحكم الإسلامي في القاهرة؛ تابعاً للأتابك نور الدين زنكي، أحد أهم، وأعظم قادة الإسلام الذين أخلصوا في تبعيتهم للخليفة العباسي ببغداد، حينما كانت الخلافة العباسية تبسط سيطرتها على أكثر من ثلثي الكرة الأرضية، بفضل من الله جل وعلا.

- تعرضت مدينة القدس كغيرها من بلاد الإسلام، للغزو المغولي عام (1243)، لكن المماليك هزموهم بقيادة سيف الدين قطز، والظاهر بيبرس البندقداري في معركة عين جالوت، عام (1259) ميلادي، وضمت دولة المماليك في القاهرة، بلاد الشام كلها بما في ذلك مدينة القدس.

يعود أصل السلطان قطز الى خوارزم، ويذكر التاريخ أن قطز هو إبن قائد الجيوش الخوارزمية، وبعد صراع مع التتار انهارت الدولة الخوارزمية، وبيع كثير من الأمراء والأميرات كعبيد، ومن بينهم كان قطز الذي اشتراه الأتابك عز الدين أيبك، وجعله نائباً له بعد أن أصبح شاباً، ومقاتلاً بارعاً، ويعود الفضل للسلطان المظفر قطز بهزيمة جيش كتبغاً المغولي، وإنهاء أسطورة وسطوة المغول في عين جالوت.

أما السلطان بيبرس فيعود أصله الى المماليك، وهم من العبيد الذين تم بيعهم للمسلمين، وسموا فيما بعد بالمماليك البحرية، وقد بدأ عهدهم بشجرة الدر، وهي من المماليك، تزوجها الملك الصالح، وحكمت مدة (83) يوماً بعد وفاته، حتى أجبرها الخليفة العباسي على اتخاذ قرار التنازل عن الحكم لرجل، أو يقوم هو بتعيين حاكماً على مصر، فاضطرت للزواج من الأتابك عز الدين أيبك، ونصبته سلطاناً على مصر، وعين قطز نائباً له، ويُعد السلطان بيبرس الرجل الخامس في حكم المماليك لمصر والشام، بعد السلطانة شجرة الدر، والسلطان عز الدين أيبك، والسلطان المظفر قطز، والسلطان الصغير علي بن أيبك، وحكم المماليك البحرية مصر وبلاد الشام من عام (1250 إلى عام 1382).

أما في العهد المملوكي الثاني؛ جاء المماليك البرجية، وبدأ عهدهم بالظاهر برقوق عام (1382)، وانتهى عهدهم على يد العثمانيين في معركة الريدانية، وإعدام السلطان طومان باي آخر سلاطين المماليك الجراكسة، على يد السلطان سليم الأول عام (1517)، وقد حكم المماليك الدولة الإسلامية من القاهرة، فترة طويلة من الزمن بلغت حوالي (132) سنة للفترة الأولى من حكم المماليك البحرية، وحوالي (134) سنة، للفترة الثانية من حكم المماليك البرجية، يعني (266) سنة لحكم المماليك بالكامل.

دخلت القدس في عهد الإمبراطورية العثمانية؛ بعد معركة مرج دابق قرب حلب، بقيادة السلطان العثماني سليم الأول عام (1516)، والذي هزم من خلالها السلطان المملوكي قانصوه الغوري، وبقيت القدس مدينة إسلامية تستظل تحت العلم العثماني الى أن سقطت فلسطين بيد الإنجليز، بعد خمسمائة سنة تقريباً من الحكم الإسلامي التركي، وظلت القدس تحت الحكم العربي مدة تسعة عشر عاماً إلى أن سقطت فلسطين كلها، إضافة الى القدس بيد الاحتلال الصهيوني عام (1967).

بعد هذا السرد، والتوثيق التاريخي للمراحل التي مرت بها القدس؛ منذ التقويم الميلادي، وما قبل الميلادي، تبين معنا ما يأتي من حقائق:

أولاً: تُعد القدس واحدة من أهم مراكز الصراع في العالم، منذ ما قبل الإسلام بمئات السنين، وخلال عصر الدولة الإسلامية التي انتهت بسقوط العثمانيين في أوروبا، ومنطقة الشرق العربي، وإفريقيا، وهزيمتهم أمام جيوش الثورة العربية الكبرى، بقيادة الشريف حسين بن علي (رحمه الله).

ثانياً: سقوط القدس بيد الإنجليز، بعد تحريرها لمدة خمسة قرون مضت، ووقوع فلسطين والأردن تحت الإنتداب البريطاني فترة من الوقت، إلى أن قامت الدولة اليهودية على جزء مهم من فلسطين المحتلة.

ثالثاً: عبد الله اليوسف التل، هو القائد العربي الوحيد من أصول عربية شريفة؛ استطاع أن يطهر القدس من الوجود اليهودي، وطردهم الى منطقة يسمونها القدس الغربية، وظلت القدس والضفة الغربية بيد العرب مدة تسعة عشر عاماً، لم يقم فيها أي شكل من أشكال الحكم من قبل سكانها، أو من قبل القيادات الفلسطينية، دون معرفة السبب الحقيقي وراء هذا الإهمال، وتضييع الحقوق السياسية، والعسكرية، والاجتماعية.

على كل حال، نود أن نؤكد على أن جميع القيادات التي حررت القدس منذ قرون عديدة مضت، كانت قيادات إسلامية، لكنها غير عربية، حتى جاء قائد عربي مسلم وأردني تحديداً، عمل مع أفراد وضباط الكتيبة السادسة، على تدمير الحي اليهودي، وتكنيس اليهود من القدس، والمحافظة عليها حوالي عقدين من الزمن، وظل يتحسر وهو منفياً في القاهرة على ما صنعه من إنجازات، ضاعت كلها بفعل التخاذل، ربما لن تتكرر في التاريخ العربي، ولو بعد عشرات، أو مئات السنين، لأننا نواجه عدواً غضب الله عليه بسبب عناده، وإصراره على الكفر، والتعدي على حقوق الآخرين، ومحاربة كل أشكال الإنسانية.

رحم الله القائد العظيم، الإنسان، عبد الله يوسف التل الذي تحدث عنه الغرب، واليهود، وأنصفوه قبل أن ينصفه العرب، بالرغم من أنه كان يشكل لهم عقدة العقد قبل الإحتلال الأول والثاني لفلسطين.

انتهى التقرير بحمد الله جل وعلا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات