إربد، وما أدراك ما إربد ..


عندما نتحدث عن إربد، علينا أن نضع في اعتبارنا عدة أمور تتعلق في شكل الحياة السياسية، والاجتماعية، والتشريعية التي كانت سائدة منذ ما قبل تأسيس أول نظام سياسي في الأردن، وأقصد هنا قبل وبعد مجيء الأمير (الملك) عبد الله الأول ابن الحسين، وتأسيس أول حكومة، ومجلس تشريعي، ومجالس بلدية كإستحقاقات دستورية لتنظيم عمل الدولة الأردنية، وتثبيت أركانها لتبدأ بالاستقرار، والاستمرارية كأي دولة عربية قابلة للحياة، إن كانت؛ مُستعمرة، أو تحت الإنتداب.

عندما نتحدث عن إربد، فإننا نتحدث عن نشاط سياسي تجمع في القرية، ونتج عنه مجموعة من الحكومات القوية، والضعيفة التي لم يكن بمقدورها البقاء والاستمرار ، ومن الحكومات القوية جاءت حكومة عجلون العربية، وحكومة السلط، وحكومة الكرك، ولن ننسى حكومة دير يوسف بزعامة كليب الشريدة، وكان هناك أربع حكومات قبل مجيء الملك عبد الله الى مدينة معان، واستقراره في عمان، واتخاذها عاصمة للدولة الأردنية، وتشكيل أول حكومة تحت إشراف ملكي، وبريطاني، وبالرغم من أن حكومة طليع لم تستمر سوى بضعة أشهر، إلا أنها كانت النواة الأولى والأساسية لتشكيل الحكومات التي جاءت بعدها، واستمرت دون توقف، وهذا يدل على أن النظام الهاشمي الأردني هو من الأنظمة العربية المستقرة، ومن الأنظمة التي يمكن تشبيهها باختلاط الروح مع الجسد، إذ لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، ولا يمكن نزع الروح من الجسد.

عندما نتحدث عن إربد فإننا نتحدث عن مدينة كانوا يطلقون عليها في المعاملات الرسمية؛ البلدية، والتشريعية، والسياسية؛ قرية إربد، وهذا لا يقلل من شأنها، فالقرية في القرآن الكريم هي: المركز المسؤول عن مجموعة قرى ومدن صغيرة، وأطلق على مكة: أم القرى، أي، أم المدن المحيطة بها، ومع أن إربد كانت تابعة لعجلون وفق التنظيمات العثمانية، على اعتبار أن عجلون تمثل سنجق عثماني يتبع ولاية درعا التابع لولاية الشام (دمشق)، لكن بعد مجيء الملك عبد الله الى الأردن وبدء العمل بالأنظمة الجديدة للدولة الأردنية، أصبحت إربد أم القرى، ومركزاً لمحافظات وألوية وقرى الشمال، ومنها: عجلون وجرش والمفرق التي أصبحت فيما بعد محافظات مستقلة عن المدينة الأم.

عندما نتحدث عن إربد فإننا نتحدث عن منطقة خرج من بين سكانها؛ مئات القيادات العسكرية، والسياسية، والشعبية، ولو أردنا مقارنة عدد الذين مثلوا إربد كمدينة واحدة من بين إثنا عشر محافظة في الحكومات، والمجالس البلدية، والتشريعية لكانت النتيجة مذهلة، إذ لا يوجد مقارنة منصفة، ويمكن أن نظلم بقية المحافظات.

ربما ذلك يعود الى كثافة السكان في الشمال مقارنة مع الجنوب والوسط، والاستقرار الزراعي، والاجتماعي، وطلب العلم، وتأسيس الحكومات ما قبل قدوم الأمير (الملك) عبد الله، إذ خرج من إربد وحدها تسع حكومات تجمعت لتصبح على النحو التالي: حكومة اربد (أطلق عليها: حكومة عجلون العربية)، حكومة دير يوسف، ومقرها (دير أبي سعيد)، حكومة الرمثا، حكومة صما، حكومة جرش، وحكومة عجلون، وفي الوسط، جاءت حكومة السلط، وفي الجنوب جاءت حكومة الكرك والطفيلة.

عندما نتحدث عن إربد فإننا نتحدث عن زعامات محلية خرجوا من رحم القرى الأردنية، كانوا يطالبون بالاستقلال، ومحاربة المستعمر الأجنبي، وطرد جيوشه من الدول العربية، وتأسيس حكومة عربية بقيادة هاشمية واحدة من نسل الحسين بن علي ملك العرب، زعامات خرجوا من إربد، وقراها، لا مجال لذكر الأسماء في هذه العجالة من التقرير، خوفاً من أن ننسى أحدهم، وهم بالمئات من سياسيين، وجنود وضباط حاربوا في فلسطين، وليبيا، ومصر، وسوريا، ولبنان، وغيرها من الدول العربية والإسلامية، وكانوا قادة، وثوار، ورجال دولة؛ يشهد لهم العدو قبل الأخ والصديق.

هذه هي إربد بالحد الأدنى من تفاصيلها التي تحتاج الى مجلدات ومجلدات كي توفيها حقها وحق رجالها الذين لم يساهموا فيط في تغيير النمط السياسي، بل حملوا على أكتافهم الدولة الأردنية منذ نعومة أظافرها حتى أصبحت ذات أظافر حادة تمزق أعداء الأمة الى أشلاء إذا جد الجد، ونادى المنادي الى نفير الحرب، وما الكرامة عنا ببعيدة، لقد كانت بالأمس القريب عندما عملنا على تأديب أعداء الله، والأمة العربية والإسلامية ولقناهم درساً لن ينسوه طال الزمان أم قصر.

تحية عظيمة بحجم عظمة إربد؛ بسكانها، وعسكرها، وقادتها، فوق الأرض وتحت الأرض، مدينتي، ومعشوقتي، وأفضل مدن الدنيا، وأقربها الى السماء، وأرفعها منزلة بين المنازل، وتحية للتراب المقدس الذي يضم الشهيد وصفي التل، أطهر الشهداء، وأعظمهم مكانة في الحياة الدنيا والآخرة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات