حالة القلق الوطني


التعبئة ضد صفقة القرن مستمرة على المستويين الشعبي والرسمي ويتوالى اصدار المواقف القطعية الرافضة ابتداء من وزراء الخارجية العرب في مجلس الجامعة ثم وزراء خارجية التعاون الإسلامي في جدة ثم أول من أمس اجتماع البرلمانات العربية في عمان.. مع ذلك كأن الرأي العام لا يشتري تماما هذه المواقف ويعتبرها من قبيل رفع العتب أو قنابل دخانية لن تلبث أن تخلي المكان للموقف الحقيقي والعملي بالتعامل مع الصفقة! ومن جهتها تنشغل النخب في تحليلات مضنية حول السيناريوهات المقبلة، فالرفض الرسمي الفلسطيني والعربي لا يعني أن الصفقة ستصبح خارج التداول. ومن الجانب الإسرائيلي على الأقل سيتم السير قدما لتطبيق ما أعطته الخطة للاحتلال من مكاسب على الأرض فيتم ترسيمها وقوننتها بضم غور الأردن وشمال البحر الميت وجميع المستوطنات إلى دولة الاحتلال. بينما من الجانب العربي لن تتوفر أي قدرة للرد ولا حتى بالارتداد عن الخطوات التطبيعية السابقة بل ربما العكس قد نشهد استمرارا أو تصاعدا في التطبيع ولقاء الرئيس السوداني عبد الفتاح برهان مع نتنياهو أعطانا نبأ استباقيا بما سيكون عليه واقع الحال.

الأردن أخذ موقفا واضحا رسميا وشعبيا لكن هذا لا ينهي القلق ولا يجيب على الأسئلة الكثيرة عن المستقبل فالأردن ابتداء ليس الطرف المخاطب بالصفقة ليوافق أو لا يوافق! إنه الطرف الذي سيتلقى آثارها وحسب مختلف التحليلات فالأردن سيدفع ثمن الانتقاص من الحقوق الفلسطينية وأقلها في قضية اللاجئين حيث تقول الصفقة بحل قضيتهم خارج إسرائيل ودون أي تعويضات أي بمعنى توطينهم (تحولهم إلى مواطنين) في البلدان التي يعيشون فيها وهذا يعني أن الأردن كدولة لن يحصل على أي تعويض وأن مواطنيه من أصل فلسطيني ومعظمهم بالأساس لاجئون لن يحصلوا على أي تعويض لا هم ولا مئات الآلاف من اللاجئين المقيمين على أرضه ولا يحملون الجنسية الأردنية بل عليه فوق ذلك أن يجنس هؤلاء ويعطيهم المواطنة. هذه حصة الأردن من الصفقة إذا استثنينا مخاطر التهجير أو الترانسفير، فمع قتل حل الدولتين وتحويل الضفة الغربية إلى جيوب بشرية داخل “الدولة اليهودية” سيصبح التوازن الديمغرافي ضاغطا لدرجة أن افتعال حرب للقيام بتهجير قسري هو احتمال لا يمكن استبعاده. وحتى بدون حرب يصبح الديل الوحيد لنظام ابارتايد صهيوني هو تحويل الفلسطينيين إلى المواطنة الأردنية وعبر أحد الصيغ الاتحادية. والصفقة طبعا لا تقول ذلك لكنها تضمره حتما وهي تقدم للفلسطينيين شيئا لا يمكن بجد ان يكون دولة قابلة للحياة.

وعليه تتوالد الأسئلة حول المستقبل! هل سيتعرض الأردن الى ضغوط؟ ما هي هذه الضغوط وهل يمكن الصمود أمامها؟ طبعا هناك ضغوط اقتصادية أساسا لكن ايضا سياسية قد تلوح بأن النظام في الاردن لم يعد حليفا نافعا وان الحرص التاريخي على أمن الأردن واستقراره لم يعد من الثوابت؟

هذه الاحتمالات المقلقة تعيد طرح الأسئلة عن مستقبل البلد ومقومات الصمود وعن الموقف الإقليمي والعلاقات مع المحيط وخصوصا الخليج، وايضا عن التنسيق والتناغم الأردني الفلسطيني وايضا والأهم عن الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية وتماسك النسيج الوطني والعلاقة بين السلطة والشعب والاتفاق على مستقبل البلد. ويعيد البعض التذكير بالأداء الداخلي مع محطات سابقة كان اخطرها الموقف عشية حرب الخليج وغزو الكويت والصمود أمام الحصار بالوحدة الوطنية والبرلمان القوي والميثاق الوطني والتحول الديمقراطي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات