قراءة في تصريحات أوغلو


يستحق كلام رئيس وزراء تركيا السابق أحمد داود أوغلو يوم الخميس الماضي،حول السياسة التركية في المنطقة وقفة تأمل وتمحيص طويلة، لمعرفة ماذا في حقبة الرئيس التركي أردوغان من مفاجأت تزيد الأمور تعقيداً في منطقتنا،ذلك أن أوغلو كان قريباً جداً من أردوغان، وكان مهندس سياسة تركيا الخارجية التي وضعت مع صعود حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم، والقائمة على مبدأ «صفر مشاكل» الذي ساهم في تسويق تركيا في المنطقة، وجعلها صديقة لدولها وشعوبها، قبل أن ينقلب أردوغان على المبدأ وصاحبه في إطار سلسلة إنقلابات طويلة مارسها حتى ضد أقرب الناس إليه، ممن حموا ظهره وأوصلوه إلى الرئاسة ليكونوا أول ضحاياه، وفي طليعة هؤلاء عبدالله غول وأحمد داود أوغلو وهم من أعمدة البيت الداخلي، لذلك لم يكن مستغرباً أن ينقلب بعد ذلك على الحلفاء من خارج البيت، وأولهم فتح الله كولن، الذي كان أردوغان يبكي بين يديه، ويطالبه في خطبه الجماهيرية بسرعة العودة إلى الوطن الذي اشتاق إليه، قبل أن ينعته بعد ذلك بأقذر الأوصاف، التي لم تنج منها الكثير من الجمعيات والجماعات الإسلامية التي ساهمت في إيصاله إلى سدة الرئاسة.

في ظل هذا المسلسل الطويل من الإنقلابات التي مارسها أردوغان يصبح كلام أحمد داود أوغلو منسجماً مع السياق العام لسلوك صديقه السابق، ويأتي إنقلابه على مبدأ «صفر مشاكل» جزء من سياق عام أفقد تركيا مبدأ أساسياً من المبادىء التي بشر بها حزب العدالة والتنمية في سنوات حكمه الأولى، عندما تبنى نظرية الحياد التي تجعله وسيطاً، يقف على مسافة واحدة من الجميع، ومن ثم فإنه قادر على المساهمة في حل المشاكل العالقة في المنطقة، فقد صارت تركيا اليوم جزءاً أساسياً من كل مشاكل المنطقة، بل لعلها الصانع الحقيقي للكثير من هذه المشاكل، فهي طرف أساسي في الاعتداء على الشعب الليبي، وكذلك على الشعب السوري، مثلما تتوغل في أراضي العراق، بينما تلوح بالصدام مع مصر وتتدخل في شؤونها الداخلية، وتفعل ذلك في منطقة الخليج العربي، وكل هذا يدخل فيما وصفه أوغلو بالمجازفة بالدخول في مواجهة عسكرية في شرق المتوسط لأن تركيا صارت تعطي للقوة أولوية على الدبلوماسية، وهو ما سببه أوغلو بالميل إلى الاستبداد في ظل نظام الرئاسة التنفيذية الجديدة، متهماً حكومة أردوغان بإساءة إدارة سلسلة من التحديات من بينها الاقتصاد وتفشي كورونا والتوتر المتصاعد في شرق المتوسط ناهيك عن توتر علاقاتها مع اليونان وعدد كبير من دول الإتحاد الأوروبي، مما ينبىء وفق آراء مراقبين ومحللين بأن تركيا قد تذهب إلى إشعال المزيد من المشاكل في المنطقة لتهرب من مشاكلها الداخلية التي صار بعضها يدخل مرحلة الاستعصاء على الحل، عندها سيتذرع رئيسها بمواجهة الأخطار الخارجية لمنع تصاعد المعارضة الداخلية التي تتعاظم يوماً بعد يوم، لأنها ترفض إغراق تركيا في مستنقع الحروب الخارجيةعلى حساب استقرار الشعب التركي، وهو سيناريو يفرض على الجميع أعلى درجات اليقظة والحذر.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات