الإنباء بما قد يقع - مرة أخرى - بالوباء من إغلاق المساجد وتفريق الأحبّاء .. !




( والناس يمرون في هذه البلاد فلا يرون إلا أسواقا فارغة، وطرقات خالية، وأبواباٌ مغلقة، وطويت التجارات وأمور الدنيا، وليس للناس شغل في الليل والنهار إلا غسل الأموات والتجهيز والدفن ، وخلت أكثر المساجد من الجماعات )
قاله ابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ من الهجرة بعد وباء فتاك وقع سنة 449هـ في بلاد ما وراء النهر ( آسيا الوسطى ) حتى وصل أطراف العراق ، ومات من الخلق بسببه أكثر من مليون ونصف المليون ...

( وبطلت الأفراح والأعراس من بين الناس فلم يُعرف أن أحداً عمل فرحاً في مدة الوباء، ولا سُمع صوت غناء، وتعطّل الأذان من عدة مواضع، وبقي في الموضع المشهور بأذان واحد )

ذكره المقريزي (توفي سنة 845 من الهجرة ) في كتابه ‘السلوك لمعرفة دول الملوك " بعد أن انتشر في مصر ( الطاعون الكبير ) الذي وقع سنة 749هـ وعُرف في أوروبا باسم ( الموت الأسود )
وزاد أحد المؤرخين : ( غُلقت أكثر المساجد والزوايا )

صورة مخيفة مؤلمة قريب منها - أو شبيه بها - ما شهدناه مع دخول ( فيروس كورونا ) بلادنا ، وما أحدثه من ذعر وفزع عند الناس ، واختلال معايشهم ..

مشهد اسأل الله - جلّت قدرته - إلا يُعاد فينا ، وأن يكشف عنا كل بلاء ..

الوباء قائم ، وصار أشد من ذي قبل ، وأشكال العدوى به متنوعة وعديدة وقد يخفى علينا أكثرها كحال الأوبئة التي سجلها التاريخ ، الأمر الذي يجعل انتشاره سريعاٌ مخوفاٌ وآثاره في المجتمع مؤلمة عميقة ...

واجب الوقت حوله :

إذا حلَّ الوباء العام واستشرى في الناس فإن مصائبهم تتعاظم في دينهم ودنياهم ، ويأتيهم من الحزن والهم لذلك ما يكبر في نفوسهم ولا يستطيعون دفعه ، فما إغلاق المساجد وما تركه من وجع عنا ببعيد، ولا الذي لا يزال الناس يكابدونه في معايشهم يخفى على أحد .. !

اليوم لا ينفعنا - حيال الوباء - التكذيب والتشكيك المشوب - في كثير من الأحيان - بمناكفات سياسية عمياء ، أو دوافع نفسية لا تخلو من الجهل والتعنت ، فإن تاريخنا الإسلامي قد شهد مثل هذا الوباء الكثير وتكلم فيها الأمراء والعلماء ، وأحدثت في العباد والبلاد ما يفعله وباء كورونا الآن ..

تحدّثنا كتب أهل العلم عن إجراءات عملية تبناها أهل الرأي والنظر في التعامل مع الوباء ، ودفع الله بها عن المسلمين شراً كثيراً ، ولم يجد العالم اليوم إلا اتباعها في مواجهة " كورونا " والحد من انتشاره ، وخذ مثلاً على واحدة منها وهي ما يسمى بالتباعد الاجتماعي :

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث شهر بن حوشب عن رابِّهِ ( زوج أمّه) أنّه كان قد شهد طاعون عمواس، فكان على قيادة الناس أبو عبيدة بن الجراح فمات بالطاعون، ثم معاذ بن جبل فمات به أيضًا؛ "فلما مات استخلف على الناس عمرو بن العاص فقام فينا خطيبا فقال: أيها الناس، إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتجبّلوا منه في الجبال [وفي روايات أخرى: فتفرّقوا منه في رؤوس الجبال وبطون الأودية].
ثم خرج وخرج الناس فتفرقوا عنه، ودفعه الله عنهم. قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من رأي عمرو فوالله ما كرهه".

( ولكن أكثر الناس لا يعلمون )

فلا يزالون على استهتارهم وتساهلهم وتعنتهم مع كل ما يتعلق بالوقاية من الوباء القائم في العالم أجمع ... ، والأخذ بالأسباب التي تعين على منع انتشاره بإذن الله .

والذي أتوقعه - إن استمروا في ذلك - أن يتوغل فينا الوباء أكثر وأكثر، ويُحدث من الفواجع والمآسي - في ديننا ودنيانا - ما لا نتصور أو نطيق ... ، ولنا في التاريخ عظة وعبرة :

ابن عذاري المراكشي في ‘البيان المُغرب في أخبار الأندلس والمغرب‘- أنه وقع في تونس وباءٌ عظيم سنة 395هـ، فتسبب في "شدة عظيمة انكشف فيها الستور…، وغلت الأسعار، وعُدِم القوات…، وهلك فيه أكثر الناس من غني ومحتاج، فلا ترى متصرفا إلا في علاج أو عيادة مريض أو آخذا في جهاز ميت…، وخلت المساجد بمدينة القيروان".

وبالأندلس وقع شبيهٌ بهذا؛ فقد ذكر الإمام الذهبيّ -في ‘تاريخ الإسلام‘- أحداث سنة 448هـ فقال: "وفيها كان القحط العظيم بالأندلس والوباء، ومات الخلق بإشبيلية بحيث إن المساجد بقيت مُغلقة ما لها من يصلي بها". وذكر أيضا -في ‘سير أعلام النبلاء‘- أنه في هذه السنة "كان القحط عظيما.. بالأندلس، وما عُهد قحط ولا وباء مثله بقرطبة، حتى بقيت المساجد مغلقة بلا مُصَلِّ، وسُمي عام الجوع الكبير".

نسأل الله العظيم أن يرفع عنا البلاء والوباء، وأن يديم اجتماعنا في المساجد ، وأن تبقى أسواق المسلمين ومعايشهم على خير وعافية ، وأن يحفظ بلاد المسلمين من كل شر
اللهم ارحم ضعفنا وقلة حيلتنا ...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات