المثقف والوعي المزيف


لقد طغى على تراثنا الفكري طابعا جدليا، اغلقت معه كل قنوات الاتصال والتواصل ليحل مكانه منطق وثقافة التعصب الأعمى، والذي بدوره اغنى قاموس الشتم والقذف والتحقير، فالوعي الثقافي لا بد أن ينأ بنفسه، ويوسع حالات الالتقاء والحوار والمناقشة وقبول الآخر مهما كانت حججه.

فالمتابع لثقافتنا الجمعية ووعينا الجمعي يرى مع الأسف انهما لم يصلا للمستوى المطلوب من المسؤولية وعقلية الشراكة والحوار وقبول الرأي والرأي الآخر والتعاون والمحبة، والتي هي أساس ومنطلق بناء المجتمع العصري المتحضر، فلا زال الوعي الجمعي يحمل ثقافة القبيلة وعقليتها المتفردة والممنهجة.

مشكلتنا الأساسية ليست مع من يحكم، وإنما مشكلتنا الأكبر هي في ثقافة المحكوم نتيجة التضليل التاريخي المبرمج، الذي مورس على الناس من قِبَل منظومات التخويف والترهيب والانتفاع والتكسب والبغي، مما أدى لتشكيل وعي جمعي مزيف كسيح ومُشرذَم وتناحري.

نجد على مساحة طول وعرض هذا الوعي المشوه، تربعت طويلا كل قوى الشر والاستبداد، لأنه أصبح أداتها في السيطرة وخاصة إن قسم كبير من هذا الوعي تم إخراجه تحت يافطة أما المقدس أو الواجب والفرض حتى يتم تمريره على الناس ويصعب التخلص منه، لأن كل من يعارضه يُتهم بالزندقة والتغريد خارج السرب، ويتم تأليب الجموع عليه وعلى كل من يدعو للتغيير.

لا بد من الوعي لدحض كل هذه الأكاذيب وكشف عورة التضليل في سياق نضال قادر على مواجهة الزيف والتزييف، وعلى كل مثقف غير تابع أو أجير أو مستخدم أن يتصدى لأي ممارسة من شأنها تجهيل الناس ولفت انتباههم إلى قضايا ثانوية جانبية بعيدة عن الحقيقة والنور.

فالمثقف الحقيقي هو عين المجتمع، وهو دائما ً في حالة تربص مع السلطة أيّة سلطة مهما كانت، لأنه من المفترض أن يعبر عن ضمير الناس وآمالهم وتطلعاتهم وطموحاتهم ويحمل وجعهم والآمهم وأمالهم بنفس الوقت، وعليه أن لا يساوم على قضيتهم ومصالحهم فهو بمثابة (بيضة القَبّان) وحارس الوعي، وأن لا يتنازل عن مبادئه مهما كانت المُغريات والغنائم والمكاسب التي سيجنيها، وإلا فقد مبرر وجوده وخان نفسه وامانته.

مشكلتنا ما زال البعض يعتقد بأن دور المثقف يتوقف فقط عند مستوى النقد، فالمطلوب أن يتجاوزه إلى مستوى تقديم الحلول، إذ ليس بالضرورة أن تكون الحلول قطعية، بل هي مقترحات قابلة للتطوير والبناء عليها بما يفيد الناس والمجتمع.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات