هل فشلنا في مواجهة وباء كورونا .؟


حتما ستكون الإجابة من طرف الذين يعللون الأمور بسطحية نعم وكأن أجهزة الدولة أعطت عهدا ووعدا والتزاما بعدم انتشار هذا الفيروس، وباء حطم اقتصاد أكبر دول العالم وعطّل العالم بأسره وأعاد صياغة الكثير من المفاهيم التي طالما تباهت بها الدول المتقدمة صناعيا وتكنولوجيا .
الحقيقة أن دولتنا في المرحلة الأولى صمدت بكل اقتدار وقوة واستطاعت الإجراءات المتخذة في بداية الجائحة من تحجيم الإصابات إلى أكبر مستوى ممكن، وكسبنا وقتا ثمينا في محاصرة الفيروس وتأثيراته، وأهتمت الحكومة في ذلك الوقت في الاطلاع على تجارب العالم في مواجهته في مراحله المختلفة .
المرحلة الآن أصبحت مختلفة تماما ويجري الحديث اليوم عن مرحلة التعايش وتكثيف الفحوصات والتكفل فقط بالمصابين ممن تستدعي حالتهم الصحية الرعاية الطبية والاهتمام الحثيث، وأكبر تحد أمامنا هو أن يظل هذا التعايش ممكنا، وأن يكون الانتشار بالقدر الذي يجعل كوادرنا الطبية قادرة على إجراء الفحوصات بنفس الوتيرة، وأن تظل الإصابات في حدود القدرة الاستيعابية لمنظومتنا الصحية، وهذا يقع على عاتق المواطن وأجهزة الدولة أكثر من أي وقت مضى.
عدم العودة للحظر جاء نتيجة الحاجة لتنشيط الاقتصاد والحفاظ على ادامة حياة الناس قبل أن يحصل الانهيار في كل أركان المجتمع، ونتيجة للاستهتار وعدم الالتزام تعلن الحكومة اليوم وتلقي كافة المسؤولية على المواطن، فمن أراد حماية نفسه فليفعل، ومن أراد عكس ذلك فسيلقى نصيبه من العناية بما هو متوفر، فإن استجاب وتعافى فسينجو وإن فشلت مناعته فليس باليد حيلة.
لهذا يرى البعض بأن عدم الحظر والإغلاق يعني بالضرورة العودة للحياة الطبيعية بشكلها المعتاد بالمخالطة وإقامة الولائم والتجمعات الاجتماعية، فالفايروس قاتل ومازال في ذروته والاصابات لم تتوقف، فلا بد لنا وللبشرية كافة أن تستفيد من دروس التاريخ وتستوعبها، ففي عام 1918م ضربت الانفلونزا الإسبانية العالم لمدة عامين، وعلى ثلاث موجات منها، مخلفة 500 مليون مصاب وحوالي 50 مليون وفاة، وكانت معظم الوفيات في الموجة الثانية.
يا ترى ما الذي حصل حين ذلك .؟
عندما شعر الناس بالسوء حيال إجراءات الحجر الصحي والابتعاد الاجتماعي، قامت الحكومة برفع الحجر لأول مرة، فابتهج الناس في الشوارع واختلطوا بشكل كبير وفي الأسابيع التالية وقعت الموجة الثانية، فقتلت عشرات الملايين. لذلك ليعلم الناس بأن كورونا لم تسترخي ولم تمت بعد.!
بالنسبة لوضع الجائحة محليا، ونتيجة لتزايد حالات الاصابة وتضاعفها عن الفترات السابقة تتعالى الأصوات اليوم بأن ما قامت به حكومتنا من إجراءات كانت بشكل عكسي، حيث فتحت في وقت يحتاج فيه تسارع انتشار الوباء إلى الحظر والإغلاق، واغلقت في وقت كان لا بد من الفتح واستنفذت بذلك كامل خطتها في الحد في مواجهة مخاطر هذا الوباء مبكرا.
لكن نتفق مع الرأي القائل: بأنه لا توجد دولة في العالم تستطيع وقف انتشار الفيروس، أو أنها قادرة على منعه من دخول أراضيها، وما حدث في الموجة الثانية إن جاز وصفها بهذا الوصف كان متوقعا نتيجة تزايد الانتشار في الدول المجاورة والتساهل والتراخي على الحدود، إضافة إلى عدم التزام وتقيد غالبية المواطنين بالتوعية وبالتعليمات التي تصدر يوميا من الجهات المختصة بعدم الاختلاط والتباعد الجسدي ولبس الكمامات وغسل اليدين واستخدام المعقمات.
أظن نحن لم تفشل ومقاربتنا كانت ناجحة منذ البداية رغم آلامها الاقتصادية والنفسية فقد تمكنا من تخطي الموجة الأولى من الفيروس التي فتكت ببعض الدول من حولنا وظهور هذه الحالات من الموجة الثانية كانت متوقعة ولا تزال تحت السيطرة، فقط علينا أن نبادر إلى التوعية والتثقيف فالمعركة لا تزال مستمرة وما زال الرهان على جدية المواطن في التعاطي مع هذا الوباء.
فالوقت غير مناسب للعتاب والمحاسبة، وثقتنا بكوادرنا الصحية عالية جدا، وفي مثل هذه الأوقات الصعبة التي يمر بها بلدنا، وككل بلدان العالم نحتاج إلى الوعي بأهمية التعاضد والتفاؤل وإشاعة الأمل، والابتعاد عن تبادل الاتهامات والتخوين والتهويل، فسرير في المنزل أفضل من سرير في المستشفى، وضيق في الرزق أفضل من ضيق في التنفس، والعزل مع أهلك أفضل من العزل وحدك.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات