المحافظ رائد العدوان وصراحة الشجعان


لقد تعمدت طيلة وجود المحافظ السابق الدكتور رائد سامي العدوان في مواقع العمل والمسؤولية المختلفة أن لا اكتب عنه ولا حتى أن اعلق على ما كان يكتب عنه في مواقع التواصل الاجتماعي المتنوعة حتى لا يقال يوما أنني أتزلف أو أتملق أو أن لي غاية أو مصلحة شخصية أنشدها منه ولولا أنه غادر موقعه منذ 28/ 8/ 2019 ما كتبت عنه أبدا

ولكنني اليوم وبعد إحالته على التقاعد منذ هذه الفترة الطويلة وعلى ضوء استضافته الأخيرة قبل أيام على قناة صوت المملكة ودون أي رغبة منه في الإثارة أو تقمص البطولات وانتحال المواقف قال بكل وضوح ومسؤولية ( بان أحد وزراء الداخلية وأثناء عمله محافظ للزرقاء أعاده من بيته في الساعة الثامنة مساءا لتكفيل شخص اعتدى على رجال الأمن ويعمل بتهريب البضائع من المنطقة الحرة في الزرقاء وهو من أرباب السوابق المعروفين )

كما استمعت جليا لما تحدث به عن معاناته الكبيرة في محافظة جرش حين خرجت ضده مظاهرات واعتصامات لأنه رفض تكفيل بعض الخارجين عن القانون او الإفراج عنهم وأكد ان وزير الداخلية في حينها كان إلى جانبه ويؤيده في ذلك كما بين أن بعض النواب كانوا يضغطون لتكفيل الخارجين عن القانون حيث يبدأ الضغط من قبلهم لدى الحاكم الإداري ثم يصل الى الوزير وأشار الى انه ( عندما يأتيك تلفون من الوزير بدك تكفل ) وحمل والواسطات والمحسوبيات مسؤولية تكفيل الأشخاص الخارجين عن القانون مؤكدا أنه يتحمل كامل المسؤولية عن كل كلامه

وفي زمن أصبحت فيه أعظم الأشياء رخيصة وأضحت المبادئ والمفاهيم تحمل معاني آخري فالكذب أصبح مجاملة والنفاق ولبس الأقنعة شطارة والتلون وتغيير المواقف والمبادئ براغماتية وكلمة الحق ظلت غريبة وعزيزة وغالية والكثيرون يخافون من ثمن ضريبتها أو يستحون من قولها وإشهارها وبناء على ذلك سأتحدث هنا عن أمور شاهدتها ولمستها ونقلت إلي ممن أثق بهم وإلاّ فالدكتور رائد العدوان لا تعوزه شهادة مني أو من غيري فهو رجل وطني معروف كابر عن كابر وإنما أردت بمقالي هذا تذكير الناس بشيء من مواقفه وشمائله وأدواره وسجاياه الطيبة وخصاله الكريمة ولفت أنظار البعض بألاّ يكونوا تبعا لكل بوق يحاول النيل من أي من الهامات الوطنية المخلصة التي نحن بأمس الحاجة الى ما تقدمه من أعمال وأفكار كبيرة تخدم هذا الوطن المنهك في وقت شديد الحساسية والدقة

الدكتور العدوان بروحه الشابة الطموحة والإنسانية الوادعة على الدوام استطاع كسر رتابة الصورة النمطية للحاكم الإداري المحشور ببدلته الرسمية وملامحه الجافة والمحنطة و نظراته الجامدة المخيفة والتي يستقوي بها على الناس من خلال سلطته الرسمية حيث تمكن هذا المحافظ بوعيه وحنكته من إلغاء المسافات الأمنية مع الناس ورسخ سلطة الإنسانية والأخلاق التي نجاح بها الى أبعد الحدود على مدار خدمته العامة إلا انه لم يتجاوز حدوده يوما كرجل عف اللسان يتورع عن الإساءة للغير لكنه لا تنقصه الشجاعة في أشرس المواجهات ورفع سوية التقدير والمحبة والتي تبقى راسخة في الوجدان الشعبي حتى بعد ذهاب المسؤول وقد كان خير سفير يطبق رؤى وتطلعات جلالة الملك على ارض الواقع بدعمه المتواصل لتمكين الشباب ورفع معنوياتهم وفتح المؤسسات العامة إمامهم لمساعدتهم في تأدية دورهم الطليعي المطلوب واهم ما ميز هذا الرجل انه شرع أبواب الحوار المشترك وخلق الثقة المتبادلة بين المواطن والمسؤول

وقد ظل المحافظ العدوان يستخدم العبارة والكلمة في محلها أدبا واحترام لا ترى فيه كللا ولا مللا حيث شكل مثالاً يحتذى به للمثقف المستنير بالعلم والتجربة والجد والاجتهاد في صناعة المستقبل والنجاح حيث كان مسؤولا من طراز فريد في الصدق مع الذات واعتماد الجرأة والمجاهرة في قول الحق دونما انتظار لأي مقابل وهو صاحب ثقة عالية بالله والنفس وذو شخصية قوية وحضور متميز وسعة صدر ورزانة وهدوء وقدرة فائقة على التحمل والعطاء وبناء العلاقات العامة وقد بقي في كل النهايات شامخا ومتواضعا بنخوته الأردنية الأصيلة حيث عمل بأمانة وكان ولا يزال كما هو عند حسن الظن ومكان ثقة الجميع وكما يقول المثل الشعبي ( الي في الرجال بينعد) وقد خلف وراءه رصيدا وطنيا رائعا وقصة شجاعة نادرة ولم يطأطأ رأسه خوفا على رزقه أو منصبه كما هي مواقفه دائما حيث زرع الأمل في النفوس الباحثة عن الحقيقية في كل كلمة نطق بها في اللقاء المذكور وهو يقدم المثال الحي لرجل الدولة الذي يجب أن لا يلجأ للصمت أو يقدم شهادة زور حينما يتعلق الأمر بسلامة المجتمع وحماية الوطن وامتهان حياة وحقوق وكرامة الناس من قبل فئة تمارس البلطجة والترويع والإجرام بحق البسطاء في حياة كريمة والتي تمر من تحت أعين وبصر دوائر الرقابة المعنية والحكومات المتعاقبة من خلال بعض وزرائها المتسلطين والمتيبسين والجامدين والعاقدين الحاجبين والمتأففين دوما

الجميع يتحدث باستغراب كيف تدار مؤسسات الدولة وهي ( تقتل علنا فرسانها وتغتال كفاءاتها ) في ظل عقول تصر على أنها هي وحدها الوطن والنظام والقانون وجلالة الملك يطالب بان يكون للشباب والدماء المتجددة في مواقع مهمة ومتقدمة في صناعة القرار وشباب في عز العطاء يحالون على التقاعد المبكر دون سابق إنذار ومن غير طلبهم العدوان مثلا عندما أحيل الى التقاعد كان عمره بحدود (48) عام مقارنة بغيره من موظفي وزارة الداخلية فهو ( مواليد عام 1970 ولم يتجاوز الخمسين من عمره بعد وخدمته لم تتجاوز العشرين عام ) وهو في قمة العطاء وفي دولة المؤسسات شباب واعد يتقاعدون في عز العطاء وهم في ريعان العمر بينما لا يزال الحاصلون على الضمان المبكر والشيخوخه وغيرهم يتربعون دون اي اكتراث في مواقع المسؤوليه وقد بلغوا من العمر عتيا وأصبحوا على أبواب الزهايمر والخرف ثم يعودون الى المناصب والوزارات ليديروها بعقلية بيروقراطية متخلفة وتحكم عرفي مطلق وبأسلوب شخصي محض مما بين بكل وضوح كيف يتحكم الرجل الأول في وزارتِه وأننا نطالب عاجلا بتشكيل لجنة تحقيق محايدة حول تلك القرارات ومسائلة الوزير المعني عن تلك التوجيهات والتدخلات والارتباطات الخفية مع من يديرون ويتوسطون لأعضاء هذه الشبكات والعصابات المنحرفة

لا شك ان قرار إحالة العدوان على التقاعد كان مزاجيا ومتسرع وغير مدروس أو مبرر وقد فاحت منه في وقته رائحة الخلافات والمشاحنات لمعارضته بعض قرارات الوزير إضافة إلى شبهة الاستهداف والانتقام وتصفية الحسابات حيث لازال الوطن بحاجه لخبراته ومعرفته سيما وان سجله الوظيفي كان عامرا بالعطاء والعمل الإداري المبدع من خلال الدقة والصدق والالتزام بالإضافة الى سياسة الباب المفتوح التي انتهجها وتسهيل الأمور بما يسمح به القانون والتعامل مع الجميع سواسية دون تمييز أو محاباة وقد اثبت من خلال جميع المسؤوليات التي تولاها جدارة وحكمة ورجاحة عقل فضلا عن انه كان يتحلى بصبر عجيب وجلد غريب وقد وصف بأنه عملي وميداني ومشهود له بالتفاني وحب الوطن وقد اتسمت حلوله للمشاكل والقضايا بالبعد الإنساني القادر على الوصول الى القلوب مما مكنه من التشبيك مع المجتمعات المحلية وقد حول مكتبه إلى خلية أزمة في كل الإحداث التي واجهها الوطن ليتجنب بحنكته السياسية وقدرته الادارية أية مشكلة من الممكن ان تؤثر على أمن وسلامة ابنائه

ما نقوله هي الا كلمة حق ندونها هنا ارضائاً للضمير بأن رجل بحجم الدكتور رائد العدوان ينبغي ان يفتخر به الوطن وتستفيد منه المواقع ويستحق منا على أقل تقدير أن نشير ولو إلى شيء بسيط مما قدمه من أعمال وطنية وإنسانية تدفع عنه أي تشكيك أو اتهام في غير محله او مبالغ فيه

وستظل محافظة الزرقاء وأبنائها الشرفاء يستذكرون بكل التقدير والإجلال والوفاء عطاء الدكتور رائد العدوان وإسهاماته المعطاءة التي كان لها الكثير من المتابعين والمعجبين لأنه كان له مدرسته الخاصة في رسالة العمل الإداري المنظم الفاعلة والناجحة وكم نحن بحاجة اليوم إلى تعميم هذا النموذج حيث يدرك المسؤول أن قيمة إنجازه الحقيقي تتمثل بقربه من الناس من خلال كسر الحواجز الوهمية بينه وبينهم وهذا يعكس مرة أخرى مدى الاحترام و التقدير الذي تركه العدوان حين غادر موقع عمله الأخير أمين عام لوزارة الداخلية وهو مسنود بهذا الدعم الشعبي الكبير ما يؤهله لتبوء مركز اكبر في المستقبل القريب ان شاء الله لان خروجه فعلا شكل خسارة كبيرة لإدارة الحكم الإداري والمحلي لما عرف عنه من التزام ومثابرة وحسن إدارة خصوصا وان الرجل كان يفضل باستمرار الابتعاد عن الأضواء والاستعراض حيث كان يرى نفسه جزءا من فريق عمل متكامل في الدولة فلم يسعى يوما إلى تبرئة ساحته من بعض الأخطاء رغم أنه كان يمتلك أدلة كبيرة وكثيرة على أنه قام بالدور والواجب المنوط به بكل امانة وجهد وإخلاص

ولازال الكثيرون من أبناء الزرقاء وغيرها يحتفظون في أرشيفهم الشخصي بتسجيل فيديوا قديم للمحافظ رائد العدوان مع احد الأطفال من أبناء الزرقاء الذي طلب الدخول الى مكتبه ليطلب منه ان يقوم بتكفيل عمه حيث استقبله بكل ترحيب وحفاوة بعيدا عن بروتوكلات البرستيج والمظاهر الإدارية المعقدة ولم يعتبر أن منصبه اكبر من حال طفل برئ نشد لعمه الحرية حين سمع منه وعامله معاملة الكبار ولبى طلبه وفرح قلبه وكأنه يتعامل مع شاب كبير او رجل مدرك حيث جبر خاطره وعزز معنوياته

نقول للدكتور رائد العدوان الله يعطيك العافية ويكفيك شرفا وفخرا أنك عدت إلى أهلك و بيتك واسرتك وأنت مرتاح الضمير بعدما أديت واجبك بأمانة ونزاهة و إخلاص متطلعين بحول الله أن نراك قريبا في موقع آخر يليق بك عدلا وكفاءة فمثلك يحتاجهم الوطن في المراكز القيادية والوزارية المتقدمة وسيدرك عقل الدولة الموجه حقك يوما ما وسيبقى ( كل وطني صادق ومخلص مثلك ) محل تقدير وإعجاب الشعب بأسره ولا يفوتنا أخيرا ان ننوه الى الطريقة غير اللائقة التي تم تبليغ المحافظ العدوان قرار إحالته على التقاعد حيث أجرى المدير الإداري للوزارة اتصالا هاتفيا معه مساءا وهو في بيته وبين عياله وابلغه أنه تم إحالته إلى التقاعد وكأن ( ديدن الحكومات المتعاقبة يقول كل مخلص للوطن يجب إقصاءه )

وفي النهاية اعلم جيدا أننا دولة مؤسّساتٍ لا تتوقّف مسيرتها على وجود شخصٍ أو غيابه وإن ما قمتُ بتسطيره عن الدكتور العدوان ما هي إلا مجرد كلمات عابرة ربما لا تفيه حقه تقديرا واعتبار ولكنها قد تمثل جهد المقل أمام بعض الوفاء باسم الكثيرين من الأوفياء الذين واكبوا عمله ونجاحه وأحبوه وآزروه بشعبية حقيقية جارفة لا زالت تتعاظم أسال الله له العمر المديد و الصحة و العافية والتوفيق في الحل والترحال

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات