البنوك


لو سألت أي أردني، أيهما أهم لك أن تمضي ما تبقى من حياتك، رهين القرض السكني وتدفع للبنك.. أم تصاب بالكورونا؟.. الكورونا هي باعتقادي الوباء الأقل خطورة من وباء القروض في الأردن..

قبل (15) عاما حصلت على قرض سكني، وقبل أسبوع ذهبت للبنك كي أراجع حجم السداد.. كنت أعتقد أن (15) عاما من السداد كفيلة بإنهاء (80%) من القرض، أو على الأقل كفيلة بإنهاء القرض كاملا.. لكني فوجئت حين أجريت مراجعة مع مدير هذا البنك، الذي لم يتجاوز عمره الـ (30) عاما أني على مدى (15) عاما، قمت بتسديد ما مجموعه (30%) فقط من حجم القرض.. وحين دققت في الأوراق، اكتشفت أن البنك يزيد حجم الفائدة مثلما يشاء، ويلغي التأمين على الحياة مثلما يشاء.. وحين يقوم بتأجيل القسط في أزمة الكورونا.. يأخذ منك رسما لأجل التأجيل، دون إذن?منك.

البنك يقرر متى ينتهي القرض، والبنك هو من يقرر حجم الفوائد، ويرفعها دون إذن منك.. والبنك هو الذي يقرر في أنفاسك، ولون عيونك.. وتسريحة شعرك، وفي النهاية تكتشف أنك تمضي العمر تخدم البنك.. أو أنك تمضي العمر رهين القلق والأسئلة.

القوانين كلها تحصن البنوك، ولكن لايوجد قوانين تحمي مشاعرنا.. أو عرقنا أو تعبنا.. لايوجد قانون واحد يحمي نبضات قلبك، أو حتى نظرة التفاؤل التي تحاول أن تصنعها ولو زيفا في عيونك.

حين بحت لصديق بما حدث معي، ضحك مطولا.. واكتشفت أننا جميعا من ضحايا القروض ونلوم في لحطة الدولة على حجم مديونيتها الداخلية، دون أن ندري أننا في وضع أسوأ من وضع الدولة.. تحاصرنا الكورونا من جهة، وقروض البنوك تحاصرنا من الجهة الأخرى.. والوضع الاقتصادي الذي يسير للأسوأ يحاصرك أيضا، والخطط التي خبأتها كي تنفذها في المستقبل صارت مجرد أحلام من (الخردة) غير قابلة للتحقيق أبدا.

في النهاية الغاية من القرض، هي مساعدة الناس.. وليس الانتقام منهم، الغاية من القرض هي استمرار الحياة، وليس توقفها.. الغاية هي تحريك عجلة الاقتصاد وليس إحضار (مدحلة) كي تدوس على عظامك وما تملك من أمل في هذا العمر.

لماذا تفعل القوانين الناظمة للحياة، وتطبق بحذافيرها.. بالمقابل تعطل كل القوانين التي تمنع اغتصاب الحلم، وتمنع عنك النوم العميق.. والتفكير بالمستقبل.

لو أن الدولة تجري مراجعة شاملة، لعمل هذه البنوك وكيفية.. تحكمها بالناس، أظن أنه سيكون الأمر أجدى.. من الحديث عن الرواتب ودعم الخبز، والغاء المكافآت.. فأنا لا أحتاج لمن يرفع دخلي بقدر ما أحتاج لمن يفك طوقا معلقا في عنقي، ويستطيع عبره البنك أن يستولي على مسكني أو يقودني للسجن.

أغرب ما في الأمر.. أن مديرة إدارة المخاطر تحدثت معي، بعد مراجعتي كي تسأل عن سبب مراجعتي للقرض.. ولو أن قوانين النشر تجيز لي أن أقول لكم ما قلتها لها لفعلت.

على كل حال مازال محافظ البنك المركزي في إجازة.. ولا يوجد على مكتبه مواعيد متعلقة بقهر الناس ووجعهم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات