خطباء وأئمة المساجد بركة الأمة


صعود المنابر والقاء خطب الجمعة ليس بالأمر السهل كما يظنه البعض من الناس, بل هو مرتقاً صعب لا يقدر عليه إلا من وفقه الله له. فالوقوف على منبر المسجد ومخاطبة الجماهير من الناس على شتى ثقافاتهم ومداركهم وأعمارهم هو أمر  عظيم وجليل وصعب وخطير بنفس الوقت، لا يعرف قيمته ولا يدرك عظمته وصعوبته إلا الخطباء والأئمة في المساجد، اللذين يلتقون بجماهيرهم في كل جمعة.

فليس صعود المنبر كصعودٍ على منصة الإذاعة المدرسية، ولا كالجلوس خلف الميكروفون في غرفة البث الاذاعي المغلقة، ولا كإلقاء كلمةٍ أو استفسارٍ أو ملاحظة خلف ميكروفون في محاضرة او ندوة عابرة, بل صعود المنبر هو اعظم واصعب بكثير، كيف لا يكون كذلك والخطيب على المنبر يقوم مقام النبي – صلى الله عليه وسلم – في تبيلغ الرسالة والشريعة، وهو واقف بين يدي الله عز وجل وفي بيت من بيوته وامامه حشد كبيرمن المؤمنين والمؤمنات.

فهاهو سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه يصعد المنبر فيرتجّ عليه، وهو من هو علما وإيمانا وصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيرفع يديه بالدعاء ويدعو للمؤمنين وللمؤمنات ثم ينزل من على المنبر.

وها هو الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز رحمه الله رائد العدالة الإنسانية، يصعد المنبر فيرتج عليه ولا يدري ما يقول فيقول للناس عملي لكم خير من قولي، ويدعو وينزل للصلاة.

وها هو هارون الرشيد الذي كان يحجّ عاما ويغزو عاما وكان صواما قواما يسيّر الجيوش لنصرة الاسلام فيقولون له شبت قبل أوانك، فيقول شيبني صعود المنبر، ومثل ذلك قاله الحسن البصري وزاد عليه " اما تروني اني اعرض عقلي على الناس كل اسبوع".

وها هو الامام ابن قدامة المقدسي صاحب السفر والكتاب العظيم (المغني في فقه الحنابلة) كان إماما في الفقه وإماما في اللغة واماما في التفسير بل كان اماما في كل فن كما نعته الامام ابو شامة، يقول الإمام ابن النجار في ترجمته كان يهاب صعود المنابر واذا صعدها ارتج وارتجف وما يدري ما يقول.

وليس هذا غريبا ولا عجيبا لمن يعرف رهبة الوقوف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم واعظا ومرشدا وناصحا ومفسرا ومربيا.

انني اكتب و اقول هذا الكلام وانا استغرب اشد الاستغراب والعجب واعجب والله عندما اقرأ لبعض الاخوة من كتّاب الأعمدة في الصحف، عندما يتناولون موضوع خطبة الجمعة ويعلقون على خطباء المساجد متهمينهم بالتقصير او برداءة اختيار الموضوع او بضعف الإلقاء، ويعممون ذلك على سائر الأئمة والخطباء، لخطبة من خطيب في مسجدٍ ما سمعوها فسجلوا عليها ملاحظات، وهم يجلسون يرقبون اكثر من انهم يجلسون يستمعون ويتعبدون، وأنا هنا لا اجزم بانه ليس هناك خللا عند بعض خطبائنا الاجلاء في خطبهم من حيث الالقاء والاختيار وصدق المعلومة وحشد الشواهد لكن الواجب علينا أن لا نعمم النقد، فالناس مدارك وثقافات متعددة ومتنوعة وعقولهم و افكارهم متفاوته ومختلفة وشأن الخطباء هو شأن بقية الخلق في ذلك, فالمعلمون واساتذة الجامعات مثلا ليسوا كلهم على نفس المستوى الثقافي والعلمي والتدريسي, فترى منهم القوي والوسط والضعيف وكذلك كتاب الاعمدة في الصحف ليسوا كلهم بمستوى واحد فهناك من تقرأ له وتعيد قراءة المقال مرة ومرتين وثلاثة لجودة العرض وسلامة الأسلوب، وهناك من تعرض عنه بمجرد قراءتك السطر الاول وهكذا.

وخطباء المساجد شأنهم في ذلك شأن سائر الناس فهم ليسوا ملائكة منزلين من السماء فترى الخطيب القوي والوسط والضعيف، لكن هذا الضعيف لربما خرج منه كلاما مؤثرا في بعض الاحيان يعجز عنه البلغاء والفصحاء من الخطباء.

والخطيب عندما يختار موضوع خطبته وهو ادرى بحاجة جمهوره لهذا الموضوع الذي يطرحه، ومن الطبيعي ان يكون هناك من لا يعجبه الموضوع لانه لا يهمه او لانه يريد في تلك الجمعة مقالا هو يهواه ويراه جديرا بالطرح لذلك سيخرج غير راض عن خطبة الخطيب، وخطيب الجمعة مسكين في جميع الاحوال فهو ان تحدث عن الربا فلربما يصيب بعض المرابين الجالسين أمامه وان تحدث عن اكل الحرام اصاب فئة من المجتمع وان تحدث عن حرمان المرأة من الميراث أصاب فئة أخرى وان تحدث عن العقوق او السرقة او الاعتداء على المال العام او عن النفاق أو.. أو.. فانه يصيب أصحاب هذه الأمراض ومن الطبيعي ان يخرج هؤلاء غير راضين عن الخطيب لانه وضع يده على الجرح فتسبب بالألم لأصحاب الجراحات.

إنني أكتب هذا الكلام ليس من باب الدفاع بالباطل،ولا من باب الإنتصار لزملائي في المهنة العظيمة الشريفة،ولا من باب الغضب من النقد،إنني أكتب هذا الكلام من باب النصح والتوجيه والرفق بخطبائنا وأئمة مساجدنا،وعندي من الخبرة في هذا المجال  مجال الخطابة والتدريس لسنوات طويلة حيث أنني أصغر خطيب صعد المنبر في تاريخ وزارة الأوقاف في الأردن،حيث صعدت منبر المسجد منذ نعومة أظفاري وقبل سنّ البلوغ ولا زلت من يومها خطيباً ومدرساً وواعظاً،فأنا عندما أطرح هذا الموضوع وأتكلم فيه،فإنني أتكلم من داخل الواقع الذي أمارسه،ولست مراقباً وناقداً أبغي العثرات والزلات،وفي النهاية ما أجمل المقولة الشهيرة التي تقول:إرضاء الناس غاية لا تدرك.

وهنا لا بدّ لي أن أسجل الشكر والتحية لوزارة أوقافنا ممثلةً بوزيرها المبدع معالي الدكتور عبد السلام العبادي،التي لا تألوا جهداً في سبيل الإرتقاء بخطب الجمعة وبرسالة المسجد،وبالمناسبة هنا أقول إن المقولة الجريئة التي قالها معالي الوزير من أن نصف العاملين في مساجدنا هم غير مؤهلين،لا يعني بذلك كما فهم البعض واتخذها سبيلاً للطعن بالأئمة والخطباء، لا يعني ذلك أنهم غير مؤهلين لارتقاء المنبر بل يعني أنهم غير حاصلين على شهادات شرعية من المعاهد والجامعات،وهنا نتسائل من من الفقهاء قال  أن خطيب الجمعة لا بد أن يكون حاصلاً على شهادة جامعية ليجوز له ارتقاء المنبر ؟؟ إن من الخطباء من لا يحملون الشهادات وهم يؤدون خطبة الجمعة بجدارة ويقدمون للناس ما لا يستطيع أن يقدمه بعض حملة الشهادات العالية. فهم على مستوى من الفهم والعلم والدراية ما يؤهلهم لذلك.وأقول هنا لا يمكن لمدير أوقافٍ في أي محافظة أن يوكل أي أحد بخطبة الجمعة دون أن يكون أهلاً لذلك وقادراً على الأداء ولكن كما قلت سابقا الناس مدارك وثقافات مختلفة ومتنوعة شأنهم بذلك شأن بقية الناس ،وبالمناسبة أيضاً فإني أقول إن الخطاب الديني في المملكة الأردنية الهاشمية هو من أقوى الخطابات في العالم الإسلامي يشهد لذلك القاصي والداني، فهو خطاب يتسم بالوسطية والإعتدال،ويعود الفضل في ذلك لصاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه الذي أطلق رسالة عمان قبل أعوام فكانت بمثابة ورقة عمل ثابتة لكل إمام وخطيب في أي مسجد،وأعتقد جازماً أن كل أئمة وخطباء مساجد المملكة مؤهلون وقادرون على مخاطبة الناس بالخطاب الديني المعتدل لأنهم كلهم قد شاركوا في الندوات والدورات التي عقدتها وزارة الأوقاف بالتعاون مع مديرية الإفتاء في قواتنا المسلحة حول شرح مضامين رسالة عمان التي بينت منهج الإسلام الصحيح في شتى مناحي الحياة مستقىً من كتاب الله وصحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

على كل حال مهما كان خطباؤنا وأئمة مساجدنا فإنهم يبقون هم لبنة الاصلاح الاهم في المجتمع ويبقون هم خير وبركة هذا البلد الطيب باهله وقيادته الحكيمة ويبقون هم مشاعل النور والهداية في زمن الظلمة والغواية. والله الموفق.


 



تعليقات القراء

محمد المستريحي
كلام جميل يا شيخ امجد وتسلم على هذه الكلمات اما انا فاني ارى مع احترامي للخطباء جميعا فلم ارى افضل ولا اجمل من خطب الشيخ ابو حمزه الربابعه حفظه الله واعطاه الصحة والعافية جراة واسلوب وحسن القاء واخلاص وعلم وشخصية رائعة
04-10-2010 09:21 PM
متقاعد
خطبة يوم الجمعة كلها واحد ومسحوب عنها عدة نسخ لانه يلي بكتبها واحد ..
والمواضيع معروفه مفسدات الوضوء والنفاس ..واهم شي عدم ذكر اليهود وفلسطين والجهاد والحكومات .
خطبة الجمعة بدها تكون من غير ورق ومن غير ما تكون طالعة من مكتب التحرير ..بدها تكون بتحكي عن احداث الساعه يلي بتمر فيها الامه .بدها تكون من خطيب وامام ما بخف الا من يلي خلقه
05-10-2010 12:34 PM
مصلي لوجه رب العباد
ما شاء الله , والحمد لله .
05-10-2010 12:35 PM
مصلي لوجه رب العباد
اخي متقاعد ,,,,,,,,,,,, انا اصلي في كل جمعه في مسجد مختلف والحمد لله , ان موضه الخطبه المكتوبه انتهت منذ مده , وجميع المساجد التي اصلي بها , يدعو لكافه المجاهدين واولهم مجاهدي افغانستان . وفي كل خطبه يتطرق الى الخطر المحدق بمسجد الاقصى .
فالجوهر ليس الخطيب , الجوهر ................ المخطوب بهم
05-10-2010 12:51 PM
محمود
اين الطباء يا شيخ من المال السياسي في الانتخابات واين هم ممن يشترون الذمم واين هم من القتل اليومي واين هم من قضايا المخدرات؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
06-10-2010 09:26 AM
محمود
اين الطباء يا شيخ من المال السياسي في الانتخابات واين هم ممن يشترون الذمم واين هم من القتل اليومي واين هم من قضايا المخدرات؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
06-10-2010 09:51 AM
حمد
اقتباس"وهنا لا بدّ لي أن أسجل الشكر والتحية لوزارة أوقافنا ممثلةً بوزيرها المبدع معالي الدكتور عبد السلام العبادي"
بلشنا ندور عالمناصب
06-10-2010 04:29 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات