جراسا -

الأسبوع الماضي كانت مشاركة للأخت الجارة بعنوان "عقلاء من غير عقل"...من وحي تلك المشاركة ..كانت هذه المقالة...

خمس طاشر سنه
كل يوم اسلك نفس الطريق...الى عملي ..نفس الدرب ...نفس الخطوات...نفس الروتين...أقوم بذلك كل يوم...
مئات الرؤوس حولي بتروح وبتيجي...يا ترى شو اللي بدور فيها...يمكن يكون اشي بضحك...ويمكن ببكي...يا الله...أناااااااااااا تعبان....
توقفت فجأة...كاد من خلفي يصطدم بي...
_ يا رجل مالك على هالصبح؟؟؟؟ ...ومضى...
مالي ...حقا ...مالي...انا تعبان..لأ ...أنا بخير...بس ..مليت الروتين...مليت...سأتمرد...هذا اليوم مش رايح للشغل...فليذهب الشغل للجحيم...خمسطاش ر عام وأنا أشتغل...وأنا ...كما ..أنا...
وطال وقوفي ... شو اللي بدور في راسي؟؟؟؟مرت جنبي مرة حامل ..نظرت اليها ...عارف شو بدور في راسها.. هيك حسيت..اني عارف...عقلها في بطنها...
وذلك الرجل هناك...يسرع الخطا...يسابق شيئا ما...كلهم بسابقوا شيئا ما...همي مش عارفين ..بس لازم يسرعوا...لا تسرع خيو الدنيا ما هي طايرة...أيوه صحيح ..ما هي طايرة...أحنا اللي طايرين....
جلست على حافة الرصيف...ليش حاسس حالي مرتاح...معقول القعده على الرصيف بتريح...معناتوا الشحادين أكثر ناس مرتاحين...معقول...قدامي مجموعة عصافير...منظر مألوف...نزل عصفور ..تناول حبة شبس مرمية ع الأرض وطار...منظر مألوف...كل يوم بشوف مثل هيك...لحظة ..لحظة...العصافير بتوكل شبس...حتى العصافير بتوكل شبس...مثلنا...هههههههه العصافير زينا بتحب الشبس... صوتي عالي..أحد المارة نظر الي وحوقل لا حول ولا قوة الا بالله...الله يعين الناس...
نظرت اليه وهو يمضي...طيب ..رح اسكت...مش رح اسمعكم صوتي...بياع الكعك على يميني...نفس المنظر كل يوم...برتب وبنادي على كعكاته...ما مل من هالشغلة...شو فيها بنسأله...أقتربت منه ...
- مرحبا ...ما زهقت تبيع كعك؟؟؟
- _ نعم؟؟؟
- ولا أشي بدي كعكه ..حط فيها بيضة...
بدء بشق الكعكه..كمن يشق بطن سمكه...زمان ما اكلت سمك...خمسطاش سنه ما رحت على العقبة...
تناول بيضه وبدا يقشرها...يا ترى امها الدجاجة وين هسا؟؟؟ ..وانشغل عقلي فيها...
_ تفضل حبيبي ..صحتين وعافية...
صحتين وعافية ...من قلبك طالعة والا عشان أشتريت منك مش من هظاك هناك...
عدت لأجلس على الرصيف...
الشمس على الجدران رائعة...والصباح جميل...دائما كان الصباح جميل...وحلو...ما كنت اشوفه...
ونسمة الهواء هذه...رائعة...تنفست بعمق...دائما كانت نسمات الهواء رائعة...لكني لم أكن أتنفس...
_ لو سمحت يا أخ بدنا نبسط...صوت شاب في العشرين من عمره..بنطلونه ساحل وشعره واقف..موضه...جل الشعر...ابو اللي أخترعوه...شعرنا واقف من غير هالواسطه...بكفي تقعد قدام نشرة الأخبار...
_على شو بتطلع..يا اخ ..شوفلك مكان ثاني واقعد فيه بدنا نفرد البسطة...
الرصيف كلو مش واسعه...اتهاوش معه..بس لسا الكعكه ما خلصت...قمت ..ورحت..مريت على صاحب الكشك على الزاوية ...سمعتوا بحلف يمين لصاحبه..انا المصاري عمرها ما بتهمني ولا بحسبلها حساب.....
كذاب...انا عارف انو كذاب...أمبارح كان يهاوش الزبونه على ربع ليرة..مريت وشفتوا...كذاب وستين كذاب...
_ نعم يا أخ ؟؟؟ مين الكذاب؟؟؟
صوتي كان عالي ..هربت بسرعة...هكذا انا ...مسالم...او ...أو جبان...مش مهم ...سمعت صوته وراي أما عالم خالصة على هالصبح...
انا خالص...ضحكت..اما هو الكذاب مش خالص ..وصلت الدوار...سيارة اوشكت تدعسني...كنت بتفرج على هظاك الشب..لاحق البنت بعاكسها...ملمع كندرته...مثل بساطير الجيش ...شكلوا سهران عليها طول الليل...عاملها مرايه...يا بي مطول بوزها..مثل كندرة الساهر....بتنفع للصراصير في الزاوية...
أغمضت عيناي...وتنفست بعمق...يا الله ...رااااااائع...صوت الزوامير وحركة الناس ...أغمضت عيناي مرة ثانية ...وجلست استمع الى أصوات السيارات...والناس...رائع ..ما أجمل الصوت بدون صورة...
يا ترى ..كيف بتكون الصورة بلا صوت؟؟؟ فتحت عيوني..وحطيت اصابعي في أذناي...حاولت أكتم الأصوات...خفت حدتها ...بس ما كتمتها كلها...ما زال هناك أثر...مزقت محرمة الفاين ..وحشوت أذناي ...وضغطت بأصابعي...ما زال الصوت موجود...فش فايده...مش رح انجح بالحصول على صورة بدون صوت...
أنتبهت فجأة...كان الناس ينظرون الي ..ويضحكون...وحده قالت لصاحبتها ...عروب شوفي ..الله يعينوا...وين الجارة تشوف هالمنظر...
_ هارموني امشي مستعجلين ..مش فاضيين ل هالأشكال...
شاب آخر قال ...شو رايك شادي نكتب عنوا في جراسا...
_ دانيال فكنا من أفكارك...أحنا ما بنشمت بحدا ..الله يعين الناس على بلاويها..
_لو يشوفوا قرناس ليكتب عنو قصيده...
يكتب عني قصيده...خلينا نستنى القصيده...
امفكريني مجنون...انا عاقل...نعم عاقل...كلهم بقولوا عني عاقل...زوجتي..وأمي...وصحابي...لميس..وريم...وايناس ..وهنا ..كلهم بقولوا عني ..عاااااااااقل ..سامع صوت نبضات قلبي بتزيد..بتصرخ أنا عاقل ..انا أنسان...انا...انا مش مجنووووووون...كيف بدي افهمكم..من وين بدي أبدأ...
مش عارف ليش بركض...شمال ..يمين...يمين ...شمال...وبركض وبركض ..كل السيارات وقفت...عملت أزمة...لأول مرة بعمل أزمه في بلدي ...قعدت بنص الشارع ...ايوه بنص الشارع ...غمضت عيوني...صوت بدون صورة...يا الله ما احلى الأصوات..ما احلى اصوات سياراتكم...وأصواتكم...ضجيج الحياة..معبي أذني..
_ شو مالوا هاضا ...مجنون...
برضو مجنون ...خليكو زمروا ..او ادعسوني ..أصلا انا مستمتع ..بس ابعدوا عن الهوا ..مشان الله ...خلوني اتنفس...
_ ولك قوم من الطريق بدنا نروح ع شغلنا ...مستعجلين...
مستعجلين....ههههههههه طول عمركم مستعجلين....آخ لو أنكم بافكاري...كل يوم بتشوفوا الشمس بس ما بتستمتعوا فيها...كل يوم بتمر عليكم نسمات الهوا ..بس ما بتتنفسوها...كل يوم بتشوفوا العصافير ..بس ما بتنتبهولها...الشغل ماخذ حياتكم وسارق أعماركم...والحياة ضايعة من بين ايديكم وانتوا مثلي ...خمسطاش ر سنه وانتوا زي منتو...ثيران ساقية...
واحد فقعت معه...يا بني آدم قوم من الشارع أحسنلك...
واحد ثاني...شو مالوا هذا على هالصبح؟؟؟
_ الله يعينوا مرندل...
_ ناقصنا متخلفين...
ما حدا متخلف غيركم...انا مستمتع بأصواتكم...لو تجربوا الصوت بدون صورة..
_ شوفوا كيف شابك ايديه ..مثل بوذا ههههههههه
_ كنو أعمى؟؟؟؟
_ لأ..أهبل وبتهبل...
_ يا اخوان مشان الله احملوه وزتوه غاد...بدنا نمشي,,,,شوفوا طوابير السيارات...
واحد منهم طلع عصبي..ومفرفش على هالصبح زياده عن اللزوم ...مسكني من ايدي ..وشدني بدفاشة ...أنتا واحد مشكلجي...قوم أمشي قاعد بنص الطريق ...وشمطني كف...أختفى الضو...وشفت نجوم ملونه ...بتلمع...وقعت على الرصيف...
ليش هيك بعاملوني...انا مش مجنون...كل ما في الأمر اني بدي اتمرد على الروتين اليوم...خمسطاش ر سنه وانا أقطع نفس الدرب,,نفس الخطوات..نفس العمل ...حياتي زي ثور الساقية...ما قلتوا عني أشي...ولما تمردت شوي..استمتعت بشوي من اشعة الشمس ..وتنفست نسمة هوا بحرية ..وفكيت نفسي من قيد العمل وروتينه....وحاولت الحصول على صوت بدون صورة ...صوتكم ..حاولت اسمعلكم ...او صورة بدون صوت...صورتكم ...حاولت استمتع ..معكم...وفيكم...قلتوا عني مجنون...
أنا مش مجنون ..أفهموا..انا مش مجنو ن...وبكل طاقتي بصرخ....انا مش مجنوووووووون
ركضت...وركضت ولما وصلت باب المدينة ..تناولت قطعة خشب...دورت على طبشورة...مالقيت...لقيت قطعة فحم ..سودا...زي قلوبكم...لأ..لأ....مش كلكم... بعضكم...ورسمت على الخشبة سهم...وكتبت تحته ...مستشفى المجانين...
وثبتت الخشبة بحجار والسهم بشير عليكم...أيوة ...السهم عليكم...
وخلفي..كانت فراشة بيضا زغيرة ..ترفرف مع النسمات...لحقتها ..وصرت أرفرف مثلها ...بفرح ..وسعاده...لأول مرة ..من خمسطاش ر سنه ...بحس أني دفيان...بحس أني حر...بحس بنسمات الهوا الحلوة ...بحس أني.........مش ثور ساقية