عار عظيم على بريطانيا أن تفاخر بجريمة وعد بلفور


مع حلول الذكرى الـ102 لصدور وعد بلفور المشؤوم وهو ( الاسم الشائع الذي يطلق على الرسالة التي بعثها في 2 تشرين الثاني 1917 وزير الخارجية البريطاني الأسبق آرثر جيمس بلفور إلى اللورد اليهودي ليونيل ولتردي روتشيلد ) وعلى الرغم من مرور ما يزيد على قرن على الجريمة النكراء وحتى هذه اللحظة لا يبدو أن الحكومة البريطانية تميل إلى مراجعة سلوكها الاستعماري البشع الذي مهد لمأساة احتلال الأراضي الفلسطينية وأدى إلى إنشاء الكيان الصهيوني على أرضها وإلى الكارثة التي أصابت شعبها حين اقتلع من معظم أرضه ودمر نسيجه الاجتماعي وأصبح غالبية أبنائه مابين لاجئين ونازحين وضحايا للتشرد وان من أخطر تداعيات هذا الوعد الاجرامي ارتكاب إسرائيل مئات المجازر التي نتج عنها أعداد كبيرة من القتلى والجرحى.

وبموقف بريطاني جديد مدان ومستنكر ومرفوض يمثل تحديا كبيرا لرأي الشعب البريطاني والمجتمع الدولي وأبناء فلسطين والعرب والمسلمين ويعكس لامبالاة حقيقية للمسؤولية التاريخية للجريمة التي ارتكبتها بريطانيا وبإصرار شديد يدلل على " أزمة أخلاقية كبرى " تصدر من العين البريطانية وهي مصممة على التعامي وهي تدافع بشراسة عن نكران الحق الفلسطيني وبمنتهى الوقاحة والبجاحة و باستخدام أسوأ التعابير الاستعمارية المتعجرفة والبعيدة عن المنطق وبكل ما يجافي الضمير السياسي والإنساني البريطاني الذي لا وجود له.

فقد دافعت يوم الجمعة الماضي 1 / 11 /2019 مندوبة بريطانيا الدائمة لدى الأمم المتحدة السفيرة " كارين بيرس " خلال مؤتمر صحفي عقدته بمناسبة تولي بلادها الرئاسة الدورية لأعمال مجلس الأمن بقوة عن جريمة وعد بلفور وقالت ( إنها راضية عن الدور الذي قامت به بريطانيا لمساعدة إسرائيل على الوجود ) وقد سبقتها في مثل ذلك الفعل المشين رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي عام 2017 حيث صممت في حينه على الاحتفال بمرور الذكرى المئوية الأولى على صدور وعد بلفور وقالت خلال جلسة لمجلس العموم البريطاني إنها فخورة بمساهمة بريطانيا في إنشاء إسرائيل ورفضت تقديم أي اعتذار عنه ( هذا التفاخر والرضا عن صفات المجرم الذي يتلذذ بجريمته ) وبما يناقض الأعراف والقوانين الدولية وحق تقرير المصير يوم سلمت سلطة الانتداب البريطانية إدارة شؤون الأراضي الفلسطينية لمنظمات صهيونية مسلّحة ارتكبت أبشع وأفظع المجازر بحق الفلسطينيين وهجرتهم من ديارهم.

بريطانيا كانت ولا زالت دولة استعمارية وقد زرعت ألغام الفتن الكثيرة قي العالمين العربي والإسلامي بهدف إثارة النعرات والصراعات عندما تقضي مصلحتها بذلك وقد أرادت من خلال إعطاء اليهود وطن قومي إضعاف الشعب العربي وتقسيم الشرق الأوسط والحفاظ على مصالحها حيث اعتبرت قيام إسرائيل بمثابة لواء متقدم لحماية لمصالح الغربية إضافة إلى جعل هذا الكيان المصطنع " خنجرا مسموما في خاصرة الأمة " ليحول دون طموحات الشعوب العربية بأي مشروع نهضوي يحقق الوحدة وتقرير المصير والعيش في دولة قومية واحدة، وإنها بسياستها الاستعمارية الخبيثة لم تكن يوما بريئة ولا يمكن أن يؤمن جانبها وقد تعمدت الخداع والكذب وتنكرت لعهودها للفلسطينيين والعرب ومارست على الأرض إجراءات تعلم أنها ستؤدي إلى نتائج كارثية للفلسطينيين وقد قمعت الشعب الفلسطيني وحرمته من تطلعاته للحرية والاستقلال وما تصريحات مسئوليها في الماضي والحاضر إلا ( تكرار للجريمة السياسية القذرة والأكبر في التاريخ الإنساني والتي ما زالت تتوالى فصولها لاقتلاع شعب من أرضه وتشريده في مختلف بقاع المعمورة وهي أيضا استمرارية لخروجها المستهجن عن كل التقاليد والمواثيق السياسية والدبلوماسية ).

وعد بلفور كان يوما أسودا في تاريخ الشعب الفلسطيني والبشرية بأكملها وضربة للعدالة الدولية وصاحب هذا الوعد العار هو نفسه من حرم على اليهود دخول بريطانيا وهو القائل بعد جريمته المدبرة ( لا أريد من أي كان أية ملامة ولا أية دروس عن الضمير والإنسانية وحقوق الإنسان ) لأنه بلا ضمير وبدون إنسانية.

بريطانيا الرسمية تتحمل المسؤولية التاريخية والقانونية والسياسية والمادية والمعنوية الكاملة لنتائج وعدها الشائن وكل الضرر الكارثي الذي ألحقه بالفلسطينيين فهي مجرم الحرب الأساس ضد فلسطين وشعبها والسبب في ويلاته ونكبته منذ أكثر من مئة عام وعليه يتوجب محاكمتها دوليا كمجرم حرب حيث عن فترة احتلالها لفلسطين (1920- 1948 ) وتطبيق الشق الأول من وعد بلفور بإنشاء "وطن قومي لليهود في فلسطين " وعدم التزامها بشقه الثاني الذي يتضمن عدم الإضرار بحقوق الفلسطينيين الذين كانوا يشكلون في ذلك الوقت نحو 92% من السكان وفق التقديرات البريطانية نفسها.

وأننا مع الذكرى الاليمة ندعوا اليوم كافة الأنظمة والشعوب العربية ومنظماتها وأحزابها وقواها إلى مطالبة بريطانيا بالاعتذار للفلسطينيين وجبر الضرر الذي ألحقته بهم والإقرار بمسؤوليتها القانونية والسياسية عن الظلم الذي أوقعته عليهم والاعتذار لهم والذي يترتب عليه مسؤولية قانونية تلزمها بدفع تعويض الفلسطينيين عن الإضرار التي لحقت بهم جراء الانتهاكات الإسرائيلية التي تعتبر جريمة بحق الإنسانية ( إذ سبق لبريطانيا أن اعتذرت عن دورها في تجارة العبيد في الحقبة الاستعمارية كما اعتذرت عن تسببها في المجاعة بأيرلندا خلال القرن التاسع عشر) وفوق كل ذلك الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة ووقف عمليات التطهير العرقي الذي تمارسه إسرائيل.

ويتوجب على لندن اقتناص الفرصة السياسية القائمة للعب دور فاعل وجوهري في حل قضية شعب فلسطين وإحقاق حقوقه السياسية التي رفضها وتنكّر لها بلفور قبل أكثر من قرن حيث لا زالت فلسطين والفلسطينيين الضحية الدموية لهذا الوعد الاستعماري اللعين والمطالبة كذلك بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني حتى إنهاء الاحتلال وتجسيد سيادة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 بما فيها القدس الشرقية العاصمة الأبدية لفلسطين والاعتراف بحق اللاجئين بالعودة الى ديارهم التي شردوا منها بالقوة العسكرية والسعي لتوفير حل عادل لقضيتهم وتقديم مقترحات مقبولة لمحاولة تصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكبوه والتكفير عن جريمتهم بحق الشعب الفلسطيني فـــ ( الحق لا يموت بالتقادم ).

كما نطالب بعض الدول العربية ( المعنية ) إلى وقف هرولة التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله من اجل انتزاع حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف وتعزيز صموده في ارض وطنه بشتى الوسائل الشعبية والإعلامية والقانونية والدبلوماسية والاقتصادية لتمكينه من إحباط صفقة القرن الأميركية التي لا تقل خطرا على فلسطين والمنطقة بأسرها عن خطر وعد بلفور باعتبارها ( مشروعا لتصفية القضية الفلسطينية ) وتمكين إسرائيل من السيطرة والهيمنة في المنطقة كوكيل معتمد للمصالح الاستعمار الجديد والامبريالية الأميركية في المنطقة.

ومن المؤسف انه بعد مرور كل هذه السنوات وكشف الكثير من الحقائق الصهيونية المزيفة لا تزال قطاعات بريطانية واسعة تؤمن بما يسمى بالحق التاريخي لليهود في فلسطين وتتعاطف مع الرواية الإسرائيلية ومع ما معاناة اليهود من مظالم تاريخية كان ( معظمها على أيدي الأوروبيين أنفسهم ) كما ولا يزال النفوذ الصهيوني أكثر حضوراً وقوة في أدبيات وأروقة السياسة البريطانية.

وأخيرا إن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين يشكل ( وصمة عار على جبين بريطانيا وحكومتها وسياستها أولا وعلى المجتمع الدولي ثانيا ) الذي تقع عليه مسؤولية إنهاء الاحتلال الصهيوني الغاشم كما صنعه وقبله ودعمه وتعايش معه.

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات