حفنة نفاق



من الروايات الجميلة والقديمة للكاتب يوسف السباعي ، رواية أرض النفاق حيث يقول في إحدى فقراتها : .... بعد الغداء تمشيت على ضفاف النيل ووجدت دكاناً، كُتِب على الباب تاجر أخلاق ، جملة وقطاعي ...فدخلت فإذا بي أجد شوالات ( أكياس) بجانب بعضها البعض ، مكتوب عليها صدق ، كذب ، مروءة ، شجاعة ، جبن ، نفاق ...الخ ، ...يقول فاشتريت بضع غرامات شجاعة وشربتها مع كأس ماء وعدت إلى البيت وكانت حماتي تسكن معنا فطردتها ، انزعجت زوجتي فطلقتها ، اعترض الأولاد فطردتهم ونمت وحدي في البيت ... اليوم الثاني صحوت متأخراً ، وبهدوء وبدون عجلة ذهبت للوظيفة ، استقبلني زميلي وقال : لماذا تأخرت والمدير يبحث عنك ؟ ... دخلت إلى المدير وضربته، وبعد وقت قصير كنت مطروداً من العمل ... عدت للبيت لا وظيفة ولا زوجة ولا أولاد ، ماذا أفعل ؟....ذهبت لصاحب الدكان واشتريت قليلاً من النفاق ، ولم يأت المساء إلا والعائلة مجتمعة ... وفي اليوم الثاني صحوت مبكراً ولم يأخذ الموضوع أكثر من دقائق حتى عدت موظفاً جديراً بالثقة ......!!!
من هنا نقول بأن هذه الأيام ( أيام الانتخابات والترشح ) يزدحم الناس أمام تاجر الأخلاق ويكثر الطلب والبيع على أكياس وشوالات الكذب والنفاق ، ويخف الطلب على باقي البضاعة لعدم الحاجة لها حتى أنها تكسد عند التاجر إلا ما رحم ربي ... فهناك ثلة معروفة للجميع تكون فترة الترشح والانتخاب هي موسمهم وأيام عز لهم من خلال التفنيد والتحليل والجلوس في كل المقرات وفي سدر الديوان والاتصال مع معظم المرشحين (إن لم يكن الكل) ، وتجدهم في كل مكان يتحدثون ويحللون الحدث الانتخابي ضمن منطقته حتى أن بيوت الله ومساجده لم تسلم من كلامهم ، فيكون شغله الشاغل هي الانتخابات أكثر من المرشحين أنفسهم ...
أما الرسالة الجميلة التي أرغب إيصالها إلى المرشحين هي عدم العتب والزعل على من يصارحك ويقول لك : بأنه لا يريد أن ينتخبك لالتزامه مع مرشح آخر ، أو لأسباب لا يرغب ذكرها ، فلا تمارسوا عليهم الضغوط ليقفوا بصفّكم ، يكفي بأنه صدق معك لكي لا تحسبه ضمن الكشوفات الخاصة بك ، ولا تجبره بأن يذهب إلى تاجر الأخلاق كي يشتري حفنة نفاق كما يفعل البعض ويقول لك أبشر بالفزعة (فقط بالكلام ) ، فهذا الذي صارحك لم يعتاد أن يشتري من أكياس الكذب والنفاق ... ولا تسمعوا للثلة التي تظهر وقت الترشح والانتخاب لأنهم يُحَرّفون معظم الكلام ، فمن أمثلة العرب التي تم تحريفها قوله : ( سل مجرّب ولا تنسى الطبيب ) حيث حُرّف إلى (اسأل مجرّب ولا تسأل طبيب)...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات