لماذا أرعب الهجوم على ارامكو قادة إسرائيل؟


شكل هجوم صباح يوم 14أيلول الماضي على منشآت نفط شرقي السعودية ( ابقيق وحقل خريص ) الضربة الأخطر لمنشآت النفط في الخليج منذ حرب الخليج الأولى من حيث حجم الإضرار غير المسبوقة والأهمية الاقتصادية والذي هز سوق الطاقة وإحدث تشويشات على ضخ النفط في الأسواق العالمية نحم عنه تقليص مؤقت يقدر بـ 5.7 مليون برميل يومياً أي حوالي 50 % من قدرة الإنتاج الكلي لصناعة النفط السعودية وارتفاع أسعار النفط الخام في السوق العالمية عدا عن وقف طرح اكتتاب حصة 5% من شركة أرامو في الأسواق.

وقد اتهمت إيران بالوقوف خلفه تنسيقا وإدارة إلا أن منفذوا الهجوم وباستعمال وسائل تمويه مختلفة لم يتركوا وراءهم أية آثاًر قد تورِط إيران في العملية وقد نفت هي كالعادة أي علاقة لها بالهجوم في المقابل أعطى الحوثيون حلفاء إيران إشارات واضحة بأنهم يتحملون المسؤولية الكاملة عن الهجوم.

ما ميز هجوم ارامكو بالتخصيص اعتماده على إمكانيات وبنية تحتية استخبارية واسعة ومنظمة مع تنسيق عملياتي متقن في اختيار الأهداف وتشخصيها بشكل جيد تتطلب درجة عالية من الاتصال إضافة إلى تحقيق ضربات طويلة المدى تصل إلى مسافة 650 كيلومترا عبر الاستهداف الليلي الدقيق حيث لم يكن متاحًا مطلقا منع وصول أهدافها في السعودية بما استخدام من صواريخ إيرانية دقيقة جدا ونسبة الخطأ في دقة إصابتها لا تزيد على ثلاثة أمتار وبمشارك طائرات مسيرة متطورة جدا بمحركات نفاثة لها قدرات فائقة على التخفي والتمويه.

ولم تقتصر الأضرار على ما حل من دمار وخراب في المنشآت ولم تتوقف آثار الضربات عند انعكاساتها الاقتصادية وقد أظهر الإيرانيون مهارات هائلة عندما تحكموا في طائرة مسيرة أميركية وأنزلوها ليستفيدوا مما بها من تقنيات مما يعني بان لديهم قدرات تكنولوجية متفوقة ذات تقنية عالية المستوى قادرة على شن هجمات بعيدة ومتوسطة المدى بصورة مؤثرة ومدمرة وإن منشآت أرامكو هوجمت بعشرين قذيفة ما بين صاروخ كروز وطائرة مسيرة وإن 17 هدفا أصيبت بشكل مباشر ( أي أن نسبة إصابة القذائف للأهداف بلغت 85% ) منها صهاريج غاز وبترول وهي بذلك تتجاوز دقة صواريخ كروز الأميركية التي تصل الى 60% والروسية التي تنحرف صواريخها أحيانا بعيدة عن أهدافها.

ليس سراً أن الهجمات الإيرانية الأخيرة على المنشآت النفطية السعودية أثارت قلق المؤسسة العسكرية في إسرائيل وأيقظت مخاوفها وأرعبت قادتها في دوائر صنع القرار وقد شكلت ( ساعة منبه ) لإسرائيل بسبب الحيثيات التي رافقتها ولما كشفته من قدرات عملياتية استثنائية أثبت فيها الإيرانيون كفاءة عالية في التخطيط والتنفيذ ودقة التصويب بعدما أصابت صواريخ كروز ذات المدى المتوسط وطائرات بدون طيار أهدافها بصورة مدمرة ودقيقة مع تجاوزها أنظمة الدفاع الأمريكية باهظة الثمن التي اشترتها السعودية بمليارات الدولارات والتي لم تستخدم لإسقاط الصواريخ والطائرات الإيرانية ولم تكن فاعلة ولم تكن مجدية أمام بعض الهجمات المتواضعة.

إن القدرة العالية التي أظهرتها إيران في ضربة أرامكو وكذلك في استهداف ناقلات النفط قبلها أثارت خشية إسرائيل من احتمال تكرار السيناريو السعودي فوق أراضيها وان تصبح في قلب العاصفة وعين الهدف القادم في اي لحظة بمثل هذا الهجوم سواء بالصواريخ الجوالة بعيده المدى أو من خلال طائرات انتحارية مسيرة بدون طيار خاصة مع توارد معلومات استخبارية إسرائيلية أن المنظومات القتالية التي تحوزها لاكتشاف التهديدات الصاروخية الإيرانية ليست كافية وأن طهران بصدد إنتاج أجهزة ومعدات عسكرية ستعمل على تحويلها إلى قاذفات صواريخ متطورة وتنقلها إلى حزب الله وهي قادرة على الوصول الى أي نقطة في عمق إسرائيل وبما يشكل خطرا كبيرا على الأمن الإسرائيلي حتى ان بعض الخبراء النوويين طالبوا بالإسراع في إغلاق مفاعل ديمونة وتفريغ خزان الأمونيا في حيفا وتحويل محطة وقود " باي غليلوت" بعيدا عن تل أبيب ودفن خزانات الغاز والوقود تحت الأرض.

وفوق كل ذك بناء منظومة دفاعية وأمنية متطورة و تجهيز استعدادات عسكرية فائقة لتعقب الضربات ودراسة وتحليل نتائجها وإحداث تغييرات بالجاهزية الدفاعية تحسبا لاي هجمات إيرانية تستهدف إسرائيل على غرار الهجوم على المنشآت النفطية في السعودية ورغم أن إسرائيل تمتلك عدة منظومات للدفاع الجوي بينها بطاريات صواريخ باتريوت الأميركية المتطورة إلى جانب منظومة " القبة الحديدية " المخصصة لمواجهة صواريخ المقاومة في قطاع غزة فقد توج نتنياهو استغلاله لـ " فزاعة إيران " بمشروع عسكري جديد لإنشاء منظومة دفاع جوي لتحسين القدرات للتعامل مع صواريخ كروز وصواريخ حزب لله اللبناني بكلفته تصل إلى مليار دولار وطالب بتزويد الجنود الإسرائيليين بأدوات دفاعية وهجومية غير مسبوقة تقنيا حيث لم تعد المنطقة كما كانت سابقًا مع تنامي القدرات الإيرانية قوة ونوعية.

لقد مثلت إيران لسنواتٍ طويلة خطرا إستراتيجيا وتحديا أمنيا للإسرائيليين وتنامت حدة هذا الخطر مع تعمق الوجود الإيراني في سوريا خلال السنوات الماضية وتعاظمها العسكري هناك وعملها الحثيث على نشر منظومات أسلحة نوعية من صواريخ أرض - جو متطورة وصواريخ مضادة للسفن وصواريخ أرض- أرض عالية الدقة عدا عن نشرها لقواتٍ عسكرية على الأراضي السورية والعراقية وما أضفا ذلك من مرونةٍ على عمليات نقل الأسلحة النوعية والمتطورة إلى " حزب الله " ودعمه لإنشاء بنى تحتية لإنتاج صواريخ دقيقة التصويب وبعيدة المدى في لبنان.

وهو ما دفع إسرائيل الى تصعيد سلوكها العملياتي والميداني لمواجهة هذا التحدي والذي تمثل أحيانًا بقصفها لمنشآتٍ عسكرية ومدنية سورية وإيرانية كان آخرها تدمير موقع صغير للطائرات المسيرة الإيرانية قرب بلدة عقربة جنوب دمشق بعدما ادعت عزمها على تنفيذ هجمات على منشآت حيوية إسرائيلية واستهدافها المستمر لشحنات الأسلحة لمنع وصولها إلى لبنان واغتيال عناصر وقيادات تابعة لـ " حزب الله " في سوريا وتكثيف جهودها الاستخبارية الموجهة ضد الأراضي السورية والتشكيلات العسكرية النشطة عليها بمختلف أطيافها.

ولا يمكن هنا إغفال رغبة ومخططات تل ابيب الجامحة لشن هجوم عسكري مباغت للقضاء على البرنامج النووي الإيراني كما فعل سلاحها الجوي حين دمر مفاعل تموز العراقي عام 1981 في عملية " اوبرا " الشهيرة الا ان الواقع اليوم مختلف وان إيران ليست هي العراق وان أي هجوم إسرائيلي غبي على منشاتها النووية حتما سوف يقود إلى حرب شاملة وربما إلى تدمير الدولة العبرية في نهاية المطاف.

ومن المعلوم ان إسرائيل وبعض دول المنطقة حاولوا أكثر من مرة إقناع واشنطن توجيه ضربة عسكرية عاجلة لإيران دون جدوى أمام قناعات الرئيس ترامب ان امريكا ليست بصدد الدخول في نزاعٍ عسكري مع طهران الان في ظل عدم وجود أي مؤشرات حقيقية تدل على أي تهديد فوري لحرب محتملة قد تشنها إيران على إسرائيل أو الدول المجاورة لها رغم حالة التوترات المتزايدة بينهم بل وبعيد عن ذلك رحب ترامب بعقد لقاء مع نظيره حسن روحاني واكتفى بممارسة الضغوط الاقتصادية والعسكرية على إيران.

وإننا إزاء ذلك على يقين مطلق بان طهران لن تهاجم إسرائيل بشكل مباشر وقد تعمد إلى تفعيل دور حزب الله من لبنان والجهاد الإسلامي وحماس من غزة والحوثيون من اليمن وقوات الحشد الشعبي من العراق رغم إعلانها قبل فترة وجيزة عن إحباط مخطط إسرائيلي لاغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني والذي بات يتصدر قائمة المطلوبين للمخابرات الإسرائيلية ولكن في نفس الوقت من المحتمل جدا ان تقوم تل أبيب بمغامرة طائشة وخطيرة تدخل فيها بمواجهة مع إيران تجر المنطقة الى حرب مدمرة لا تبقي ولا تذر.

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات